يُجّسد المُخرِج السوري نبيل المالح شخصية الفنان الناشط، المُنِتج الثقافيّ المُلتزم اجتماعياً والناشط سياسياً. تحدّى المالح بأعماله، على مدى عقود من إنتاج أنماط فنية مختلفة، الأنظمة الفنية والثقافية والسياسية. غالباً ما يستشهد المالح بلحظة حاسمة من الطفولة المقاومة: يُواجِه الطفل نبيل, البالغ من العمر سبع سنوات, الجندي الذي حاول أن يبعده عن أرجوحة حديقة عامة لكي يتمكّن أطفال ضُبّاط من اللعب فيها. في مقابل تحديه هذا، تلقّى الطفل الصفعة التي، كما المالح يقول، تردد صداها طوال حياته. [1]
ولد المالح عام 1936، وهو ابن طبيب رفيع المستوى في الجيش ، هوالشقيق الأكبر لأربعة أخوة في أسرة نخبوية دمشقية. درس القانون في جامعة دمشق، ولكن ميوله انصبت في العلوم وشغفه كان في الكتابة والرسم. التقى المالح بالملحق الثقافي التشيكي بالصدفة ، الذي شجعه على متابعة حلمه في دراسة الفيزياء في براغ. بسبب عدم وجود التمويل، قام الفتى ذو السبعة عشر ربيعاً ببيع واحدة من لوحاته للأونروا، ليكسب بذلك ما يكفي لأول أشهر من وجوده في تشيكوسلوفاكيا. غيّر المالح اختصاص دراسته من الفيزياء النووية الى قسم السينما في براغ ، وانضمّ بذلك الى فريق ضمّ جيري مينزل وميلوس فورمان. وأثناء تواجده في تشيكوسلوفاكيا، لفت انتقاده للنظام الناصري المسيطر على سوريا في ظلّ الجمهورية العربية المُتّحِدة انتباه أجهزة الاستخبارات السورية التي دعته بالمُنشَق الأمر الذي بقي مصدر ضيق وإلهام.
بعد عودته إلى سوريا بعد التخرج في عام 1964 كأول خريج سوري من مدرسة السينما الأوروبية، أخرج المالح الأفلام القصيرة واستمر بالرسم مقيماً أول معارضه الفنية. وكتب أيضا سيناريو مقتبس عن رواية للكاتب السوري حيدر حيدر بعنوان (الفهد)، و هذه الرواية كانت تصوير خيالي لأبي علي شاهين، الثائر الأسطوري لحقبة الاربعينيات 1940. وقبل أسبوع من موعد التصوير المُقرّر، ألغت وزارة الداخلية تصريح التصويربحجة أن الفيلم يُمجِّد سفاح. وفي عام 1971 أعطي فيلم ليوبارد إذناً رسميّاً، وأصبح هذا التجسيد للمقاومة الريفية أول أطول فيلم روائي سوري.
أسر فيلم (الفهد) قلب الجمهور العربي حين صدوره عام 1972 ليقدم بذلك السينما السورية إلى الساحة العالمية. تدور أحداث الفيلم في العام 1946 حين قلّصت قوات الانتداب الفرنسي وجودها، واستغراق الاقطاعيين المحليين المعروفين بالأغوات في الظلم. يبدأ الفيلم بمشهد يعاد أكثر من مرة وهو مشهد قريب لوجه بطل الرواية مقطب قبالة بحر هائج يرسم القصص الشعبية السورية. في المشهد الثاني، ذو الصورة الظلية، تسأل شفيقة، زوجة أبو علي، عن سبب امتلاكه بندقية بعد أن غادر الفرنسيون. أبو علي يتجنّب الإجابة على السؤال، ولكن يأتي الجواب بسرعة: الإقطاعيين السوريين المدعومين من قبل الجنود يطلبون جزية تفوق قُدرة الفلاحين على الدفع بعد موسم حصاد سيّئ. يُقاوِم البطل ولكن يُلقى القبض عليه ويُضرب، إلا أنه يتمكّن من الهرب إلى التلال ليشنّ هجمات مُتمرِّدة ضِدّ قوات جديدة من الاستبداد. حاول رفاق من أيام مقاومة الفرنسيين الانضمام إليه، ولكنّ أبو علي صدهم ؛إنها معركته وحده.
