تدريباتنا

الواقع الجديد لجنوب سوريا

بواسطة | أكتوبر 22, 2018

سيطر النظام السوري في نهاية يوليو/تموز الماضي ٢٠١٨على كامل جنوب غربي سوريا بدعم جوي روسي، وتخلل العمليات التي استمرت لمدة شهرين ونصف اتفاقيات مع فصائل المعارضة جنوب سوريا.

وترافق تراجع الأعمال العسكرية في المناطق الجنوبية مع انتشار حواجز لقوات النظام على مداخل ومخارج معظم القرى والبلدات التي سيطر عليها، مما أثار قلق الأهالي من ارتكاب قوات النظام لمداهمات واعتقالات بحق المدنيين، كما حصل في قرى وبلدات الحارة واللجاة في درعا.

وأدت الأعمال العسكرية التي سبقت سيطرة النظام على الجنوب لنزوح مئات العائلات عن قراها، خوفاً من القصف والمعارك التي كانت مشتعلة في المنطقة قبل اتفاق فصائل المعارضة على التسوية مع الجانب الروسي. يقول أحد سكان ريف درعا “إن غالبية الأهالي التي كانت مهجرة من قراها وبلداتها عادت إلى منازلها، وسط نقص حاد بالخدمات الصحية، والبنية التحتية؛ فالقصف والمعارك في المنطقة خلفت دماراً هائلاً، سواء بالأبنية السكنية أو المرافق العامة كالمدارس والنقاط الطبية، وتسببت بتقنين الكهرباء وتدمير عدد كبير من المنازل والمدارس، كما تعرضت منازل المدنيين لعمليات التعفيش والسرقة”.

و لم يف النظام بالوعود التي قدمها خلال عمليات التفاوض بإدخال الخدمات إلى المناطق التي سيطر عليها، فالكثير من المدارس المدمرة مازالت تنتظر عمليات الترميم، كما تحتاج البنية التحتية للإصلاح كالكهرباء. فرغم عمل ورشات الكهرباء على إصلاح العديد من محطات التوزيع إلا أن الكهرباء مازالت تعمل وفق نظام تقنين قاسي، حيث تحصل كل منطقة على ساعات محددة من الكهرباء لتنقطع بقية اليوم. وأما الطحين، فهو يصل إلى المناطق الجنوبية، إلا أن الأفران التي تعرضت للتدمير نتيجة القصف لم تُرمم بعد، وبهذا لا يمكنها تأمين الخبز الكافي للسكان، مما يفرض عليهم السفر يوماً إلى المناطق المجاورة لتأمين الخبز. ويعترض حاجز النظام من يحمل كمية كبيرة من الخبز لمنع بيعه داخل درعا.

المحروقات أيضاً يتم توزيعها على المحطات المتواجدة في المناطق الخاضعة لاتفاق المصالحة والتسوية بشكل غير منتظم، حيث تحصل بعض الكازيات على طلبها دون مناطق أخرى، وتتدخل المحسوبيات والواسطة لحصول صاحب الكازية على طلبيته والاستعجال بها.

ومازال الأهالي في بعض المناطق يعتمدون على شراء مياه الآبار للشرب، فشبكات المياه لم تتم صيانتها حتى الآن.

أما الحركة التجارية في جنوب سوريا فهي تقتصر على المواد الغذائية والتموينية، نتيجة سهولة وصولها من العاصمة دمشق، إلا أن أسعارها مازالت كما كانت أثناء الحصار فما يزال بعضها يباع بضعف سعرها الحقيقي.

حركة إعادة الإعمار تبدو بسيطة وخفيفة في بلدات ريف درعا وهي تقتصر على ترميم منازل بجهود شخصية وعمدت بعض العائلات التي دمرت بيوتها بالكامل للسكن في منازل المغتربين في المنطقة، أو إلى استئجار منزل آخر.

