تدريباتنا

روث الحيوانات أبرز بدائل التدفئة في الشمال السوري

بواسطة | نوفمبر 7, 2022

يخشى ملايين السكان في الشمال السوري من قدوم فصل الشتاء، الذي يُشكل عبئاً على كثير منهم، خاصة الفقراء والنازحين، وسط تفاقم أزمة البلاد الاقتصادية، وقسوة المناخ والبرد التي تشهدها المنطقة في كل عام، فضلاً عن نقص المواد الأساسية والمساعدات الإنسانية.

يزيد الأزمة عدم توفر التيار الكهربائي في كثير من المناطق، وإرتفاع سعر الاشتراك به، وتعتبر 85 بالمئة من مخيمات الشمال السوري أقدم من عمرها المتوقع وأكثر عُرضة للتلف، وأقل مقاومة للظروف الجوية، بحسب تقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، في تشرين الأول 2021.

في سبيل التدفئة، يعمل معظم سكان المخيمات على جمع بقايا الخردة والأغصان، ومنهم من يجمع روث الحيوانات، في ظل انعدام فرص العمل والفقر الذي يحول دون شرائهم مواد التدفئة الأخرى كالحطب، والقشور بأنواعها، والفحم الحجري، والمازوت.

نجلاء النحاس واحدة من هؤلاء النازحين، تقيم مع أربعة من أبنائها في “مخيم الكرامة” الواقع على أطراف بلدة “باتبو” بريف حلب الغربي، بعد أن فقدت أثر زوجها منذ أكثر من خمسة سنوات.

تشرح النحاس خوفها من البرد القادم وتقول “ابني البكر يعاني من التهاب مزمن في العين نتيجة فقدانه لعينه اليسرى ببرميل متفجر في حلب، فيما تعاني ابنتي البالغة من العُمر سبعة سنوات من ألم مزمن في يديها وظهرها، وكلا المرضين تزداد حدتهم عند البرد الشديد، فأخشى أن يأتي هذا الشتاء وأنا لا أستطيع تدفئتهم بالشكل المطلوب”.

وتضيف: “إن خياري الوحيد منذ ثلاث سنوات للوقاية من البرد الشديد، هو روث الحيوانات، إذ أقوم أنا وأطفالي في كلِ عام بجمع روث الحيوانات في مكان مخصّص ثم نقوم بصب الماء عليه ثم نتركه ليجف قبل أن أستخدمه للتدفئة والطهي”.

وأشارت النحاس إلى أن أكثر النساء المقيمات داخل المخيمات يستخدمون نفس الطريقة.

من وسائل التدفئة البديلة التي يعتمد عليها بعض النازحين في مخيمات الشمال السوري هي إحراق الملابس المستعملة، إذ تعمد العائلات لشراء الألبسة المستعملة الرخيصة التي لا يتجاوز سعر الكيلو الواحد منها 7 ليرات تركية.

عن يقول “أبو محمد” وهو نازح من حريتان: ” لست الوحيد الذي أقوم بذلك فاليوم باتت عائلات عدّة هنا تستخدم الملابس كوقود في الشتاء، في الشتاء الماضي كنا نستخدم أربعة كيلوغرامات من الملابس خلال اليوم الواحد وكنا نستخدمه في التدفئة والطبخ وتسخين المياه”، ويضيف أبو محمد “لدي الآن أكياس ملابس مستعملة كثيرة، كنا قد خزناها منذ انتهاء الشتاء الماضي، لكي نستخدمها في الشتاء المقبل”.

مدافئ قشور الفستق

في محلٍ على أحد الطرقات العامة لبلدة “حزانو” شمالي إدلب، ينهمك عمال مهجرين من ريف حماة، في تصنيع المدافئ ووضع اللمسات الأخيرة على عدد منها. وتتألف كل مدفأة من أسطوانة طويلة، تُضرم فيها النيران، مثبتة على لوح مرتفع قليلاً عن الأرض، وملتصقة بصندوق مستطيل الشكل مصنوع من الألمنيوم، توضع فيه قشور الفستق ويكون موصولاً ببطارية سيارة.