حاول الجنود حمل المتمردين على الاستسلام من خلال مضايقة سكان القرية وسرقة طعامهم وبعد الغارة العسكرية البشعة التي قُتِل فيها ابن أخت أبو علي، طالبت شقيقة البطل أخيها بالثأرلابنها. لقد أدّى تمرُّده هذا إلى انتقام عنيف. زارت شفيقة أبو علي في مخبئه مُؤكِّدة دعم القرويين له، على الرغم من وحشية الآغا ليُجسِد هذا اللقاء العاطفي لأول مشهد إغراء في السينما العربية، إذ داعبت الكاميرا جسد المُمثّلة العاري إغراء المُتمدّد تحت المُتمرد الوَلِه (الإغراء “، نهاد علاء الدين).
انضمت شفيقة في وقت لاحق لزوجها في الدفاع عن موقفه ضدّ فصيلة مُسلّحة. كمادوّن Cecile Boëx أنّ هذا التصوير للأنثى المُقاوِمة يُفِسد اتفاقيات السينما التجارية، وشفيقة لم تَعُد مُجرّد جسد يُرضِي الرغبات الجنسية، ولكنها مُتمرّدة تُحارب من أجل قضية جماعية )2011,135(
تدهورت أحوال الفلاحين ، وعبد الرحيم “المُسلّح الوحيد”، قتل لإطعام صديقه المُطارد. مدفوعين بالغضب، انضمّ عدد من رجال القرية لأبو علي في غارة على مجموعة من الجنود تتناول الذبائح عند الآغا، سرقوا أسلحتهم، وأضرموا النار في مستودع القائد العسكري. أُلِقي القبض على شفيقة وابنها علي في محاولة لإرغام الُمتمردين على الخروج من مخبئهم، لكنه فاجأ الحُرّاس وأنقذهم. عاد إلى أهله وحاول نقلهم إلى مكان أكثر أماناً، لكن هذه المحاولة فرقتهم ليعود أبو علي وحيداً مرة أخرى. لجأ لفترة قصيرة لأحد شيوخ القرية، الذي شكك في الخطة التي خلقت سلسلة انتقام دموية ، ليجيب أبو علي “لم أستطع إلا أن أفعل شيئاً”. أجابه الحكيم “لكن بندقيتك لم تقم بما هو خير”، ، مشيراً إلى أن الجنود إن هم الا رجال فقراء مقموعين يحاولون إطعام أسرهم.
اتهم الفلاحون أبو علي بخوض معركة خاسرة وجلب الخراب إلى القرية و لكنهم تملصوا من مطالبة السلطات بمعرفة مكان البطل. إلا ان خيانة أبي علي أتت من عمه الذي خنقه المتمردون قبل تمكن الجنود من سحبه بعيدا عنه. رُبط البطل وتم جره في شوارع القرية، ثم قُيّد بشبكة من السلاسل و تم ضربه. طلقات من النار على البحر لجلب الانتباه لشخصية أبو علي المكبلة بالأصفاد تسير على طول الشاطئ متجهة لحبل المشنقة، حيث القرويين جنبا إلى جنب مع الآغا ورجاله، ينتظرون بصمت كئيب. و عند شنق أبو علي يظهر مشهد جوي لكامل الريف وتظهر في الأفق صورة ظلية خيالية للفلاحين الحانقين.
يمثل الفهد جهده الأول المتواصل لاستكشاف، من خلال المثال السردي، الخطأ الذي استمر في إضعاف مساعي السوريين الثورية. تعزز السياسة صياغة الفيلم بدلا من السيطرة عليه. يتماهى المالح مع بطل روايته ، وهو المتمرد المنعل الوحيد الذي يقاتل من أجل الاستقلال الحقيقي، “مدفوعاً بالكرامة واحترام الذات والتصميم على الذهاب للحد الأقصى، حاملاً صليبه بلا ندم.” بسرده قصة أبو علي، كما هو الحال في أعماله الأخرى، يناضل المالح من أجل لغة سينمائية جديدة لا تنتمي إلى مدارس النمط السينمائي:
لم يسبق لي ان أحسست بأن هناك مدرسة أستطيع اتباعها، فأنا أحاول ايجاد طرق خاص بي. أحيانا أنجح. لكن كشف الخمار عن ما لا نعرفه عن أنفسنا يبدو لي أكثر أهمية من اتباع حركة سينمائية. . ما من أنماط قابلة لإعادة الاحياء، هنا فقط اشكال يجب أن تُخلَق وتُكتَشف. أنا أتجنب المدارس والاتجاهات الموجودة مسبقاً.