يقول أحد سكان درعا إن “الوضع الأمني حتى غير مستقر”، فقد اعتقل النظام خلال الأشهر الأولى من سيطرته حوالى ١٣٠ شخصاً بحسب مصادر محلية، منهم عناصر من فصائل التسويات أو مدنيين وجلهم من منطقة اللجاة.

يبرر النظام الاعتقال بعد “تسوية الوضع” بوجود ادعاء شخصي على المعتقل، ومسألة الادعاء الشخصي لا تشملها التسوية الأمنية للشخص.

وتقول الفصائل المفاوضة إنها تضغط على الجانب الروسي للمطالبة بالمعتقلين، إلا أنه لم يتم الإفراج إلا عن بضعة معتقلين من مناطق الجنوب آخرهم الشاب علاء أحمد الصياصنه ابن الشيخ “أحمد الصياصنه” خطيب الجامع العمري في مدينة درعا البلد، وأفرج عنه بعد اعتقال دام سبع سنوات.

روسيا في الجنوب

فيما يتعلق بالوجود الروسي، تجوب شوارع درعا بشكل شبه يومي دوريات الشرطة العسكرية الروسية.

ومن اللافت أيضاً مشاهدة عناصر من فصائل المعارضة سابقاً يجلسون على حاجز مع قوات النظام السوري في معظم المناطق التي خضعت للمصالحات. يقول أحد عناصر هذه الفصائل “إن بعض العناصر فضلوا البقاء ضمن الفصيل و في بلداتهم بدلاً عن تهجيرهم إلى إدلب، ولحماية المدنيين من تجاوزات حواجز قوات النظام السوري التي انتشرت في المدن والبلدات.”

وتلقت فصائل المعارضة بعد سيطرة النظام، عروضاً لجعلها قوات رديفة للجيش السوري، إما بانضمامها لـ”لفيلق الخامس اقتحام” الذي تشرف عليه روسيا، أو الانضمام إلى “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، أو “قوات الهجانة” حرس الحدود، أو الانضمام بعقود مؤقته لمدة سنة إلى فرع الأمن العسكري.

ويقول العنصر إن روسيا سعت لكسب الفصائل التي وقعت على التسوية في الجنوب نظراً لبقاء عدد كبير من عناصرها في درعا ورفضهم التهجير ولإبعاد ميليشيات إيران و”حزب الله” عن المنطقة بحسب التعهدات الروسية التي قدمتها قبل الاتفاق.

ووافقت روسيا على طلب فصائل بريف درعا الغربي يقودها أبو مرشد البردان بتشكيل قوات من الفصائل بإدارة مباشرة من قاعدة حميميم ومستقلة عن “لفيلق الخامس – اقتحام” الذي تشرف عليه روسيا في سوريا، كما سمحت للمدنيين بالانتساب إلى هذا الفصيل الجديد، سواء من المتطوعين أو المتخلفين عن الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية في جيش النظام السوري.

ويتلقى هذا التشكيل الجديد أوامره مباشرة من قاعدة حميميم الروسية، أما شرط روسيا للموافقة على هذا التشكيل فهو مشاركته في قتال تنظيم داعش في كافة الأراضي السورية.

أما الفصائل في ريف درعا الشرقي فيقودها أحمد العودة الذي انضوى وعناصره ضمن الفيلق الخامس اقتحام، وشاركت عناصره في المعارك الدائرة في بادية السويداء ضد تنظيم داعش.

وتسعى روسيا لإعادة فصائل الجنوب إلى إدارتها لعدم ترك الساحة في الجنوب لأطراف أخرى، ورغبة منها في أن يكون جنوب سوريا نموذجاً للدفع بعجلة المصالحات في بقية المناطق الحدودية التي لا تزال خارج سيطرة النظام، وخاصة بعد أن باتت الشرطة الروسية تسيطر على معابر بين مناطق المعارضة في إدلب ومناطق النظام شمال سوريا ووسطها.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا