تدريباتنا

الصراع في سورية وآفاق الحل

بواسطة | فبراير 18, 2019

تؤكد السنة الثامنة للصراع في سوريا مع نهايتها أن لا حلاً عسكرياً لهذا الصراع، فرغم التحولات الميدانية الكبيرة بين المساحات التي تسيطر عليها قوات النظام والقوى المناهضة له، إلا أن الواقع الفعلي ما زال حافلاً بالكثير من القنابل الموقوتة، التي لا يستطيع أي طرف التحكم بها فهي مرهونة فقط بالتطورات السياسية والعسكرية.

فعلى سبيل المثال، راهنت تركيا والدول الضامنة على إمكانية قضاء القوى العسكرية غير المصنفة إرهابية على “النصرة” وحلفائها، وذلك من خلال الاقتتال الداخلي في إدلب ومحيطها، لكن تطورات المعارك الأخيرة فاجأتهم بأن الغلبة كانت للنصرة، واستناداً لتجارب التعامل السابقة مع “القاعدة” ومن يشبهها يبدو واضحاً أن من يخلق الغول أو يرعاه غير قادر على التحكم به.

أما “داعش” فما تزال تحتفظ بالكثير من “الخلايا النائمة” مع بقاء مقومات وجودها، وما تزال المعركة مع “بقاياها” تخلط الأوراق السياسية وتقلب التحالفات الدولية، فها هي تركيا تبحث عن تنسيق روسي-تركي-إيراني أكبر على حساب تحالفاتها السابقة مع أمريكا.

ومن جهة أخرى لا يستطيع النظام (كمنظومة حوكمية متكاملة) الآن، لأسباب ذاتية وموضوعية، استعادة جميع الأراضي السورية، وفي الوقت نفسه ينتظر مؤيدوه منه أن يقوم باستحقاقات كبيرة بأسرع وقت، وذلك بعد أن انتشر “وهم الانتصار” الذي روج له النظام نفسه. فمن تلبية الاحتياجات الأساسية للمعيشة (كالكهرباء، والغاز، والصحة، والتعليم ..) إلى محاربة الفساد وصولا إلى إعادة الإعمار، كلها قضايا لا تحتمل التأجيل، خاصة مع حالة الاحتقان الموجودة في الشارع السوري بسبب التجاذبات السياسية والاجتماعية المتداخلة، والتي دللت عليها المواقف المتشنجة التي ظهرت خلال مناقشات قضية مرسوم وزارة الأوقاف، وقضية الأطفال فاقدي الآباء.

إذا، ماتزال الأزمة السورية قائمة وإن بأشكال مختلفة عن السابق، وبميزان قوى جديد غير قادر على الحسم، ولكنه من المحتمل أن يسمح بانطلاق عملية تفاوضية جديدة، تقوم على اقتناع وطني وإقليمي ودولي بأن استمرار الحال على ما هو عليه أمر مستحيل، خاصة أن الواقع الجيوسياسي لسوريا يفرض تحركا دائما للمرجل السوري، وغالبا ما يكون بأيد غير سورية. فماذا لو تابع الإسرائيليون الحديث عن مصير الجولان السوري المحتل، مستفيدين من الضعف السوري، ومن وجود إدارة أمريكية بعيدة عن المنطق السياسي وقادرة على أن تلحق ملف الجولان بما تسميه بـ”صفقة القرن”؟!

وربما يبدو للبعض أن هذا المستوى من الاقتناع الوطني والإقليمي غير موجود حتى الآن، إلا أن هندسة العملية التفاوضية يمكن أن تقوم على فرضية أن الجميع سيكونون رابحين فيما لو بدأت هذه العملية الآن، وأن هذه العملية لن تكون زلزالا على أحد، بل يمكن البدء بها بإجراءات بسيطة من كل طرف، ستشكل تراكماً نوعياً يمكنه أن يحدث فرقاً في الصورة الكلية لهذا النزاع القاتل، مع مراعاة تنوع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في سوريا.