يوظف فيلم الفهد تقنيات الواقعية الجديدة بما في ذلك مواضيع الفقر والقمع، والاستعانة بممثلين غير محترفين و بالتصوير الأسود والأبيض. يمكن القول أن الفيلم أسس للهجة الأسلوبية على مدى العقود اللاحقة للإنتاج الخيالي الاعلامي السوري. يعكس الفهد جمالية الظلام التي أصبحت السمة المميزة لأسلوب البصرية السورية. إذ يعتمد المنتجون الثقافيون الحاليون، عمدا أو من غير عمد، على جمالية قاتمة قُدّمت في الفهد ( Salamandra 2012;2015).
تعكس مشاهد مؤطرة للريف وبيوته الحجرية التقليدية اهتماما مدروسا لمصداقية الديكور والملابس. يرى المالح الفيلم كجزء من التوثيق الثقافي، كشكل من الأنثروبولوجيا الإنقاذ لتقفي ما تبقى من “البيئة الريفية الحقيقية “. تظهر مشاهد الحصاد في المناطق الريفية الممارسة اليومية تحت مراقبة الجنود المتوعدة. يصف المالح الدافع وراء تقنياته الواقعية:
تطلبت البيئة القاسية حلولاً قاسية. كرهت ولازلت أمقت الادعاء. جسد اللون، بالنسبة لي في ذلك الوقت، نزيفا كاذباً غطى أصالة الأشياء والشخصيات والعواطف. استكشفت مع الفهد المواقع والناس. أذهلتني أصالة كليهما [في المنطقة الساحلية السورية] تجانست تماما مع مفهومي للفيلم. حتى أنني رفضت مساحيق التزيين. قلت الجميع أن أشعة الشمس كانت أفضل خبير تزيين. غمرني العمل مع الناس من تلك القرى، الذين لم يذهبوا إلى السينما قط، بنشوة الفرح.
يتوقف غنى الفيلم الواقعي المحلي على اللغة، و يعتمد الحوار على مصطلحات العامية السورية. وهذا، بحسب المالح، يعكس روح السياسي في عصره. توظف الأفلام من حقبة الثمانينات والدراما التلفزيونية من التسعينات فصاعدا اللهجات المحلية مع التجمعات الطائفية والإقليمية المصاحبة لها – مودية في كثير من الأحيان إلى تأثير مثير للجدل (سالاماندرا 2004). لكن مازالت أواخر السبعينات تحمل أمل الوحدة العربية: “لم أعط اهتماما خاصا للهجة، بالنسبة لي كان الفهد رمزا سوريا أو حتى رمزا قوميا عربيا.. في ذلك الوقت، لم تكن للهجة الساحل السوري نفس الدلالات السياسية أو الاجتماعية كما اليوم. لم أتنبأ بالانتقال الجلي من اللهجة إلى الموقف “. [2]
حصل الفهد على جائزة خاصة في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي في عام 1972، وهو نوع من الاعتراف الأوروبي بما حققه صانعوا السينما العرب. كما حظي الفيلم بنجاح محلي غير مسبوق. ومن مفارقات صناعة السينما السورية فإن معظم أعمالها التي المؤسسة العامة للسينما إما أن تكون ممنوعة من العرض أو ببساطة تفشل في تحقيق التوزيع المحلي (السلطي 2006). عرض الفيلم في دور السينما في جميع أنحاء سوريا رغم رسالته الضمنية: لقد مات الاستعمار الأجنبي ، ولكن لازال القمع حياً. احتل فيلم وصانعه مكانة متميزة في الذاكرة الجمعية للوسط الفني السوري، وألهمَ أجيالاً من صُنّاع الإعلام. استشهد شريف كيوان، عضو جمعية أبو النضارة للمخرجين المُتمردين، بمشهد الحبّ:” رؤية جسد امرأة في الفيلم مَلأني بشعور حرية عارم، لقد تخطّى المشهد الحدود إذ أثّر فيي أكثر من أيّ شيء سياسي مباشر “. [3]
ما زال الفيلم يُذكر خارج منطقة الشرق الأوسط: اختار مهرجان بوسان الدولي في كوريا الجنوبية عام 2005 فيلم الفهد كأحد “الروائع الخالدة في السينما الآسيوية.”
