تدريباتنا

النساء اللاجئات بين العوائق ودعم القانون

بواسطة | أبريل 13, 2019

كثيراً ما انتهى الطريق إلى أوروبا بسالكيه إلى الموت! لكن من يأبه! طالما أنّ الناجين والناجيات من الموت ستطأ أقدامهم/ن أرض أوروبا، وسينعمون وينعمن برفاه العيش في بلدانٍ أقل ما يمكن أن توصف الحياة فيها بـ “الحرة والديمقراطية والكريمة”.
في أواخر عام 2015 وصلتُ إلى ألمانيا لاجئةً. لاجئةً، أبتغي ديمقراطيتها، حريتها، وكرامة الإنسان فيها. وكمثيلاتي من اللاجئات/ين كان عليّ أن أمكث لفترة في مركز استقبال أوّلي (هايم). هناك، تعرّفت على كثيرٍ من اللاجئين واللاجئات.

شابات في مقتبل العمر هربن حاملات أحلامهن وطموحاتهن بالتحصيل العلمي والتحرّر. زوجات وأمّهات تركن أزواجهن وراءهن، ريثما يحصلن على حق اللجوء، فيلتمّ شمل العائلة من جديد. زوجات معتقلين ومغيبين قسراً ومخطوفين عند مختلف أطراف الصراع في سورية، لذن بالفرار وجئن إلى ألمانيا على أمل أن تُسمع أصواتهن المطالبة بكشف مصير أبنائهن وأزواجهن في المجتمع الدولي، أرامل حملن خيباتهن ومن نجا من أطفالهن وعبرن البحر، آملاتٍ بمستقبلٍ مشرقٍ لأبنائهن وبناتهن.

لم تكن الحرب وحدها سبباً في هروب النساء من أوطانهنّ، فقد هربن أيضاً من العنف الأسري والاجتماعي، من العنف الجنسي أو الزواج القسري وزواج القاصرات. لكلٍّ منهنّ أحلامها الشخصية والخاصة، لكنّ أغلبهن أجمعن على الرغبة في “كرامة العيش والحرية.”
بعد أشهرٍ من الانتظار، حصلتُ على حقّ الإقامة، وبدأت خطواتي الأولى في الاستقرار بدءاً من إيجاد سكنٍ وليس انتهاءً بالعمل. في تلك المرحلة تعرفت، وما أزال، على مزيدٍ من اللاجئات، بعضهن كنّ قد وصلن إلى ألمانيا عبر طرق التهريب ذاتها، وقد باتت معروفة، في حين وصلت أخريات عن طريق إجراءات لمّ الشمل، جميعهنّ كنّ يهجسن بمسألة كرامة العيش والحرية، بالدرجة الأولى، فهل تحقّقت لتلك النساء كرامة العيش والحرية؟

عبر تجربتي الشخصية، أستطيع القول إنّ الدول الأوروبية بشكل عام وألمانيا بشكل خاص، تضمن مساحة واسعة من الحرية مدعومة بالقانون، ما يتيح للنساء الراغبات بالبحث عن مستقبلهن التعليمي والمهني والاجتماعي، مساحةً واسعةً للعمل والطموح، بعيداً عن التابوهات التي نشأن عليها في مجتمعات المنطقة العربية. وقد خبرت عن قربٍ وسمعت عن نجاحات حققتها نساءٍ عديدات في مجالات مختلفة علمية ومهنية، ربما لم يكن بعضها متاحاً لهنّ في بلدانهن.

بالمقابل، لا تزال كثيرٌ من النساء تخضعن للسلطة الذكورية ولقوانين اجتماعية حملها اللاجئون الذكور معهم وباتوا أكثر تعصباً لها في بعض الحالات. وبالتالي باتت النساء أكثر عرضةً لمختلف أنواع العنف في مراكز الاستقبال الأوليّة، حيث يعيش اللاجئون مع عائلاتهم في محيطٍ تنعدم فيه الخصوصيّة، ويتعرضون فيه لمختلف أنواع الضغط النفسي والاقتصادي والاجتماعي. الأمر نفسه يمكن ملاحظته خارج مراكز اللجوء حيث تشكّلت مجتمعات ضيّقة على هامش المجتمع الألماني بقيت منغلقة على نفسها. ورغم قناعة بعضهن ورغبتهن في الاستقلال والاعتماد على النفس، وبالتالي الخلاص من كل ما يتعرضن له من عنف السيطرة الذكورية، إلا أنّ عليهنّ دفع ثمنِ كبيرِ من الجدّ والعمل الدؤوب لنيل كرامة عيشهن وحريّتهن المنشودتين، خاصة مع وجود عوائق عديدة أمامهنّ كتعلّم اللغة الألمانية وإيجاد عملٍ وسكنٍ مستقل.

وفي كثير من الحالات يصبح الصمت ملاذ النساء الوحيد! فهن يخشين من الحكم الأخلاقي الذي سيطلق عليهن في هذه المجتمعات المغلقة، ومن فقدان الحماية المتمثلة بالزوج، الأب، أو الأخ، لتبدو الصورة في النهاية لا تختلف كثيراً عن تلك المألوفة في بلداننا العربية.لذلك فإن أكثر ما يمكن أن يساند النساء لنيل حريتهن المستحقة هو معرفتهن لحقوقهن ودفاعهن عنها بالقانون الذي يحمي الجميع، فكيف يدعم القانون الألماني النساء في ألمانيا؟

وفقاً لدراسة استقصائية، فإنّ امرأة من بين كل أربع نساء في ألمانيا تعرّضت للعنف المنزلي مرة واحدة على الأقل في حياتها. ووفقاً لإعلان الأمم المتحدة الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة، يشمل العنف ضد المرأة أي إجراءٍ يتسبب في أذىً أو ضررٍ جسديٍ أو جنسيٍ أو نفسيٍ على امرأةٍ لمجرد جنسها. وينطبق الأمر ذاته على خطر أعمال العنف والإكراه والحرمان التعسفي من الحرية، أي حبس امرأةٍ في مكان خاص (بما في ذلك منزل الزوجية) أو عامٍ ضد إرادتها.

