أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
رغم التطور العلمي المتسارع والاختراعات التكنولوجية، مازالت الغيبيات تشكل عنصراً أساسياً من حياة الكثير من أعضاء مجتمعنا، ما يجعل فكرة تفكيك المقدس وتناوله بالتمحيص والتدقيق وطرح الشك والسؤال ركيزة لا بد منها للنهوض بالعقل المستنير المعتمد على الحقيقة العلمية المثبتة فكريًا، كخطوة أولية للحاق بركب التطور واختزال الزمن الذي يفصلنا عن مواكبة آخر ما توصلت إليه الحضارة الإنسانية.
من هنا برزت أهمية الجرأة في تناول الأدب لفكرة محاورة المقدس رغم ما ينتظر من يقتحم هذا الموضوع من مخاطر التكفير والتهديد بالقتل وقريب العهد محاولات المتشددين اغتيال نجيب محفوظ ومحاربة نصر حامد أبو زيد ونجاحهم في اغتيال فرج فودة رغم أنهم يعترفون بعدم قراءتهم شيئًا لكل من ذكر. ولكن نما إليهم أنهم كافرون ومعادون للدين، فالدين يتشارك في كل مناحي الحياة الدنيوية التي تتغير بشكل متسارع ما يستوجب إعادة فهمه وقراءته بما يتناسب وروح العصر المتغير، وهذا ما اشتغل عليه أنور السباعي في كل من روايتيه: الأعراف ” برزخ في جنتين” و”مسيح الخلافة” حيث العتبة النصية بالعنوانين توحي بمقاربته للمسألة وتثير التساؤل بمقاصده وتدفع القارئ لتقصي ما يكتنف هذا العنوان من لبس وغموض.
ففي رواية “الأعراف” الصادرة عن كتابنا لعام 2018 يسوق الأقدار للقاء في زنزانة بين شيخ إمام جامع و ثوري ملحد على خلفية الأزمة التي مرت على البلاد السورية ضمن حوارية عملت على خلخلة العقلية الدينية في عمق قضاياها المسلم بها ورغم ضيق المكان الذي احتجزا فيه كان الفكر يحلق عاليًا مفككًا التاريخ والشرائع والنزاعات العقائدية والمذهبية يستند فيها إلى قول جلال الدين الرومي: “الحقيقة كانت مرآة بيد الله، وقعت وانكسرت شظايا، لذلك صار كل من ينظر في جزء منها يعتقد أنها الحقيقة كاملة.” ومن هذا الباب يتمترس كل في موقفه ويدعي احتكار الحقيقة ويرى الآخر مخالفًا له، رغم أن كل طرف منهم يستند على جزء منها ويترك جزءًا آخر ويمضي الحوار متصاعدًا حول معنى قبول الإله بالظلم المطبق على البشر وقتل الأطفال والكوارث التي تحصل. ما معنى أن يتفرج على ذلك كله، معرجًا على موضوع العقاب والثواب ومعنى العبادة ذاتها وما حاجة الإله المتعالي إليها وهو الغني عن ذلك كله، وربطه حواريات الفقهاء بالواقع السياسي في كل مرحلة، وكيف وظف الدين دائمًا في خدمة السياسة وحصد نتائجها المدمرة الفقراء والمضطهدون مستعرضًا بعض الآيات العنفية: “إن الذين كفروا بآياتنا، سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب” سورة النساء:56، عدا عن إثارة قضية خلق القرآن من جديد، هل هو خالق أم مخلوق؟ التي راح ضحيتها العديد من أصحاب فكر المعتزلة في التاريخ وهذا بحد ذاته كاف كي نتجاوز النصَّ إلى المعنى والفكر المعاصر.