على سبيل المثال، هل يمكن استغلال هذه اللحظات التراجيدية من حياة عشرات آلاف اللاجئات واللاجئين السوريين الرازحين تحت رحمة العواصف الثلجية للتوجه إلى كل المعنيين بمجموعة طلبات؟

 من النظام السوري:

  1. إصدار مرسوم عفو عام عن جميع من هم خارج البلد، مع البدء باللاجئين/ات في لبنان.
  2. إصدار مرسوم بتأجيل إداري لمدة عام واحد لجميع الشباب المطلوبين للخدمة الإجبارية.
  3. افتتاح مراكز إيواء داخل سوريا بأقصى سرعة حتى يعود اللاجئون واللاجئات الذين يعيشون في ظروف قاسية وهم مطمئنون/ات.
  4. تهيئة المراكز الحدودية باللوجستيات المطلوبة لتسهيل عودة اللاجئين واللاجئات.
  5. منح أبناء السوريات المتزوجات من غير سوريين إقامة دائمة ريثما يصدر تعديل لقانون الجنسية السوري بما يمنح المرأة السورية الحق في منح جنسيتها لأطفالها.
  6. البدء بطرح قوانين جديدة لحرية التجمع وفقا للشروط الحداثية.

من جامعة الدول العربية:

  1. تحويل أجندة اجتماع القمة الاقتصادية الاجتماعية إلى أجندة عملية لإعادة إعمار سوريا.
  2. الدعوة إلى مؤتمر وطني سوري في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة يشارك فيه ممثلون/ات عن جميع السوريات والسوريين، بمن فيهم ممثلون/ات عن مجلس سوريا الديمقراطي، وممثلون/ات عن الدول المعنية بالقضية السورية، والمبعوث الخاص إلى سوريا وبعثته وممثلون/ات عن الاتحاد الأوروبي؛
  3. الإعلان في هذا المؤتمر عن تشكيل اللجنة الدستورية وفق تصور الأمم المتحدة (50 نظام و50 معارضة و50 مستقلون وممثلو وممثلات المجتمع المدني).
  4. إنشاء صندوق مالي لإعادة إعمار سوريا تتشارك في إدارته جامعة الدول العربية والحكومة السورية وممثلون/ات عن المعارضة وممثلون/ات عن المجتمع المدني.

من الاتحاد الأوروبي:

  1. الإعلان بشكل واضح عن ان أهداف الاتحاد الأوروبي تتمثل بدعم الشعب السوري حيثما كان بدلا من دعم المعارضة أو دعم النظام.
  2. البدء بحوار، كاتحاد أوروبي وليس كدول مختلفة، مع النظام السوري من أجل “انفراج ديمقراطي” في سوريا، بحيث يتضمن البرنامج خطوات مطلوبة من النظام السوري (مثلا الكشف عن مصير المعتقلات والمعتقلين والمختفين/ات قسرا) مقابل خطوات تشجيعية من الاتحاد الأوروبي.
  3. الربط بين مجتمعات اللجوء في أوروبا، خاصة من ذوي وذوات الكفاءات، وبين عملية إعادة الإعمار في سوريا

من الدول صاحبة العلاقة:

  1. عقد مؤتمر برئاسة الأمين العام للأمم المتحدة وبدور فاعل للمبعوث الخاص إلى سورية لكل الدول التي لها قوى عسكرية على الأرض السورية.
  2. رسم خريطة لتقاطع المصالح بين هذه الدول من جهة ومصالح الشعب السوري من جهة ثانية.
  3. الاتفاق على جدول زمني لوقف النزاع المسلح وتحقيق الانتقال الديمقراطي في سوريا.

قد يعتقد الكثيرون أن الوقت ما زال مبكراً على مثل هذه الأفكار، إلا أن الوقت سيبقى مناسباً دائما لطرح أفكار ترمي إلى الوقوف بوجه موت ما يزال يهدد حيوات الكثير من السوريات والسوريين، خاصة أن المستقبل ما زال مفتوحا على الكثير من المفاجآت، العديد منها قد يخيب ظن الكثيرين.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

مع بدء الحرب السورية تمكنت المؤسسات والمنظمات غير الربحية المندرجة تحت مظلة المجتمع المدني من إثبات وجودها وترك بصمتها على أرض الميدان، فكانت الجمعيات الخيرية والمبادرات الفردية الإنسانية أولى الجهات غير الرسمية التي استطاعت توسيع دورها على خارطة العمل وإنقاذ الفئات...

تدريباتنا