أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
عادةً ما يعيدُ الفنانون، كل حسب لغته، صياغة ما قاله أفلاطون عن الحبّ والفلسفة :”من لا يبدأ بالحبّ، فلن يعرف أبداً ما الفلسفة”. هكذا يبدأ كل فنان بإعادة صياغة هذه المقولة، انطلاقاً من عمله، غير أننا في حالة بيو كابانياس Pío Cabanillas، نراه يصوغ مقولة أفلاطون على النحو التالي: “من يبدأ بالحب والفلسفة حقاً، سيعرف دائماً ما الفن”.
بهذا الحب، وبالفلسفة كلها، بدأ المصور الفوتوغرافي بيو كابانياس Pío Cabanillas زيارته إلى سوريا في ربيع عام 2009، أي قبل سنتين من اندلاع الحرب التي أخذت معها كل جميل، والنتيجة كانت كتاباً فوتوغرافياً وقعه بعنوان “سوريا. بيو كابانياس” صادر عن دار La Fábrica، ليكون الأول من نوعه في إسبانيا، حيث جمع فيه ثمانين صورةً للمعالم والأماكن التي اختفت، كما يقول بيو نفسه بكل أسف، والتي استطاع التقاطها بعدسته أثناء زيارته لسوريا.
“لقد كانت رحلة قصيرة للغاية التقطت فيها بعدستي مجموعة من الصور لأماكن ومعالم عالمية. عندما بدأت داعش بتدميرها، بدأت أعمل على هذا المشروع. هكذا في مواجهة التطرف والحرب والدمار والهمجية أخترت سلاح الجمال والثقافة والحب والسلام”. يعلق صاحب الكتاب وهو يحدق بأعمدة تدمر.
الصور التي التقطها بيو، في الأبيض والأسود، تثير الذاكرة وتدين الحرب المدمرة للتراث السوري، الذي هو جزء من التراث العالمي، ومن تراث الذاكرة البشرية أيضاً. إنها صورة موحية، حميمية وهادئة للبلد، بالكاد يظهر فيها أشخاص، أراد صاحبها أن يرفقها بمختارات لشعراء سوريين تأكيداً على تجذر هذا التراث وعمقه، ومحاولاً برفقة قصائد لـ 12 شاعراً سورياً تقديم بعض الجوانب المشعة في سوريا، إنساناً وإبداعاً ومادةً. في هذه المحاولة الفنية أراد بيو أن يؤاخي بين البصر والبصيرة، الصورة والكلمة، اللون والظل، بين المرئي واللامرئي. إنه حوار بين الأشياء وعن الأشياء، نتعرف من خلاله على التاريخ، والحقول والجبال، والشوارع، والنساء، والأطفال، والرجال، نتعرف من خلاله على بلد كامل.
إنها، إذا، محاولة رائدة لتقديم صورة حقيقية عن سوريا، ليس فقط عبر الصور، الألوان، والضوء، وإنما عن طريق الكلمات والاستعارات. لهذا فإن قارئ الكتاب سيلاحظ الحوار الواضح بين موسيقى الشعر وسحر كلماته وبريق الصورة وزوايا الضوء والظل. إنها تجربة مبتكرة وخلاقة تجمع بين أسلوبين تعبيريين يختلفان من حيث التقنيات والأدوات، ولكنهما يلتقيان في الهدف نفسه وهو تقديم صور تجمع بين الاستعارات والإيحاءات الشعرية والدلالات والإشارات المباشرة والحقيقة. في هذا العمل يخترق بيو برفقة شعراء سوريين من قامة (أدونيس، نزيه أبو عفش، أسامة إسبر، أمل جراح، سنية صالح، صقر عليشي وغيرهم) الحلم، الذاكرة والحياة. يخترق الرغبة والعلاقة بين الأشياء، هناك حيث تتلاقى اللحظة العابرة مع الأبدية. لقد قام المصور بعمل رائع من أجل الجمع بين الصورة والأدب، ولكن ما هي المعايير التي وضعت من أجل اختيار القصائد؟ يأتي الجواب في المقدمة:” لقد كان المعيار شخصياً بشكل خاص، لقد حاولت أن أختار، من زاوية فنية بحتة تتجاوز الزمان والمكان، أولئك الشعراء، الذين، برأيي، يؤسسون لعلاقة حيوية مع الصور، ففي بعض الأحيان يحتاج الإنسان إلى التحدث إلى شخص خارج الكتب، التحدث على سبيل المثال إلى شجرة، أو نهر أو نبع أو قلعة أو جدار أكثر من حديثه مع إنسان آخر. هذا بدوره يؤكد لنا أن الحقيقة لا تأتي من الخارج، أي من الكتب والأفكار والشعارات الدينية والسياسية، وإنما من تجربة الحياة ومن التواصل الحي مع الأشياء ومع الكون. بهذا المعنى تم اختيار تلك القصائد التي تؤسس لهذا الحوار التواصلي الحي بين عالم متكامل من الصور”.
بالإضافة إلى الصور والقصائد ومقدمة الناشر، كانت إلى جانبهم أيضاً الرؤية الخارجية التي أضافها قلم مارك توين الأصيل الذي قام برحلة عبر البحر المتوسط في عام 1867، وكانت نتيجتها كتاب “دليل من أجل المسافرين الأبرياء“، حيث تم اختيار الجزء الذي خصصه مارك توين للحديث عن سوريا. نقرأ من مقدمته: “لقد شهدت دمشق كل ما جرى في هذا العالم، وهي حتى الآن تنبض بالحياة. شهدت دمشق آلاف العظام اليابسة لآلاف الإمبراطوريات، وأعتقد أنها ستشهد ملايين القبور قبل أن يلامسها الموت. إنها تستحق بجدارة لقب المدينة الأبدية”. إنه بكلماته المثيرة هذه، ووصفه الدقيق يقدّم عالماً شبيها إلى درجة كبيرة بعالم اليوم، إلا أنه عالمٌ أكثر فقراً وذلك بسبب فقدان قسم كبير من تراثه الثقافي.
نتعلم في الكتاب أن لسوريا دوراً في الفن. تعلمنا سوريا أن الإبداع يتجاوز الأشياء فيما يحتضنها. بهذا المعنى الفن ليس له نهاية. فالفن، سواء أكان صورة أو كلمة، رقصاً أو موسيقى، يحرر الأشياء من قيودها ومن كثافتها، يجعلها أكثر شفافية وحرية. إنه يخلق في الإنسان شعور وحدة مع الوجود، أي كأنه يعيش في وحدة بين الصورة والمعنى، بين البدايات النهايات.
كتاب “سوريا. بيو كابانياس” لمؤلفه بيو صادر عن دار نشر La Fábrica2019.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...