أما في روايته “مسيح الخلافة” الصادرة عن دار سامح للنشر لعام 2022 فقد بدأ بها كمن يسرد يوميات كائن يعيش اللاجدوى في السويد ولا يستوعب عقله أن تخلو الطرقات من الجثث والضحايا وألا تثقب أذنيه أصوات الهاون والمتفجرات مستحضرًا ذاكرة قريبة تشبه في جزء منها أدب اليوميات في رؤية حداثية لتمازج الأجناس الأدبية عبر مذكرات الشخصية المحورية جيلان وتقاطعها مع حياة فادي وتلاقي مصائرهما رغم الاختلاف الطائفي، الطائفية التي كان لها وجوداً مدمرًا في المقتلة السورية، وقد اجتمعت فصائل جهادية من كافة جهات الأرض لتمعن في النسيج الاجتماعي هتكًا وتمزيقًا، وتغيب بعدها مطالب الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية حيث تبدلت المواقع مع أسلمة الحراك وتنوعت الأصوات والآراء والمواقف بين مؤيد ورافض وصامت.
فمقاربة المقدس الاجتماعي بدأت منذ البداية عندما تنامت تساؤلات جيلان الشخصية المحورية عن مفاهيم العقل الذكوري السائد باستخدام مفردات الأنوثة على شكل شتائم وما مر بها من الهواجس الأولى للفتاة وخوفها من ملامح أنوثتها؛ ولماذا هي عورة، وتخوفها من الحيض الأول؛ وبين الحيض والموت قصة حياة كل أنثى في الشرق وتطاولت أسئلتها لتتجرأ على المحرمات ورميها في محراب الرفض فمثلاً لماذا يحلل ضرب الزوج لزوجته في الآية المعروفة.
وما كلمات الأب ليتني “ما جنيت على أحد” كنوع من التناص مع وصية أبي العلاء على قبره “هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد” حيث نصف الكلمة يوحي بالشق الكامل الذي سكت عنه النص وهو تخوف الأب مما ينتظر كل امرأة لا تندرج في القطيع السائد فكيف تقنع المرأة بدين يدعو إلى ضربها، وهي ستضرب على أي حال ولكن مع الفتوى الدينية تحرر الذكر من عقدة الذنب تجاه الموضوع بأنه حق له ولكن علم الأخلاق هل يقول ذلك!
فالصبية التي ربيت على الاعتزاز وفق قول نوال السعداوي: “لا تكوني مثل أي أحد كوني أنت” في صوت متفرد للمرأة في النص سليلة أبوين من طائفتين مختلفتين تعاني مواجهة مضاعفة في الحق والانتماء والهوية.
لا يريد أنور السباعي أن يتهم بأنه متحيز لدين محدد أو طائفة معينة ونقدها فهو ينتقد الجميع لذلك رغم كل ما نعرفه عن المحبة بالمسيحية يورد قول السيد المسيح: “لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا.
فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا.” (متى 10: 34) مؤكدًا على وجوب تأويل أي نص بما يتفق وينسجم مع روح وحاجات الإنسان المعاصر حيث يرى بذور للعنف في أي دين يجري استثماره لقضايا دنيوية وعهود محاكم التفتيش لاتزال حاضرة في الذاكرة.
يدخل الكاتب عميقًا في أفكار الأقليات مشيراً إلى ظاهرة التقمص عند بعض الطوائف الباطنية وكيف تستخدم في التنابذ المذهبي مستبطنًا وقوفها على الحياد في الأزمة التي عصفت بالبلاد والخوف الذي تعيشه لانتماء ولدت به ويتم تكفيرها بناء عليه.
يضيء كذلك على الأعراف المبثوثة بالوعي الديني وكيف المعزون بجد فادي من الأصدقاء يتحرجون من كلمة “الله يرحمه” لأن الرحمة لا تجوز على الكافر أو النصراني “ص 133” في بعض الفتاوى المتشددة، ويعيد للأذهان عبارة “نصراني طورق” التي درجت في فترة ماضية كان لا يستطيع فيها أن يمشي بالسوق رافعًا رأسه، فادي كان صوت الآخر في الحراك الذي يرى كيف يقصيه لانتمائه المذهبي ويورد استهجانه للتاريخ الذي يعتبره كمسيحي ذميًا أي ناقص المواطنة. الإضاءة كذلك على مجتمع داعش المتشدد في المجالين الديني والاجتماعي الذي ينظر للنساء نظرة دونية واستعبادية فيقول: “كل النساء عاهرات ماعدا أمي” والمواقف المتطرفة الأخرى في فهم الشريعة فكل من يمتنع عن بيعة الأمير يصنف في حكم الخوارج ويتوجب محاربته وNهدار دمه.
