تدريباتنا

السوريون وحلم الجنسية التركية

بواسطة | نوفمبر 9, 2018

“هام جداً للسوريين الراغبين في الحصول على الجنسية التركية”، و”هذا ما عليك معرفته للحصول على الجنسية”، “كل ما تحتاج معرفته عن الجنسية التركية”، تبدو هذه العناوين الرنانة هي الأكثر جذباً اليوم للسوريين المقيمين في تركيا والذين يُقدر عددهم بثلاثة ملايين ونصف المليون، حصل نحو ٥٥ ألف منهم على الجنسية التركية حسب تقرير اللجنة الفرعية للاجئين في تركيا. ويسعى أغلب الباقين للحصول عليها أيضاً، وخاصة أن الدولة التركية تفتح المجال أمامهم لذلك مع إمكانية حفاظهم على الجنسية السورية.

وأصبح حلم المواطنة التركية أكبر الأحلام للسوريين المقيمين فيها، وخاصة في ظل الصعوبات والتعقيدات التي يواجهونها لاستخراج الوثائق الثبوتية، من إصدار جواز سفر جديد، أو تثبيت زواج أو تسجيل مولود، وما إلى ذلك، وقد أصبحت هذه الأوراق عبئاً ثقيلاً ومكلفاً ولعنة تلاحقهم أينما حلّوا.

“أرغب بالحصول على الجنسية لأن ذلك يساويني بالمواطنين الأتراك، وبالتالي أتخلّص من جملة من القوانين المعيقة لحرية التنقل والتملّك وغير ذلك”، هذا ما قالته الصحفية السورية سوزان محمد، والتي تقيم في مدينة بورصة التركية منذ حوالي الأربع سنوات، وتضيف سوزان “في المدى المنظور لا أمل لدي بالعودة إلى سوريا، وغالبية السوريين الموجودين هنا يرغبون بالحصول على الجنسية لأنها تمنحهم حقوق المواطن التركي وتضمن لهم الدخول لعشرات الدول بلا تأشيرة، فضلاً عن تخلّصهم من عبء القوانين الخاصة بالإقامات وأذونات العمل.”

ويمنح الجواز التركي حامله إمكانية السفر لـ ٧٠ دولة في العالم دون الحاجة للحصول على الفيزا، كما أن الحصول على تأشيرات الدخول لحامله لا تقارن بصعوبة حامل الجواز السوري.

وأثرت معيقات السفر هذه على العلاقات الاجتماعية بين السوريين المُهجّرين، إذ تقام كثير من الزيجات دون وجود الأهل، بسبب عدم مقدرة الأبناء على إقامة مناسباتهم في سوريا لأسباب أبرزها أمنية ومادية، وعدم قدرة الأهل على السفر بسبب التأشيرات الصعبة، كذلك لا يتمكن معظم الأهالي من رؤية أحفادهم من المواليد الجدد، سوى عبر برامج الاتصال المجانية مثل السكايب والواتساب التي تنقل الصوت والصورة وتسهم بتقريب المسافات.

أما عن الحياة في تركيا، فبعد خروج ملايين السوريين نحوها، بات الاندماج في المجتمع الجديد أمراً حتمياً عليهم سواء من حيث اللغة، أو الزواج، أو العادات والتقاليد، والبعض وصل به الأمر “حد التجانس والتطبع الكامل بطباعهم” بحسب الشاب محمد الحمصي الذي يقيم في اسطنبول، ويعمل في مجال تجارة العقارات، ويضيف محمد “بالفعل انجذب الكثير من الشبان للحياة في تركيا، وكان لكل واحد منهم سبب يخصه فمنهم من أعجبته مجالات العمل، وآخرون انبهروا بالحرية الشخصية، أو نمط الحياة المنتظمة، ناهيك عن الرفاهية التي شعروا بها سواء على مستوى تنظيم الشوارع أو وسائل النقل العامة، ووسائل الراحة الأخرى.”

ويتابع الحمصي “بالنسبة لي كشاب سوري حالي كحال الغالبية العظمى من المهجّرين من الوطن، نحبّه ونتعلق به لأننا لم نغادره طواعية بل مُكرهين، ولكن من الضروري لنا الحصول على جنسية أخرى لأن الكثير من الأمور حُرّمت علينا بسبب جنسيتنا كسوريين، الكثير من أصدقائي حصلوا على الجنسية التركية غالبهم طلاب لقد كانوا سعداء واستفادوا كثيرا منها، وآخرون من أصدقائي كان لديهم رأس مال بسيط واستطاعوا أن يشتروا بيتاً صغيراً يخلّصهم من أعباء الإيجار، وقسم منهم قام ببعض المشاريع دون أن يتم تسجيلهم كأجانب.”

