أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
بين عشرات أنواع الأجهزة الخلوية، يقلب رجل ستيني عينيه بين واجهات المحال الكثيرة، في سوق الموبايلات الأشهر بدمشق، المسمى بـ”البرج”. يدخل في متاهة المعروضات الكثيرة قياساً بطلبه اليتيم، وهو “موبايل حديث ومجمرك وبسعر معقول”. وبعد ساعة من البحث الأولى، صرخ: “مستحيل”. متاهة بقي يدور فيها لأربع ساعات متتالية. أبو معن الذي يعيش هو وأسرته على راتبه التقاعدي يقول لـ “صالون سوريا” حيث بدت عليه آثار الإنهاك والدهشة والحسرة وصمت تجاعيد الوجه الذي زاده البحث هدوءاً: “وعدت ابني الي دخل كلية طب جبله أحدث موبايل بالسوق، بيستاهل والله، بس أنا كما ما بستاهل هالبهدلة، شوفة عينك داير من محل لمحل والشاطر اللي بده يعرض بضاعته ويغلي السعر، حرام من الله كل اللي ببيتنا حطه سعر موبايل، طيب منين بدنا ناكل”. يسترسل أبو معن بالحديث عن برج دمشق للموبايلات الذي لم يزره منذ زمن طويل، يوم جاء لشراء وصلة لشاحن هاتفه، يقول: “رزق الله هديك الأيام، كان سعر الدولار لسا محمول، أما اليوم الوضع صار جنوني”.
يقارن ارتفاع أسعار الموبايلات خلال العامين الماضيين بشكل لا يصدق، “قفزت الأسعار 300 بالمئة، مقارنة مع الوضع المعيشي المزري والرواتب التي إن زادت فإنها تأتي كذر الرماد في العيون لا طائل منها ولا جدوى أمام الواقع القاسي والصعب في البلاد”، يقول أبو معن، ويفصح عن نيته بعد طول تفكير “راح طالع قرض هاد الجديد تبع مليون ليرة ع راتبي لجيب موبايل ومع هيك رح اشتري موبايل مستعمل لأن الجديد غالي، الله بعين، شوبدنا نعمل العين بصيرة والايد قصيرة”.
العين بصيرة هي جملة واقعية بكل ما فيها لكنها لا تنطبق إلا على الطبقة المعدومة التي أفقرتها سنوات الحرب من مصائب وجوع وغلاء، وهذي الطبقة، تقول الأمم المتحدة إنّها باتت تشكل قرابة 90 بالمئة من تعداد السوريين، لكن هناك عين بصيرة تطول يدها فقط لمن لم يختبر يوماً البؤس والحرمان بل زاد فوق ثروته مكاسب طائلة لا تعد ولا تحصى من جيوب الناس والعباد، يقول فقراء على الدوام.
“كان أسهل عليّ ان أرسب بمواد الجامعة، ولا ينسرق موبايلي”، بحرقة كبيرة تروي سلمى مصطفى وهي طالبة جامعية تبلغ 20 سنة، لـ “صالون سوريا” كيف تمت سرقة موبايلها منذ حوالي ثلاثة أشهر، حيث كانت ذاهبة إلى جامعتها وتوقفت عند كشك فوق “جسر الرئيس” لتعبئة “وحدات للموبايل” ثم فوجئت بأن سحاب الحقيبة الخارجي مفتوح ولم تعثر على الموبايل، “شر البلية ما يضحك” تقول سلمى، وتضيف: ” يعني فوق الموتة عصة قبر.. عبيت وحدات بألفين من هون وراح الموبايل من هون”.
تتنهد سلمى وتستذكر تلك الحادثة وتروي كيف بكت أمام الكثير من المارة وقتذاك، وذاك الوقت كان لحظاتٍ مشبعة بالانكسار، على ما تقوله الطالبة الجامعية. الكل يرمقها بنظرات الشفقة، ربما فقدت عزيزاً عليها أو حلت مصيبة بها، لم يكن أحد يعلم ما بها إلا النشال الذي سرق لتوه الموبايل وفر هارباً ليبيعه في بسطات الموبايلات المسروقة تحت جسر الثورة أو في سوق البرج حتى أو لربما ليعرضه على الانترنت لزبائنه.
“الكل يعزي نفسه وبقلك أنا مو زعلان على سرقة الموبايل، أنا زعلان على الصور والأرقام اللي فيه، منضحك ع حالنا، أقل موبايل منيح صار بمليون وأهلي وفروا كتير ليشترولي اياه، وبالآخر انسرق” هكذا تختتم سلمى روايتها عن سرقة الموبايل التي كانت تداريه برموش عينيها كما ذكرت، وهي الآن تنتظر تحويشة أخرى من والديها لشراء موبايل حديث بدلاً من الذي تحمله الآن، وربما عليها أن تنتظر كثيرا هذه المرة، سنة أو سنتان أو ثلاثة، طالما أن أسعار الموبايلات والأجهزة الإلكترونية آخذة بالارتفاع، فلا مجال لوجود حسبة دقيقة لأي شيء، لذلك تبدو سلمى غير متفائلة هذه المرة بتعويضها بموبايل حديث كالذي كان معها على مبدأ “اللي بروح ما بيرجع”.
