أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
على امتداد عقود شغل الأستاذ أنطون مقدسي وظيفة هامة في وزارة الثقافة السورية، كمدير للتأليف والترجمة، حتى جاز القول إنه طبع الوزارة بطابعه الشخصي والثقافي خلال فترة وجوده.
في سنواته الأخيرة، وفي طريقه إلى عمله اليومي في وزارة الثقافة الواقعة في حي الروضة الدمشقي، كان يمكن للمهتمين بالثقافة أن يلحظوا هذا الرجل المحني الظهر، الضئيل الذي يشبه أباطرة أو كبار كتاب اليابان، مثل يوكوشيما أو كاواباوتا، يسير بخطوات بطيئة، وكأنه يخشى أن يتعثر، وكانت ابتسامة خفيفة ترتسم على محياه وهو يستقبل ضيوفه، وإذا أطال الزائر أو تمادى في الثرثرة فسرعان ما تختفي الابتسامة ليُظهر وجهاً صارماً له مهابة عظمى.
إنه “الأستاذ” في ذهابه وغدوه الذي يحمل إرثاً معرفياً شاملاً، ويلم بمعارف شتى، إنه الفيلسوف الذي يفكر فلسفياً دون أن يترك خلفه كتباً فلسفية، رجل الثقافة الكبير الذي قصده الكتاب والمترجمون والشعراء والنقاد والفنانون التشكيليون من كافة الأجيال والمناطق، من المدن والأرياف.
ولد أنطون مقدسي في بلدة يبرود الصغيرة من قرى القلمون في محافظة ريف دمشق، في قرية قديمة عثر فيها المنقبون على آثار لإنسان الكهوف تعود إلى العصر الحجري. تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في بلدته ودرس الفلسفة فترة قصيرة بين عامي 1933و 1934 في جامعة دمشق ثم سافر إلى باريس وحصل على إجازة في الفلسفة وشهادة في الأدب الفرنسي من جامعة مونبيلييه، ثم حصل على إجازة في الحقوق وأخرى في العلوم السياسية من مدرسة الحقوق الفرنسية في بيروت وكانت تابعة لجامعة ليون الفرنسية في ذلك الوقت. وبعد عودته إلى سورية عمل مدرساً للفلسفة في ثانويات حمص وحماه وحلب ودمشق منذ عام 1940 وعمل مدرساً أيضاً لعلم النفس والتربية، ثم مدرساً للفلسفة اليونانية في جامعة دمشق على مدى عشرين عاماً، وعمل مدرساً للفلسفة السياسية في المعهد العالي للعلوم السياسية أربع سنوات.
كان أنطون مقدسي أستاذاً ومربياً شارك في وضع المناهج التعليمية وكانت له بصمته في ذلك، وعلى صعيد الجامعة كان أستاذا في تدريس الفلسفة تخرج على يديه، أهم أساتذة الفلسفة، وتعد الفترة التي كان يدرس فيها في جامعة دمشق إلى جانب رفاقه هي المرحلة الذهبية للتعليم الجامعي فهو من جيل الأساتذة الذهبيين: عبد الكريم اليافي، وعادل العوا، وجميل صليبا، وحافظ الجمالي، وسامي الدروبي، وبديع الكسم.
أثناء عمله الدؤوب في مديرية التأليف والترجمة في وزارة الثقافة السورية، كان يدير فريقاً من خيرة المثقفين والمؤلفين والمترجمين والخبراء الذين أوصلوا الكتاب الصادر عن وزارة الثقافة السورية إلى كل العواصم العربية على أنه كتاب يعتدُّ به، تأليفاً وترجمة.
وعلى الرغم من عمله مديراً للتأليف والترجمة والنشر منذ عام 1965 حتى عام 2000م، وكانت أهم وأنشط جهة للنشر في سورية، وموقعة البارز في اتحاد الكتاب العرب، وعلاقاته الواسعة مع مؤسسات وشخصيات ثقافية عربية وعالمية إلا أنه لم يطبع كتاباً، وله عشرات المقالات الهامة، ومقدمات طويلة وهامة لبعض الكتب إلا أنه لم يجمع مقالاته بين دفتي كتاب في حياته، وكل مقال أو مقدمه كتبها الأستاذ مقدسي تعادل كتاباً في موضوعها، وهذا أمر محير، جعل بعض الصحفيين اللبنانيين يشبهونه بسقراط الذي لم يعرف له كتاب ألفه في حياته، و لا أحد يستطيع إنكار مكانة سقراط في تاريخ الفلسفة وكذلك لا أحد يستطيع إنكار تأثير وحضور الأستاذ أنطون في الثقافة العربية المعاصرة.
على الصعيد السياسي، ربما قلة يعرفون أن أنطون مقدسي كان قريباً جداً من السياسي السوري أكرم الحوراني مؤسس الحزب العربي الاشتراكي، ويقال إنه وضع النظام الداخلي لهذا الحزب وبرنامجه السياسي، وكان له دور في اندماج الحزب العربي الاشتراكي مع حزب البعث وصياغة وثيقة الاندماج عام 1953 ليصير اسمه حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم سورية منذ عام 1963. ولم يسعَ أنطون مقدسي ليكون له أي امتيازات أو منصب سياسي، وحافظ على مكانته كمفكر قومي اشتراكي مستقل وصاحب عقل نقدي طيلة حياته. كان يمتلك ثقافة موسوعية شاملة، وتؤكد كتاباته واهتماماته على ذلك، فله مقالات في الاقتصاد والسياسة والفلسفة والأدب والفن التشكيلي والنقد الأدبي وفن الشعر وأنماط السرد، وكل مجالات الثقافة، وفي الدين واللاهوت والتحليل النفسي ونظريات علم الاجتماع والتربية والفكر الماركسي والوضعي، وكان فاعلاً في كل مراحل حياته وكل أدواره التي تمثلها وعمل بها، وليست هذه من المبالغات بل كانت واقعاً لمسه معاصروه وعايشوه معه عن قرب. إنه من الموسوعيين العرب بعمق، وبانحياز واضح نحو الحداثة وبعدها النقدي. وكان في سنواته الأخيرة حين ينكب على عمله ينحو إلى الصمت والنفور من الثرثرة المعتادة في أوساط المثقفين، ولم يعرف عنه حب الزيارات ومجالسة المثقفين في المقاهي أو النوادي، كان أشبه بكاهن تنويري، ومن المؤكد أنه على الرغم من اشتراكيته ونشره للفكر العلماني كان مؤمناً بعمق أيضاً وهذا ما أشار إليه صديقه الأب الياس زحلاوي، وقد اشتركا معاً في إصدار كتاب مشترك ديني المحتوى والشكل بعنوان” الصوفانية” عام 1982.
ولأنه رجل فكر منخرط بقضايا أمته، ويعرف دور المثقف النقدي في إصلاح المجتمع كان مؤمناً بالإصلاح السياسي لبلده سورية حتى رحيله، وكان قد وجه رسالة مفتوحة إلى القيادة السورية على صفحات جريدة السفير اللبنانية نشرت عام 2000عبَّر فيها عن رؤيته وأمله في تحقيق إصلاحات جوهرية. كما وقع مع مثقفين سوريين بيانين من أجل الإصلاح، وهما ما عرف ببيان الـ99 مثقفاً ثم بيان الـ1000 مثقف اللذين طالبا في الإسراع بالإصلاح وإطلاق الحريات السياسية وإلغاء قانون الطوارئ، قبل الانفجار السوري الكبير بحوالي عقد من الزمن.
هوامش
نشر أنطون مقدسي مقالاته في كبريات الصحف والمجلات العربية، ومن أشهر مقالاته في الأدب:
١- قضايا الأدب وضرورة إنتاجه، نشرت عام 1972 من / 90/ صفحة في سلسلة الدراسات الأدبية، الجامعة التونسية، مركز الدراسات والأبحاث الاقتصادية والاجتماعية.
٢- مدخل إلى دراسة الأدب والتكنولوجيا، من 50 صفحة نشرت في مجلة الموقف الأدبي السورية عدد /12/ نيسان 1973.
٣- وطن ألفه الكلام، مجلة المعرفة السورية عدد /147/ أيار 1974.
٤- الحداثة والأدب، الموجود من حيث هو نص: رؤياه وإبداعه /20/ صفحة الموقف الأدبي عدد /9/ 1975.
٥- مقاربات في الحداثة، مجلة مواقف عدد 35 ربيع 1979في 60 صفحة.
٦- كما أعدَّ مقدسي عدداً من مجلة المعرفة الصادرة عن وزارة الثقافة بدمشق العدد 286 عام 1985 بعنوان” أدونيس في باريس“.
أهم مقالاته في الفلسفة:
١-من الوجود إلى الوجودية، نشر في مجلة المعرفة عدد 85 عام 1969.