وكل ذلك باسم الرب، لمن يدعي امتلاك صوت الإله وجنته وناره، ناهيك عن الخوف الذي يكتنف صورة عذاب الآخرة وتصوير الخالق بشكل مفزع يقوم بشي من لا يلتزم بتعاليمه وعبادته ليكون ظل المستبد ودريئته التي يتحصن بها.
في أسلوب آخر من قراءة المذكرات للدخول في تاريخية أحداث حصلت بطريقة ما وعلى الرغم من أنها طريقة كلاسيكية لكنها لبست لبوسًا عصريًا في ذاكرة فادي عبر استخدام الذواكر الرقمية وأجهزة النت، فطريقة زر الإطلاق بالقتل لا تشعر القاتل بوطأتها وبالجرم المرتكب وتبدو كأنها لعبة كمبيوتر تدرب عليها اليافعون طويلًا لذا لم يدركوا أبعادها، ألا وهي سهولة القتل الذي لا يرى القاتل فيها ضحيته.
الريف الحلبي يشتعل وآمال الثورة عند جيلان باتت في الحضيض. سوريون بانتماءات مختلفة يتبادلون مواقعهم المتناقضة فمن كان مع الجيش السوري انتقل لصفوف داعش ومن كان مع الجيش الحر صار مع الجيش النظامي وهكذا دواليك. وفادي تحول من الإنسان المسالم المؤيد إلى مجاهد دوره جز الرقاب عند فقدانه لذاكرته ما يذكرنا بالمسلوب في قصة جنكيز إيتماتوف الذي لا يعي ولا يتذكر من كان وإنما حنين عميق يسحب روحه لشيء ما ولا يدرك معناه.
ففي حادثة موت سلمى صديقة جيلان، كل الاحتمالات واردة بالتسبب في مقتلها، هل هم الثوار الذين هاجموا بسيارة مفخخة؛ أم هو النظام الذي اضطرهم للسلاح؛ أم أن السلاح كان موجودًا من اليوم الأول؛ أو من أعطاهم التمويل للسلاح؛ أو من صنع تلك السيارة التي فخخت. من القاتل ومن الضحية، حيت بات تبادل الأدوار بردود الأفعال والدفع نحو الانتقام كل لمظلوميته التي يراها.
السؤال القاسي هل خرجنا للحرية أم لدفنها، الحرية باتت ثوبًا مطاطًا يلبسه جسد بكل الأحجام والكل يعتبرها قضية له وهدفه، ولكن الضياع هو مآل الكثيرين ممن خابت أحلامهم وممن لم يكونوا يريدون الوقوف في صف الرصاص، الضياع الذي أودى بنوار “ابن الساحل” للانتحار وهو ابن السجين السياسي السابق خوفًا من دخوله في حرب ليس طرفًا فيها.
الاسم الكردي لجيلان صاحبة الرؤية الملونة التي بها جذبت عاشقها إليها إذ إن هشاشتنا تعكس إنسانيتنا، حاول الكاتب من خلالها المرور ليطرح بعض النماذج عن القضية الكردية ومظلوميتها في طرحه لهموم الجنسية والحق فيها.
ينفصل السارد عن شخصياته ليذكرنا أنه في السويد يعيش غربته الأخرى في الزمن الحالي الذي يطل فيه على ذاكرته القريبة يحاور ذاته: كيف لي أن أحيا بلا أصوات قذائف وبلا جثث موزعة على الطرقات، ويفتش عن وجود يكون فاعلًا فيه، فالراوي المجهول الذي نكتشف دوره في الحكاية يميط الستار عن الأحداث في البدء ويسدله مرة أخرى ليكون أحد الشخوص في نهاية حكايته وقد انكسرت أحلامه واغتصبت ثورته وبقي وحيداً لا يقبله أحد معبرًا عن خيبة جيل كامل توزع مقهورًا في رحاب الأرض.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...