لذلك اتخذت ألمانيا إجراءاتٍ عديدةٍ لحماية النساء، فصدر في العام 2002 قانون الحماية من العنف. بموجب هذا القانون يمكن للشرطة اتخاذ إجراءاتٍ فوريةٍ لحماية النساء المتضررات حتى قبل صدور حكم قضائي، كإجبار الزوج أو الجاني أياً كان على مغادرة المنزل، وكتابة تعهدٍ بعدم التعرض للضحية أو الاقتراب منها أو التحدّث إليها.

يعدّ القانون الألماني أنّ أيّ زواجٍ مدنيٍ أو دينيٍ يكون فيه أحد الشريكين دون سن 18 عاماً (زواج الأطفال) غير قانوني. ووفقاً للإحصاءات، يوجد حالياً 1475 حالة زواج أطفال في ألمانيا. في (1152) من الحالات، يكون الزوج القاصر من الإناث، لذا فإن الفتيات الصغيرات بشكلٍ أساسيٍ هن ضحايا زواج الأطفال.

كما يعدّ القانون الألماني المضايقات الجنسية أو الإكراه على الجنس حتى بين الزوجين، والذي يشير إلى “الأفعال الجنسية المرتكبة عن طريق العنف أو التهديد بالعنف وضد إرادة الضحية،” أو الاغتصاب من بين الجرائم الجنائية. وتُصنّف الأفعال التالية كتحرشٍ جنسي: التعرض للمس ضد الإرادة، التعرض للتحديق، سوء المعاملة لفظياً، الإجبار على الجِماع، الإجبار على مشاهدة الآخرين يمارسون الجنس، إهانة بسبب نوع الجنس، إطلاق صفات أو أسماء غير لائقة وبذيئة. ويمكن أن يحدث التحرش الجنسي في الأماكن العامّة، في المنزل أو العمل، من قبل شخص غريب أو قريب أو صديق أو زميل أو رئيس.

إضافةً إلى ما سبق فإنّ القانون الألماني واضح ودقيق في دعم حصة المرأة في التمثيل السياسي والأعمال، ويسعى للمساواة بالأجر وحظر العمل دون أجر، ويعطي المرأة حق الإجهاض، ويحظر ختان الإناث، والبغاء والاتجار بالنساء، وغير ذلك. وفي جميع هذه الحالات يمكن للضحايا تقديم شكوىً مباشرةً إلى الشرطة أو الاتصال بمراكز الإرشاد التي توفّرها الدولة، وبذلك تحصل الضحايا على الحماية والدعم والخصوصية.

* يعاد نشر هذا المقال في صالون سوريا ضمن تعاون مع شبكة الصحفيات السوريات

ملاحظة: الصورة المرافقة للمقال هي عمل للفنانة ديالا برصلي. 

المصادر:
handbookgermany.de

قانون الحماية من العنف: https://www.bmfsfj.de/bmfsfj/aktuelles/alle-meldungen/gewaltschutzgesetz/80702

A Representative Study of Violence against Women in Germany
دراسة استقصائية

https://www.bmfsfj.de/blob/93906/9c0076fc66b1be6d0eb28258fe0aa569/frauenstudie-englisch-gewalt-gegen-frauen-data.pdf

مواضيع ذات صلة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

تعرّض زكي الأرسوزي (1899-1968 م) لإهمال كبير، ولم يُكَرَّس في الأدبيات الفلسفيّة العربيّة إلا على نحوٍ عَرَضيّ، بصفته أحد دعاة الفكر القوميّ، ومؤسِّس فكرة حزب البعث العربيّ، التي أخذها ميشيل عفلق منه وحوّلها إلى تنظيم سياسيّ فاعل في سوريا، وتلاشى ذكر الأرسوزي مع تلاشي...

مواضيع أخرى

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

لا يختلف اثنان أنّ الدراما السورية أحدثت فارقاً وصنعت بريقاً أخاذاً في فترةٍ ذهبيةٍ امتدت ما بين عامي 2000 و2010. وتحديداً ما بين مسلسل الزير سالم الذي أخرجه الراحل حاتم علي ووضع فيه الراحل ممدوح عدوان عصارة ما يمكن لكاتب المجيء به نصاً وحواراً وأحداثاً ليجعل منه...

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

أهتم كثيراً بمتابعة الدراما العربية، خاصة السورية، وثمة مسلسلات سورية لامست أوجاع السوريين وما يتعرض له الشعب السوري مثل مسلسل غزلان في غابة من الذئاب للمخرجة المبدعة رشا شربتجي. هذا المسلسل أثلج قلوب السوريين كلهم لأنه حكى بصدق وشجاعة ونزاهة عن أحد كبار المسؤولين...

الأمهات في سورية: عيد ناقص

الأمهات في سورية: عيد ناقص

غدت الأمومة في سورية مهمة قاسية ومثقلة بالهموم واكتسبت أوجهاً كثيرة، إذ انتزعت الحرب دور "الأم" الأولي المناط بالعطاء والتربية والمساند المادي الثانوي، وبدأت كثير من الأمهات يلعبن دور المعيل الأساسي ومصدر الدخل الوحيد لتحمل نفقات الأسرة في ظل غياب قسري أو اختياري...

تدريباتنا