تدريباتنا

ألمانية تعشق دمشق تقيم فيها منذ أربعين سنة وتعيد إحياء تراثها

بواسطة | نوفمبر 23, 2022

“أشعر بأنني خائنة لو تركت البلد، أنا هنا منذ أربعين سنة وما زلت أحب دمشق وناسها”، تقول هايكة فايبر هذه الجملة مبتسمة وهي تتأمل منزلها العربي في حي باب شرقي الدمشقي. مازال المنزل يحتفظ ببريقه وبساطته الأنيقة رغم أن السيدة الألمانية بقيت فيه بمفردها، بعدما سافر أولادها الثلاث بحثاً عن حياة أفضل لهم خارج البلاد مع اندلاع الحرب.

هايكة قد تكون الألمانية الوحيدة المقيمة في دمشق، وهي من الأجنبيات القليلات اللواتي ما زلن يقمن في البلد رغم الحرب، لكن الأمر مختلف كان بالنسبة لهذه السيدة الشقراء ذات العينين الزرقاوين، فهي اليوم تحاول إعادة إحياء مشروعها المميز “عناة” الذي حقق شهرة واسعة في تسعينات القرن الفائت وبداية الألفين، ونجح يومها بتشغيل ألف سيدة سورية في قرى نسيها الزمن، ولا يملك أهلها فرصاً مهمة للعمل.

رحلة هايكة مع سورية بدأت عام 1982 عندما نزحت مع زوجها الفلسطيني الأردني من لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي، واتجها إلى دمشق مع أولادهما واختارا السكن في منطقة مخيم اليرموك، وهناك بدأت هايكة الشابة بتنفيذ دورات لتعليم السيدات كي يستفدن من القطع القديمة ويقمن بإعادة تدويرها في تنفيذ تصاميم وأشكال عديدة، وبعدما تعلقت السيدات بهذا الفن اقترحن تأسيس عمل لهن، وهنا قررت هايكة البحث عن شيء جديد يحقق للجميع دخلاً مقبولاً، فقررت التوجه للتراث الفلسطيني وتقديمه برؤية جديدة وأسست ورشة لها في منطقة التضامن عملت فيها العديد من السيدات الفلسطينيات والسوريات.

تقول هايكة “عندها بدأت المشاركات السوريات يقدمن اقتراحات للتعريف بتراث مناطقهن المختلفة والفنون الجميلة التي تمتلكها، فبدأت بجولة بحث جديدة للتعرف على فنون المناطق المختلفة السورية، وفي كل مرة كنت أضيف خطاً جديداً، ولم يقتصر عملي على دمشق بل قررت التوجه لأرياف حلب وإدلب والسويداء ودرعا، والتعرف على سيدات يمتلكن مهارات التطريز والحياكة التقليدية، حتى وصل عدد عضوات فريقنا لحوالي ألف سيدة”.

وبعدما توسع عمل هايكة قررت الانتقال لقلب العاصمة القديمة واستأجرت محلاً صغيراً خلف المسجد الأموي نجح في استقطاب الكثير من السياح والشخصيات الفنية والسياسية رغم تواضعه، ثم انتقلت لمحل أوسع في منطقة باب شرقي كان أشبه بالمتحف، قدمت فيه خطوط الموضة التي ابتكرتها، والتي نقلتها بالفعل لمختلف دول العالم من خلال تنظيم معارض في أوربا وآسيا وأميركا.

مع بداية الحرب، وانعزال القرى عن بعضها البعض بسبب الحصار والحرب، تفرقت السيدات اللواتي عملن معها، كما توقفت السياحة وتراجع الوضع الاقتصادي، ولم يبق من مشروع هايكة سوى الاسم.

تقول هايكة “كنت اعتقد دائما بأن الحرب ستنتهي، وفي كل مرة أقول أن الأزمة مؤقتة، لكن لم أتوقع أن تستمر لأكثر من عشر سنوات، وخلال هذه السنوات احتفظت بالقطع القديمة التي نفذتها سيدات ولم تكملها أو نفذنها واضطررن لاحقاً للهرب أو ربما تعرضن للموت، ولذا قبل حوالي العام قررت تأسيس معرض تعرض فيه القطع التي بقيت بحوزتي كنوع من التكريم والشكر للسيدات اللواتي عملن معي”، وخلال التغطية الإعلامية التي رافقت المعرض وصلت رسالتها لبعض السيدات اللواتي عملن معها بالماضي، وعرفن أنها مازالت في دمشق، فتواصلن معها ومن هنا قررت هايكة إعادة إحياء المشروع.

اليوم عاودت السيدة الألمانية الناطقة باللغة العربية بطلاقة، نشاطها من جديدة ورغم تقدمها بالعمر، بدأت بنفيذ جولات في مختلف الحافظات، وتقول بأنها لا تعرف إن كان المشروع سينجح كما في الماضي خاصة وأنها تواجه صعوبات عديدة مثل تقدمها بالسن، وغلاء مواد الإنتاج وضعف جودتها وأيضاً مشكلة البنزين والكهرباء، لكنها تحاول.

وقد أصدرت مؤخراً هايكة كتاباً بعنوان “عناة” وبطلها بعل باللغة الإنكليزية وقعته في دمشق وفي دبي، غاصت من خلاله في تاريخ الرموز المستخدمة على الأقمشة والتطريز، وأثبتت من خلال أبحاثها العميقة تناقل بعض الرموز عبر آلاف السنين حتى اليوم.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا