تدريباتنا

القتل في سوريا…كيف أصبح أمراً عادياً

بواسطة | مارس 18, 2022

سبعة أيام تفصل بين تقديم مقترح التحقيق وتسليمه. بالضبط 168 ساعة من عمر سوريا. خلالها، حصلت 8 جرائم قتل هزت البلاد من الساحل إلى السويداء مروراً بدمشق.
أما الضحايا كباراً وصغاراً ذكوراً وإناثاً، تعددت طرق الجريمة مرة بفأس وأخرى بسكين، وثالثة برصاصة وكل هذه الأدوات لم تكن عابرة لأرواحهم/هن، بل كانت نهاية حياة في بداية 2022.
بدأت الحكايا من صبية جريئة تحدثت بصوت مرتفع عن قضية المغدورة آيات الرفاعي، القضية التي وحدت السوريون على اختلاف آرائهم السياسة والاجتماعية، ومنذ مقتلِ آيات تتوالى الجرائم تباعاً، رغم التحرك السريع للجهات المعنية!
لماذا كل هذا العنف؟ وهل جعلت الحرب السوريين عنيفين بالفطرة؟ أم أن العنف نتيجة طبيعة بعد 10 سنوات حرب؟ كيف يتجرأ قاصر على قتل أخته؟ وكيف تكون الرصاصة أسهل من ضربة كف؟ ماذا ينتظر مستقبل البلاد أمام كل هذا العنف؟ هل القانون قاصر؟ هذه هي جمل “مونولج” داخلي يدور في ذهن كل من يفكر قليلاً بما جرى في 7 أيام من تاريخ هذي البلاد، التي مازالت تخسر أرواحاً بشتى الطرق.

الموت واحد
هي شعرةٌ بين رفع اليد للقتل وبين التنفيذ، يُحَمِلُ السوريون/ات الحرب السبب الأول لازدياد الجريمة في البلاد، لكن يصنف عامي 2020 و2021 من أكثر الأعوام ارتكاباً لفعل الجريمة البشرية أي القتل بين المدنيين خارج حدود المعارك والنزاع على الجبهات. تشير الاحصائيات الرسمية السورية الى أن 297 جريمة قتل حصلت عام 2021، وهذه الإحصائية لا تشمل الثلث الأخير من العام الفائت.
تتحدث الاختصاصية في علم النفس هبة موسى لـ “صالون سوريا” عن عدة أسباب باتت تجعل فعل القتل أمراً عادياً: “الحقد، الغيرة البيئات الاجتماعية المختلفة، الألعاب الالكترونية ، البابجي نموذجاً”.
أما الجرائم ودراستها وتحليلاتها، فتشير موسى الى أنها تُدرس حسب أسلوب التعاطي والتربية والعمر لمن قام بالجريمة.
أما الأساليب المتجددة لـ “القتل تحديداً” وخصوصاً ما يفعله به الأطفال، فتتصدر المشاهد العنيفة التي تلاقاها السوريون والسوريات خلال 10 سنوات حرب السبب الأول، فهي كانت خزين الذاكرة لديهم، فأصبح قتل الشخص الذي يسبب الإزعاج لشخص آخر هو الحل الوحيد.
يوافق المحامي رامي جلبوط الاختصاصية النفسية في الجزئية المتعلقة بتأثير الحرب على ارتفاع نسبة الجريم، لكنه يصنف في أنواع الجرائم التي ارتفعت كثيراً في السنوات الأخيرة من تاريخ سوري. ويقول لـ “صالون سوريا”: “الجرائم الواقعة على الأموال تتصدر اليوم المرتبة الأولى”، موضحاً أن “تدهور الأوضاع الاقتصادية العامة، فقدان المواطنين لمدخراتهم على مدار سنوات الحرب، الارتفاع في نسب التضخم أفقدت المدخول الحقيقي للفرد قيمته بالتوازي مع ارتفاع كبير جداً بالاحتياج للنقود لتغطية المصاريف الضرورية”.
هذا ما دفع الكثيرين لارتكاب جريمة السرقة بكافة أشكالها، والنشل على وجه التحديد في محاولة تأمين مصادر دخل إضافية، حسب جلبوط. ويضيف ان هذا الأمر “ترفق مع ظهور فئة جديدة من الأثرياء الذين اغتنوا من الحرب والذين لم يستطيعوا كبح جماح رغبتهم في إظهار ثرائهم الجديد، مما دفع الآخرين لمحاولة تحقيق توازن فيما بينهم وبين الأثرياء الجدد عبر اقتناص أموالهم مبررين ذلك أخلاقياً بالنسبة لهم بأنهم يسرقون من السارق”. ويعطي مثالا على هذه الجرائم ما يتعلق بـ “قيام المحاسبين باختلاس أموال التجار الذين يعملون لحسابهم وذلك بعد رؤيتهم لكمية الأرباح الضخمة التي حققوها من خلال استغلال ظروف الحرب”.
وهذا يرتبط مع تحليل هبة موسى الاختصاصية النفسية، باعتباره “احد أشكال الحقد الطبقي الذي يولد فعل القتل عند البعض”.