هكذا حال البلاد فمن يعيش ليومه قد يموت غداً ليس بسبب القذائف والحرب التي هدأت نارها في معظم المناطق، بل بسبب الغلاء المستعر الذي يكوي بناره كل يوم الغلابة والفقراء ومحدودي الدخل، الذين اداروا ظهورهم لرفاهية الحياة وهم في سرهم يبكون على ما ماضيهم الذي ذهب ولن يعود أفضل مما كان نظراً لوجود أمراء الحرب الذين رسخوا وجودهم وفرضوا قوانينهم على كل مفاصل الحياة رفاهية كانت أم ضريبة، ولأولئك الغلابة خيارات خاصة بهم، السفر أولها، والصومال أقرب البلدان وفيها أشد المغريات، من بلد الحرب إلى بلد الحرب، هي رحلة السوري في بحثه عما يفتقده، عن شكل أفضل للحياة.
مفيد البدعيش (26 عاما) يعمل في محل للألبان والأجبان في دمشق، حصل على رقم صاحب محل في منطقة “كراج الست” يبيع الموبايلات المستعملة والمجمركة بسعر أقل من السوق، يقول لـ “صالون سوريا” إنّه وبالفعل ذهب إلى هناك واشترى “موبايلا” يناسب ما يحمله من مبلغ مادي، لكن لم تنتهِ قصته هنا فيروي كيف تحولت تجارة الموبايلات بالبيع والشراء من “الشطارة إلى الحقارة” كما وصفها”.
“اشتريت موبايل مستعمل ونظيف ومجمرك ورجعت عالبيت وحطيته بالشحن، وبعد ساعة طفى الموبايل، حكيت مع صاحب محل الموبايلات قلي بتكون عامل تحديثات مجانية وانضرب بورد الموبايل” بالطبع لم يقتنع مفيد بتلك النتيجة وعاد إلى محل الموبايلات في كراج الست ولكن هذه المرة استعان بشخص خبير في البرمجة ليذهب معه حتى لا يقع في الخطأ مرتين “متل ما اتوقعت طلع الموبايل من لما اشتريته مضروب وكان رح ينصب عليي صاحب المحل، وبعد التهديد والوعيد بالشرطة والقضاء بدل الموبايل بواحد تاني وبنفس السعر والمواصفات لأنو كان بيعرف سلفاً أنو نصب عليي”.
ولحسن حظ مفيد أن تلك الحيلة لم تنطل عليه وسارع للكشف عن عملية النصب التي تعرض لها وهو واحد من كثر تعرضوا لعمليات النصب والاحتيال المستمرة بسبب عدم الخبرة في التكنولوجيا ومهارة البائع في الاقناع والإغراء بدون أي ضمير أخلاقي، وغالبية التجار الكبار ومن خلفهم الباعة الصغار لازالوا يرددون في قرارة أنفسهم، “البلاد مغارة، والتجارة شطارة”.
لا يقتصر سوق العرض والطلب للأجهزة الخلوية ضمن المحالات المخصصة لها بل يتعدى ذلك إلى مواقع الانترنت، وعلى مجموعات “فيسبوك” تنشط تلك التجارة بكثرة بين الباعة والزبائن لمختلف الأنواع والأصناف. فمثلاً “سيريان موبايل كورنر”، هي واحدة من مئات المجموعات الخاصة على “فيسبوك” والتي يتم فيها عرض الكثير من أنواع الموبايلات مجمركة أو غير مجمركة مرفقة بصور للموبايل وشرح عن مواصفاته، وترفق صور الموبايل بعبارة “على الخاص”، بمعنى أنّه على الزبون مراسلة البائع عبر تطبيق مسنجر للاستعلام عن السعر، لتتحول الدردشة عرضاً وطلباً بين البائع والزبون، وليس ذلك فحسب بل تتعدد المنشورات في المجموعة للسؤال عن أجهزة موبايلات بحسب قدرة الشخص على الدفع وما يحمله في جيبه من أموال للحصول على موبايل لائق.
“تباع أجهزة الموبايلات المهربة وهي نفس الأجهزة في الشركات العالمية بفرق من 300 إلى 700 ألف ليرة سورية عن سعرها في الشركات الموجودة والمرخصة ضمن سوريا، تصل إلى منطقة الجزيرة عبر العراق ومن ثم إلى التاجر الذي يوزعها على المحالات”. عيسى اسم مستعار لصاحب أحد محال بيع الموبايلات في دمشق طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي كي لا تطاله المسائلة القانونية يصف لـ”صالون سوريا” حال سوق بيع الأجهزة المستعملة المرخصة والذي تراجع كثيراً بسبب انخفاض أسعار الموبايلات المهربة إلى سوريا بعد إجراءات الجمركة.