تباع هذه المدافئ المُستحدثة بأسعار تتراوح من 100 دولار أمريكي حتى 225 دولار بحسب مواصفاتها بدءاً من جودة المدفأة إلى صندوق الحافظ للقشور ومحرك التشغيل ومنظرها الخارجي، وفقاً لصاحب هذه الورشة الشاب المهجر “محمد جدوع” من بلدة كفرزينا شمال غربي حماة.

“أبو وليد” أب لستة أطفال يعيش في تل الكرامة شمالي إدلب، قال لـ”صالون سوريا”: “نتيجة انقطاع مادة المازوت بحثنا عن بديل من أجل التدفئة، ولجأنا إلى مدفأة قشر الفستق، الأكثر صحيّة من باقي المدافئ، فهي لا تبعث روائح أو دخان، كما أنها أقل كلفة من المازوت غير المتوفّر حالياً”.

وتحتاج العائلة إلى أطنان من قشور الفتسق، وعن أسعار القشور يقول تاجر القشور ديب عبد الرحيم وهو من مدينة الأتارب غربي حلب، “إن سعر طن الواحد من قشر الفستق التركي الأول بلغ 250 دولاراً أمريكياً، والنوع الثاني 240، أمّا قشور البندق فبلغ سعر الطن الواحد 225 دولار، وقشور الكرز 220 دولار، أمّا سعر طن قشر المشمش فبلغ 255 دولار، إذ يتميز قشر المشمش بسمكه الذي يدوم أكثر داخل المدفأة”.

من جهته يجد نعيم الحسين من سكان بلدة الدانا شمالي إدلب، أنّ اللجوء إلى التدفئة بالحطب بديلاً أفضل من قشور الفستق، ويقول: “أنا أقوم بشراء الحطب غير المجفف في نهاية كل شتاء، ثم أقوم بتجفيفه بشكل مناسب خلال الصيف، لاستخدمه في الشتاء اللاحق”، ويبلغ سعر كيلو الحطب الزيتون والسنديان في الوقت الحالي 190 دولار أمريكي، بينما كان ربيع العام الماضي بـ 125 دولار.

ويشير نعيم إلى أن طنين من الحطب يكفيانه وعائلته المؤلفة من 6 أشخاص طوال فصل الشتاء.

الجانب الصحي ..غائب

الطبيب محمد عبيد المختص في أمراض الصدر في مركز عيادات بلدة معرمصرين شمالي إدلب يقول إن مواد التدفئة البديلة تحمل الكثير الأمراض في كل شتاء، وخصوصاً ما يتم استخدامه حالياً لدى الكثير من العائلات النازحة كإحراق البلاستيك وأكياس النايلون والألبسة المستعملة وحتى مدافئ الحطب.

ويقول د.عبيد: “استنشاق الأبخرة المنبعثة من هذه المواد لفترات طويلة يتسبب بأمراض إلتهاب الحنجرة والجيوب الأنفية، وقد تصل لدرجة الشعور بالغثيان والتعب وحتى الاختناق أيضاً، فضلاً عن تسببها بأمراض السرطان، ولعلّ أكثر المتضررين من ذلك هم الأطفال وخصوصاً حديثي الولادة، والأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة وبعض الأمراض الأخرى”.

وخلال الشتاء الماضي وصل إلى مركز العيادات العديد من حالات الإختناق والأمراض التنفسية والصدرية جلهم من سكان المخيمات، ويستصعب شفائهم بشكل جيد لقضاء فترة العلاج في تلك الأماكن التي أصبحت ملوثة بشكل كبير.

مدير فريق “منسقو استجابة سوريا” المختص برصد حال النازحين والمهجرين محمد حلاج يقول لـ”صالون سوريا” إن “أبرز احتياجات النازحين في المخيمات، هو تأمين مواد التدفئة، بالإضافة لتأمين مدافئ جديدة أو استبدال القديمة منها بنسبة 56 بالمئة من اعداد النازحين في المخيمات، وتأمين عوازل مطرية جديدة للخيم بنسبة 85 بالمئة، وتسوية وعزل أراضي المخيمات بنسبة 92 بالمئة، ومستلزمات اخرى (ثياب شتوية، بطانيات،…)، بنسبة 84 بالمئة”.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا