تدريباتنا

روسيا تستعجل التسوية… حوار في حميميم وسوريا اتحادية

بواسطة | أكتوبر 11, 2017

موسكو ترى مستقبل سوريا اتحادياً مشابهاً لـ«روسيا الاتحادية»، وهي ليست قلقة من سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية على مناطق شرق نهر الفرات ومصادر النفط والغاز هناك، بالتالي فإنها ترى الأكراد «طرفاً رئيسياً» في العملية السياسية لصوغ مستقبل البلاد، وأن قطار التسوية سينطلق بعد تحرير مدينتي الرقة ودير الزور من «داعش» في الأسابيع المقبلة.
أولى لبنات البحث عن التسوية، هي عقد مؤتمر وطني من الأطراف السورية في حميميم، القاعدة العسكرية الروسية قرب اللاذقية في 29 الشهر الجاري للتمهيد لمؤتمر حوار وطني موسع لإطلاق عملية سياسية تظهر ملامحها قبل الانتخابات الرئاسية الروسية في مارس (آذار) المقبل.

كانت هذه خلاصة الأفكار التي طرحها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، لدى لقائهما قائد «وحدات حماية الشعب» الكردية سيبان حمو في موسكو الأسبوع الماضي، بحسب مصادر دبلوماسية غربية اطلعت على مضمون المحادثات غير المسبوقة، علماً بأن حمو كان التقى شويغو في حميميم الشهر الماضي في أرفع لقاء بين مسؤول روسي وقيادي عسكري كردي. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن مروحية روسية حطت قرب المقر الروسي في بلدة عريما بين الباب ومنبج شمال حلب بداية الأسبوع الماضي، ونقلت حمو إلى قاعدة حميميم ثم إلى موسكو لبحث ثلاثة ملفات:

الملف الأول، كان مصير مدينة دير الزور. إذ إن المحادثات بين الجانب الروسي وقائد «الوحدات» الكردية قضت بأن تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم التحالف الدولي بقيادة أميركا على الضفة الشرقية لنهر الفرات بما فيها من آبار نفط وغاز وسدود مياه وتحرير مدينة الرقة من «داعش» على أن تسيطر القوات النظامية على مدينة دير الزور غرب النهر، ما قلص من طموحات «قوات سوريا الديمقراطية» التي كانت تطمح بالوصول إلى مدينة السخنة التي سيطرت عليها قوات النظام بدعم عسكري روسي وتعرضت لهجمات من «داعش». وقلص هذا من طموحات دمشق التي كانت تريد التقدم شرق نهر الفرات.

وضمن الخطة التي وضعها التحالف الدولي بقيادة أميركا، باتت عملية تحرير الرقة على وشك الانتهاء، وتحصن «داعش» في منطقة بعمق كيلومتر ونصف الكيلومتر في دوار النعيم، حيث يعيش نحو ستة آلاف مدني يستخدمهم «داعش» دروعاً بشرية لتأخير إعلان النصر في معقل «داعش»، ما جعل المعركة تدور في الأبنية والغرف، بدلاً من الشوارع.

ويتعلق الملف الثاني، بمصير مدينة عفرين في ريف حلب غرب نهر الفرات، علما بأنها من الأقاليم التي تشكل «فيدرالية الشمال السوري»، إضافة إلى إقليمي الجزيرة والفرات شرق الفرات. حمو، بحسب المصادر الدبلوماسية الغربية، أبلغ محاوريه الروس شكوكه إزاء نيات تركيا من التدخل في إدلب. ونقلت المصادر عن حمو قوله إن أنقرة «تريد حصار عفرين اقتصاديا وخلق مشاكل»، مشيرا إلى أن هذا «لن يؤدي إلى خفض التصعيد بل إلى تصعيده، وهو بمثابة وضع البارود قرب النار».

من جهته، ركز الجانب الروسي على أن دخول الجيش التركي إلى إدلب جاء ضمن عملية آستانة لـ«خفض التصعيد» وتطبيق الاتفاق، وأن لا علاقة له بعفرين، مشيرا إلى أن طلائع الجيش التركي توغلت شمال سوريا لاستطلاع مناطق نشر المراقبين بين إدلب وحلب، وتطبيق اتفاق وقف النار بين فصائل المعارضة والقوات النظامية، ثم محاربة «جبهة النصرة» والأطراف التي لا تقبل وقف النار والهدنة. لكن القيادي الكردي طلب توفير ضمانات بمنع تدخل الجيش التركي ضد عفرين في ريف حلب.

يتعلق الملف الثالث بمستقبل سوريا السياسي، إذ إن القياديين الروسيين أبديا ارتياحهما لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» على مناطق واسعة شرق البلاد وشمالها وطرد «داعش». وقالت المصادر: «الجانب الروسي قال بوضوح إنه يرى مستقبل سوريا اتحادياً مشابهاً لروسيا الاتحادية» وأنه يريد استخدام قوة «الوحدات» الكردية على الأرض (تضم أكثر من 70 ألف مقاتل وتسيطر مع فصائل عربية على ثلث مساحة سوريا البالغة 185 ألف كيلومتر مربع مقابل نصفها لقوات النظام) ورقة للضغط على دمشق لقبول التفاوض على حل فيدرالي أو اتحادي.

وأشارت المصادر إلى أن محادثات حمو مع الجانب الروسي كانت وراء نصيحة موسكو إلى دمشق كي تعدل موقفها من الإدارات الكردية، إذ بعد تهديدات المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسية بثينة شعبان بقتال «قوات سوريا الديمقراطية» شرق سوريا، قال وزير الخارجية وليد المعلم لتلفزيون روسي، إن إقامة نظام إدارة ذاتية للأكراد في سوريا «أمر قابل للتفاوض والحوار في حال إنشائها في إطار حدود الدولة». وتوافق دمشق على اللامركزية وفق قانون الإدارة المحلية رقم 107. كما توافق المعارضة على ذلك، لكن الطرفين يرفضان الفيدرالية والتقسيم. وتسعى دول إقليمية إلى التزام تنفيذ القرار 2252 باعتباره نص على ضمان وحدة الأراضي السورية.

ويُعتقد أن التصور الروسي لمستقبل سوريا، الذي لا تختلف معه أميركا ودول أخرى، يقوم على اللامركزية الموسعة. وظهرت ترجمة موقف موسكو في المسودة الروسية للدستور السوري التي وزعت العام الماضي وتضمنت تأسيس «جمعية مناطق» إلى جانب البرلمان واتفاقات «خفض التصعيد»، إضافة إلى تشجيع نظام الإدارات المحلية والمجالس المحلية لمناطق المعارضة العربية التي تشكل 15 في المائة من مساحة سوريا (درعا، غوطة دمشق، ريف حمص، إدلب)، إضافة إلى حديث مسؤولين روس عن عقد مؤتمر للمجالس المحلية لبحث إصلاحات سياسية.

وأوضحت المصادر أن الجيش الروسي قرر عقد مؤتمر سوري في قاعدة حميميم في 29 الشهر الجاري بمشاركة ممثلي «المصالحات» ومناطق «خفض التصعيد» والحكومة السورية والمعارضة بعد تقديم ضمانات روسية بحمايتها. وزادت أن 5 نقاط ستبحث في مؤتمر حميميم، هي: «الوضع السوري العام، خفض التوتر بين الأطراف السورية، نقاش حول الدستور السوري، تشكيل لجان تفاوضية لمشاريع المستقبل، التمهيد لمؤتمر شامل».
ويتخوف معارضون من أن يؤدي هذا إلى تأسيس مسار بديل يؤسس على عملية آستانة، واتفاقات «خفض التصعيد»، بعيداً عن مسار مفاوضات جنيف التي يسعى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى استئنافها في بداية الشهر المقبل، والبناء على المؤتمر الموسع للمعارضة المقرر عقده في الرياض.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

ينتظر السوريون في الأسابيع المقبلة بفارغ الصبر وفق تصريحات حكومية انطلاق المشغل الخلوي الثالث "وفا تيليكوم" المرتبط بإيران التي ستدخل على خط الاستحواذ في قطاع الاتصالات الحساس والذي ظلّ حكراً على متنفذي السلطة لعقود. من خلال التواصل المباشر مع مصادر متعددة من داخل...

تدريباتنا