يستعرض عيسى أسعار الموبايلات المهربة ومواصفاتها الأكثر طلباً في السوق “أكثر الأجهزة المهربة مبيعاً موبايل A12 رامات 4 وذواكر 64 غيغا، يبلغ سعره في الشركات المرخصة حوالي 900 الف، أما سعره المهرب من دون جمركة يبلغ 650 ألف ليرة سوري، وبعد جمركته التي تبلغ حدود 300 ألف ليرة يصبح سعره أقل من 900 ألف بقليل”.
وعند سؤاله عن إمكانية الحصول على موبايل غير موجود في الأسواق أجاب عيسى أن جهاز “شاومي نوت عشرة اس” هو الأكثر طلباً في السوق وغير موجود في صالات الشركات المرخصة لكن يمكن تأمينه بسهولة عن طريق التهريب وبسعر حوالي 850 ألف لفئة نوت اس و950 ألف لفئة نوت 9 برو ماكس. أما عن ربح البائع فيصل إلى 100 ألف في الموبايل الذي يتبع لأجهزة الهواتف متوسطة السعر.
تستغرب شريحة كبيرة من السوريين ما يحصل من بورصة الموبايل في سوريا. غالبيتهم عبروا عن ذلك مراراً سيما على “سوشال ميديا”، ليطفو في كل مرة سؤال ملح على واجهة الحدث، فكيف تباع في دمشق أجهزة خلوية لم تصل عواصم العالم المتقدم، وضمنها دبي، حصل ذلك في قضية أجهزة “اي فون -12 ماكس برو” التي بيعت في وقت سابق من العام الماضي بدمشق قبل أن تصل الأجهزة عينها إلى دبي، ليكون السوري من بين أوائل أهل المعمورة الذين حظيوا بامتلاك الهاتف، ليثار في الإطار سؤال آخر يبدو أنّه أكثر إلحاحاً، على أي أساس يتم منح رخص الاستيراد لشخصيات نافذة ومحددة ومعروفة؟، وهل هؤلاء الأشخاص أكبر من قانون قيصر؟، أم أنّ قانون قيصر يشمل الأرز والزيت ولا يشمل ما هو منتهى الرفاهية والغلاء؟، “أين قانون الحصار اللعين من هؤلاء؟، إذا كانوا بهذه القوة لماذا لا زلنا جائعين؟”، جملة قالها المهندس المدني خالد عمورة في حديثه ل “صالون سوريا”.
من الواضح والجلي أنّ أسعار الهواتف المحمولة ارتفع قرابة 400 بالمئة مقارنة بالأسعار في الأسواق العالمية، فالهاتف الذي يباع عالمياً بحوالي مئتي دولار أميركي يباع في سوريا بحوالي 500 دولار اميركي، في حين أنّ أجهزة بعينها وصل سعرها في دمشق إلى حوالى ألفيين و500 دولار مع وصول “عزوات” جهاز “اي فون 13”.
محللون اقتصاديون يعزون ذلك إلى استئناف الجمارك العمل بقانون التصريح الإفرادي عن الأجهزة، بالمعنى المتداول جمركة الجهاز ليسمح له بالعمل على الشبكة، وتالياً تمنح الأجهزة غير المجمركة مدة شهرية محددة للعمل، وبعدها ما لم يتم التصريح، يتم ايقافها عن العمل لناحية إجراء الاتصالات والرسائل، ليقتصر عملها على الانترنت عبر شبكة واي فاي حصراً، ويظل الوضع هكذا حتى تتم جمركتها، والجمركة هنا تبدأ من حوالي مئة دولار وصعوداً، قد تصل في بعض الأجهزة إلى ألف دولار وبضع، وفي حال الغيت الجمارك، فمن البديهي أنّ أسعار الأجهزة ستنهار فوراً إلى الثلث أو النصف.
أجرى “صالون سوريا” جولة في سوق الأجهزة المستعملة المزدهرة، وقد يكون بداخل بعضها أعطال تسمى بالخفية، تظهر مع الاستخدام، وبعضها الآخر يسمى “مفكوكاً” بمعنى أن خضع لعملية صيانة ما، وبالتالي يكون سعره أقل بقليل أيضاً، ليبقى أنّ معظم السوريين يتجه لفئة “سامسونج” لسعرها رخيص، فالرواتب المتدنية، يضاف إليها انعدام الأمن الاجتماعي والغذائي، كلها عوامل تجعل الموبايل حلماً يرقى للحلم بالعيش الكريم، وكلا الحلمين لم يتحققا للسوري منذ سنوات طويلة.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...