العديد من السوريين حصلوا على الجنسية بالبحث عن أصول تركية ضمن أشجار عائلاتهم كما حدث مع السيدة نور والتي غيّرت كنيتها لتصبح أوغلو، بعد حصولها على الجنسية التركية منذ سنة. تقول نور إن جدّتها من طرف والدها تركية الأصل، ولدى العائلة أوراق تثبت ذلك، “قدمنا هذه الأوراق للحكومة التركية في ولاية غازي عينتاب حيث أُقيم، وبعد التحقق والتأكد من قِبلهم تمّ قبول الطلب، ولكن الموضوع أخذ طبعاً فترة ليست بالقليلة وقمنا بتوكيل محامي من أجل ذلك” تروي نور.

وتشير أوغلو إلى أن حياتها اختلفت كُلياً بعد حصولها على الجنسية، وخاصة أنها حرصت على تعلّم اللغة، وهي تعمل اليوم في إحدى المؤسسات التركية الثقافية، وبدأت فعلاً بالاندماج الحقيقي مع المجتمع الجديد غير مخفية إعجابها الشديد بالحقوق الواسعة التي يمنحها القانون للمرأة التركية.

ويتمتع السوري المجنس حديثاً، بجميع الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية التي يكفلها الدستور التركي للمواطنين الأتراك، من حق الانتخاب والترشح وتقلد الوظائف العامة والعمل وحق التملك، هذا إلى جانب إمكانية تعديل الشهادات وممارسة مهن محظورة على الأجانب مثل المحاماة، الصيدلة، البيطرة، القبالة، الأمن الخاص والعام للمنشآت، المهن البحرية، والتخليص الجمركي.

الصحفي عبد الحميد سلات والذي وصل الآن للمرحلة الرابعة في الجنسية التركية قال: “أنا مقيم في ولاية هاتاي منذ أربع سنوات وحصولي على إقامة العمل ساعدني كثيراً للحصول على الجنسية، حيث اتصلت دائرة الهجرة بي منذ سنة تقريباً، وطلبت مني تقديم أوراقي للحصول على الجنسية، أجريت مقابلة وتم إقرار منح عائلتي أيضاً الجنسية التركية كوني متزوجاً .

وينوّه سلات إلى أن أي سوري حاصل على إقامة العمل منذ أكثر من خمس سنوات يحق له قانونياً التقديم للجنسية، ولكنه يشير إلى أن الحظ حالفه واتصلوا به قبل إتمامه المدة المطلوبة، وهو ينتظر في الوقت الحالي الحصول على الجنسية التركية الاستثنائية.

أما الشاب حسين بصبوص الذي يقيم في اسطنبول فيقول “لو سألتني هذا السؤال قبل ست سنوات، عندما كانت الثورة في أوجها، لكانت الإجابة لا، لكن بعد الانكسارات التي حدثت والحالة السياسية والوضع المبهم الذي وصلت إليه البلاد، أصبحت أسعى فعلاً للحصول على الجنسية التركية، فكلمة لاجئ تحرم الكثير الإنسان من الحقوق، أهمها الضمان الصحي، حيث يضطر السوريون لدفع مبالغ كبيرة لقاء علاج بعض الحالات الصحية، لأن الدولة لاتتكفل بها.” ويضيف بصبوص “نحن كسوريين لا نعلم ماذا ينتظرنا، وبالنسبة لي فسأنتمي إلى أي منطقة تعطيني الأمان والعمل والحياة الكريمة، سوريا حرمتني كل شيء للأسف.”

وحول فتح باب التجنيس للسوريين من قبل الدولة التركية، يقول رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، المحامي علي رشيد الحسن: “تقوم تركيا بالانتقال تدريجياً من مرحلة الضيافة للسوريين إلى مرحلة الدمج المستدام، وخاصة بالنسبة لهؤلاء الذين يملكون شهادات علمية عليا وخبرات ومؤهلات مهمة في سوق العمل، لأن ذلك يؤدي بالضرورة للتأثير إيجاباً على الاقتصاد التركي وخاصة بعد دخول السوريين في الأسواق التجارية والصناعية، وضخ رؤوس أموال كبيرة من قِبل التجار، ما جعل تركيا تسرع في تجنيس السوريين.”

ويشير الرشيد إلى أن موضوع تحديث البيانات الذي طلبته دائرة الهجرة من السوريين مؤخراً، كان بهدف معرفة حملة الشهادات ومعرفة الأشخاص والعائلات من أجل ترشيحهم للحصول على الجنسية الاستثنائية، لافتاً إلى أن أكثر الأشخاص المؤهلين للجنسية هم أصحاب الشهادات وإقامات العمل، وإضافة الى معيار التزكية الجديد، هذا بالنسبة للأشخاص العاديين.

معلومات حول الأرقام التي تم ذكرها في المادة إضافة إلى بعض الصور من دائرة الهجرة حول الجنسية التركية.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

تدريباتنا