٢- لينين والفلسفة المادية المعرفة عدد 99 أيار عام 1970.
٣- في البدء كان المعنى، مجلة المعرفة عدد 113، تموز 1971.
٤-الفلسفة تبحث، مقدمة لكتاب عن الفلسفة لـ: إبراهيم الفاضل صادر عن اتحاد الكتاب العرب عام 1979.
٥- العقل وغير العقل، عقلانية في موقع البحث، مجلة الوحدة عدد 55 عام 1988.
٦- من المنطق إلى الميتافيزيقيا، مجلة المعرفة عدد 334 عام 1991.
٧- ما هي الماركسية؟ قراءات الياس مرقص في أسفار الماركسية اللينينية، مجلة المعرفة
٨- الفلسفة تحاور الأدب، المعرفة عدد 350 تشرين الثاني 1992.
٩- أهم مقالات أنطون مقدسي في الاقتصاد:
١٠- الفن الحديث عام1976
١١- ديالكتيك للاقتصاد ومنهجه لدى كارل ماركس، مجلة المعرفة عدد 112 عام 1971.
مقالاته في الفكر العربي المعاصر:
١- في الطريق إلى اللسان، بحث في زكي الأرسوزي واللغة نشرت في الموقف الأدبي عدد 3و4 عام 1972 ومقدمة للأعمال الكاملة للأرسوزي.
٢- الحصري يُعرّف الأمة، المعرفة عدد 204 عام 1970.
٣- صدقي إسماعيل مفكرا، مع تأملات في الفكر والأدب، المعرفة عدد 164 عام 1984
- الرواية والأصل، مراجعة وتقديم لكتاب: رواية الأصول وأصول الرواية تأليف مارت روبير ترجمة : وجيه أسعد.
مقالته في الفن التشكيلي:
١- العقلي واللامعقول من بودلير ؟إلى الفن الحديث، الموقف الأدبي.
٢- الفن والإنسان والياس الزيات، الحياة التشكيلية، وزارة الثقافة بدمشق.
٣- ساعات مع الفاتح، الحياة التشكيلية، وزارة الثقافة بدمشق.
٤-ذلكم هو الإنسان، عن الفنان مروان قصاب باشي، الحياة التشكيلية.
- أن تكونوا مع الأطفال، عن رسوم الأطفال اللبنانيين، نشرت في الموقف الأدبي عدد 4 عام 1974.
مقالاته في القضايا العربية:
١- حرب الخليج، اختراق الجسد العربي.
٢- المثقف العربي والديموقراطية، مجلة المعرفة عدد 1139 عام1979.
٣- الديموقراطية في مواجهة العنف، الموقف الأدبي عدد 211 عام 1988.
يذكر أنه ترجم عن الفرنسية رواية مكسيم غوركي” مأساة جليزنوفا” صدرت عن وزارة الثقافة بدمشق عام 1981
وبعد رحيله بعام جمع الأستاذ علي القيم مقالات أنطون مقدسي في كتاب بعنوان ” الأستاذ” ضم أهم مقالاته المنشورة بين 1968و 1992 إعداد وتقديم د. علي القيّم – وزارة الثقافة عام 2006 .
كما جمعت له محاضرات في الفلسفة تحت عنوان: ” الحب في الفلسفة اليونانية والمسيحية” تقديم المفكر السوري أحمد حيدر مراجعة الدكتور علي القيم صادر عام 2008م
إن قراءة مقالات أنطون مقدسي تعد متعة معرفية وأسلوبية، ومقالاته كلها طويلة بمنزلة كتاب شامل، يلحظ القارئ فيها الوضوح والدقة في الوصف والعمق في التحليل والاستنتاج، وهو يكتب كما يتحدث، إنه أشبه بأكاديمية فكرية، تشع منها الأفكار، مؤمناً حتى العظم بالفلسفة وبالتفكير الفلسفي، منقطعاً إلى الثقافة، يطل من خلالها نحو العالم ونحو الإنسان العربي المعاصر بشكل خاص. وكان متشبعاً بالفلسفة اليونانية والأوروبية ولديه اهتمام لا يستكين بالآداب والفنون وبفلسفة اللغة.
حصل الأستاذ أنطون مقدسي على بعض الجوائز:
- جائزة الأمير كلاوس 2001م
- جائزة تكريمية من وزارة الثقافة السورية 2002
- جائزة تكريمية من وزارة الثقافة الفرنسية عام 2003/ تقديراً لنشره الثقافة والآداب.
*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ”
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...