يُجسِد المالح تناقض السينما السورية؛ على الرغم من تلقيه تمويل المؤسسة العامة للسينما إلا أنّ المالح يُعامَل كمنفي، تمييزٌ يعتبره المالح شرفاً. لقد مكّنه التمويل الحكومي بالتخلي عن مصادر تمويل خارجية، الأمر الذي منحه بحسب اعتقاده مصداقية محلية أكبر. على غير عادة الأفلام العربية نال الفهد كغيره من أعمال المالح وخصوصا الكومبارس، على حدّ سواء الإعجاب العالميّ والشعبية المحلية. عُرض في أكثر من عشرين صالة عرض سورية لأكثر من ثلاثة أشهر، أسّس العمل لسمعة رائعة في العالم العربي وخارجه.
وعلى الرغم من التدخُّل المُشتِّت من مُمثّلي الدولة الذين وصف المالح تصرفاتهم بـ “تصرفات أشبه بالمخابرات أكثر من كونها تصرفات وكلاء ومديري مشاريع ثقافية،” كانت فترة السبعينات مُثمرة للصناعة السورية الحديثة. عقدت دمشق عام 1972 أول مهرجانها السينمائي الدولي السنوي مُعزّزة السينما العربية البديلة. أنتج المالح خلال هذا الوقت العديد من الأفلام القصيرة التجريبية، بما في ذلك ” نابالم” ذو التسعين ثانية، الذي يربط بين حرب فيتنام والاحتلال الإسرائيلي مستوحياً قصته من الحروب في فلسطين وفيتنام لينال عليه الجائزة الأولى في مهرجان تولون السينمائي. وفيلم ” الصخر” الذي ناقش ظروف العمل المحفوفة بالمخاطر لعمال المقالع السوريين. وأخرج أيضا عمل ” المخاض” الجزء الأول من ثُلاثية ” رجال تحت الشمس”، الثلاثية التي تناقش وضع الفلسطينيين والتي عُرِضت عام 1970. وقد قدّم عمله ذو المُحاكاة الساخِرة والمُموِّل من القطاع الخاص ” غوار جيمس بوند” دريد لحام كشخصية تلفزيونية كوميدية إلى الشاشة الكبيرة عام 1974. فيما ناقش “السيد التقدمي” عام 1975 تحقيقات صحفية لكشف فساد الطبقة الوسطى. لكن تمّ حظر الفيلم في سوريا لتصويره السلبي لصورة النظام/الحكم.
بحلول نهاية فترة السبعينيات، واجهت سوريا توتراً متزايداً مُتمثّلاً بتحديات الإسلاميين المُسلّحة والتي بلغت ذروتها في القمع الوحشي للانتفاضة في حماة عام 1982 .وفرضت دولة البعث سيطرتها على التعبير الإبداعي. يقول المالح “تعارضت مع البيئة الثقافية المتحجرة في شعارات التقدم الزائفة “، ولكنه واصل عمله. وشهد العام 1979 إطلاق رائعته الثانية ” بقايا صور” معالجة واقعية لرواية السيرة الذاتية التي كتبها حنا مينا، مُؤرّخاً الحياة الاجتماعية في الريف السوري. [4] أٌعجب المالح بأسلوب مينا الغني في رسم شخصياته وإحساسه ببيئته الريفية، الأمرالذي قد يؤدّي إلى ” الوجود الإنساني الهشّ والبحث عن حياة كريمة” صوّر المالح فيلمه المُلوّن ناسباً إياه لعشرينات القرن الماضي. يروي الفيلم قصة صراع أبو سالم السكير في محاولاته الحثيثة لاستعادة أرض زوجته التي انتزعها منهم الأتراك، كما يحكي الفيلم عن جهود أبو سالم الضائعة للحفاظ على أسرته الفقيرة. تنازل البحار الخبير فقبل بوظائف غريبة في قرية ساحلية، روى أبو سليم لجيرانه قصص البحارة ” أوه مصر والمرأة” ولم يجيد الأعمال الوضيعة التي قُدّمت له ، لم تناسبه حياة اليابسة، ولم يلبث أن تحوّل إلى التهريب ولكنه خُطف. تسولت زوجته أم سليم(الممثلة والمخرجة المسرحية نائلة الأطرش) للحصول على الطعام وطلبت من جيرانه ذلك ، بما في ذلك الأرملة الجميلة )سمر سامي) والتي تربطها بزوجها علاقة غرامية. تفاقم الجوع و منع أطفالهم الثلاثة من تناول الطعام حتى يحيط ظلّ بعد الظهر صخرة بعينها.