حياة روح!
هذا العنوان غير مُعَرَف، ربما يعتبره بعض مختصي اللغة أنه “خطأً قاتل”. يشبه هذا العنوان حياة الطفلة التي وجدت أمام أحد مستشفيات اللاذقية وأسموها الأطباء “روح”، ويشبه أيضاً حياةَ طفل ملفوف بورقة بيضاء في حماه كتب عليها “ابن حلال”.
تعددت أشكال القتل عن سابق إصرار وتصميم في البلاد، ومنها مايشبه القصتين. أبرياء يصبحون بلا نسب بسبب نشوة حب عابرة، أو ربما بسبب عدم القدرة على شراء علبة حليب لهذا الطفل أو الطفلة. وهذه أيضاً يصنفها القانون أنها جرائم. وأشارت إحصائية رسمية في صيف 2021، أن عدد الأطفال المجهولي النسب كان 112 طفلاً وطفلة.
من أنواع الجرائم التي تحدث عنها المحامي رامي جلبوط أيضاً، الانتحار وزدادت نسبته في سوريا، رغم أن العام الماضي أي 2021 انخفضت نسبته حسب تصريحات رئيس الطبابة الشرعية في سوريا الدكتور زاهر حجو للصحافة الرسمية في البلاد. ووصلت إلى 30 حالة انتحار، غالبيتهم من الشباب والشابات.
وتعزو هبة موسى هذا الى “الوضع الاقتصادي للشباب اليوم، والضغوطات النفسية، والشعور باللاجدوى من المستقبل، وحلم الهجرة وعدم القدرة على تنفيذه كلها عوامل محرضة لإنهاء الحياة”.
ومن حالات الجرائم التي انتشرت أو ربما الأدق ظهرت أكثر إلى العلن أثناء الحرب، هي الجرائم بحق النساء، أي جرائم “العنف القائم على النوع الاجتماعي”، بدءاً من قصة الفتاة السورية في مدينة الحسكة التي حاولت رفض الزواج من ابن عمها فقتلها أهلها، والأخرى في مدينة السويداء التي طاعت أهلها ورفضت شخصاً يحبها فقتها، وآيات التي عملت كجارية حسب الروايات الأهلية.
كل هذه الحالات ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي بنشرها، وأقر الاختصاصيون النفسيون والاجتماعيون والحقوقيون وجودها قبل الحرب، لكنها زادت أثناء الحرب، وتفاقمت أثناء فترة وباء”كورونا”، حسب الاختصاصية موسى. أيضاً ليست هناك إحصائيات رسمية سورية، بل تشير الاحصائيات التي وثقتها بعض المنظمات إلى حدوث 24 حالة تم توثيقها، وبالطبع هناك الكثير من الحالات التي لا يمكن توثيقها، ودفنت مع سرها أيضاً.

رأي مدني؟
هل بات المواطنون/ات اليوم لا يهابون القانون؟ هل بات السجن أو الإعدام عادي بمختلف أنواع الجرائم طبعاً، السرقة، القتل، النشل، الشروع بالقتل وغيرها، أم أن القانون يجب أن يكون حازماً أكثر؟ أين دور المجتمع المدني ومؤسساته الناشطة في سوريا؟
تجلب الحرب كل ويلات التمرد، والدمار النفسي الاجتماعي والاقتصادي، تفقد الناس ثقتهم بكل شيء حتى بأنفسهم فينتحر بعضهم أحياناً، ويقتل آخرون. ويلتزم الكثير منهم الصمت، ويذهب آخرون وأخريات للتباهي بكسر القوانين والتحايل أيضاً على القانون، ليشعروا/رن بالنشوة الزائفة والقوى الزائفة حسب الاختصاصية موسى.
وفي حديث عن القانون السوري، يشير جلبوط الى ان القوانين السورية “ممتازة بمعظمها. الطائفة الأوسع من مختلف الجرائم ويتصدى المُشرع السوري للجرائم الجديدة بنسبة مقبولة من سرعة الاستجابة ولا أعتقد أن وضع القوانين الحالي قد أثر في ارتفاع نسبة ارتكاب الجريمة”، منوهاً أن مواجهة الجريمة “لا تكون بقرارات أو عمل جهاز أو شخص أو وزارة واحدة. مواجهة الجريمة تكون باستراتيجية تتبناها الدولة بكافة أجهزتها وبمعاونة مؤسسات المجتمع المدني تبدأ بالدرجة الأولى بنشر الوعي والثقافة العامة ونشر الثقافة القانونية لأن الجريمة ابنة الجهل:.
إذاً أين المجتمع المدني؟ يتحدث الناشط المدني أنس بدوي لـ “صالون سوريا” عن دور المجتمع المدني مقدماً قضية الشابة آيات الرفاعي كمثال، قائلاً: “لا شك أن واحدة من أهم الملاحظات على كيفية التعاطي مع الجريمة هو أهمية الحشد والمناصرة التي قام بها المجتمع المدني والذي حرك فيها الرأي العام من خلال تسليط الضوء على العقوبات وتسليط الضوء على أهمية وجود قانون وتشريعات حساسة للنوع الاجتماعي تحمي المرأة والنساء وتسليط الضوء على المواد الحقوقية من حق والحياة، لكن هنا يجب أن نقف عند التحرك الإيجابي الذي قانت به الحكومة تجاه قضية آيات الرفاعي رغم الكثير من المأخذ هل هي استجابت بالفعل للرأي العام والمجتمع المدني؟ أشك في ذلك”، على حد تعبير بدوي. ويتابع أن الحكومة إما استجابت للرأي العام أم خشيت من تنامي رد الفعل الشعبي؟ أو أنها بالفعل رأت أنها قضية يجيب تسليط الضوء عليها أو لفت النظر عليها.
يقال ان “العبرةَ في الخواتيم”. اختلفت أسماء الضحايا على امتداد مساحة الجغرافية السورية، فهل يعتبر من يفكر بالجريمة أياً كانت اليوم؟ ربما لا تتساوى الجرائم وكذلك لا تتساوى العقوبات، فلكل فعلٍ عقوبة تناسبه في القوم، لكن تبقى “جريمة”، من سوف ينسى كيف تكلم قاتل شقيقته عن جريمته الكاملة بهدوء أمام الكاميرات؟ ومن سينسى مونولجاً دار في رأسه عن طريقة موت آيات ومحمد الذي قتلته خالته امرأة أبيه!

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

ينتظر السوريون في الأسابيع المقبلة بفارغ الصبر وفق تصريحات حكومية انطلاق المشغل الخلوي الثالث "وفا تيليكوم" المرتبط بإيران التي ستدخل على خط الاستحواذ في قطاع الاتصالات الحساس والذي ظلّ حكراً على متنفذي السلطة لعقود. من خلال التواصل المباشر مع مصادر متعددة من داخل...

تدريباتنا