انتقلت العائلة إلى الجبال، حيث يجد عمّ أم سالم، برهوم عملاً لأبو سالم مع مُختار القرية البخيل النزق الذي يغسل ثيابه بنفسه. ولكن البحّار تعب بسرعة من العمل في الأرض. أُجبرت الابنة الكبرى للزوجين والتي لازالت في سن المراهقة، على الخدمة المنزلية في بيت المختار لإعالة أسرتها . حملت تربية دود القزّ وعود الخلاص، تُظهِر بعض اللقطات فرحة القرويين وهم يُعاملون دودة القزّ برفق على أوراق التوت، لكن تُغرِق الهند سوق الغزل والنسيج الدولي بمواد أرخص. تعاظمت ديون الأسرة للمختار، الذي يسيطر على الإمدادات الغذائية ، فيتم إرسال الابنة الأصغر للعمل في منزل أحد آغوات السهول بالقرب من الحدود التركية. انضمت الأسرة لها بعد تسريحهم ابنة العم برهوم البكر من الخدمة لدى المختار.
وتقع القرية في حالة اضطراب، إذ سُرق مستودع الآغا. يبدو أن لا أحد يعرف أو يهتمّ بوظيفة وسكن أبو سالم الموعودين. تشهد الأسرة مُواجهة بين رجال الزعيم والقرويين . تخطو الشجاعة زنوبا )المظفرة منى واصف(، التي سُمّيت باسم الملكة المُحارِبة التاريخية في سوريا، ضاحكةً بخطوات واسعة ، متهمة مختار القرية بسرقة الحبوب نيابة عن الآغا. “أنت كلب”، تسخر قائلة “هزّ ذيلك للآغا وسوف يعطيك عَظمَة” يحاول أبو سالم الاقتراب من الآغا ولكنه يُزجر . يتعرّف عبدو أحد جنود الآغا على ابن عمه أبو سالم ويجد للبحّار وظيفة حِراسة مستودع الآغا . يُعطّى بُندقية ليكسب شبهة جيرانه الجُدد، باستثناء زنوبا التي أصبحت صديقة الأسرة. كانت تأخذ ابن سالم الجائع في رحلات طويلة إلى النسخة المحلية من حساء المطبخ، وتغسل عيون الصبي الصغير الملتهبة بماء البحر.
حاول عبده مهاجمة زنوبا، ولكن أبو سليم قام بحمايتها. وازداد التوتر بين الرجلين أكثر بسبب موقف الجندي من الفلاحين، الذين كما يقول:”لا يخرجون للعمل إلا تحت تهديد البندقية.” استفحل الخلاف بعد اتهام المُزارعين الجائعين بسرقة الطعام من الآغا، ليجد أبناء العمومة أنفسهم على طرفي نقيض من معركة بين القرويين والجنود. تجمّع المزارعون لاقتحام المستودع “لاسترجَاع حقنا” حاول الجنود منعهم وحصل تبادل لإطلاق النار. قَتلَ البحّارُ الغاضب ابنَ عمه . أضرمت زنوبا الضاحكة بجنون النار في مستودع الآغا، وتمّ إطلاق النار عليها من أعلى السطح . ليبلغ أبو سليم الجريح مشارف الفيلم النهائية وصوت ابنه المذعور يُردّد “ضاعت الحياة.”
يعزف الفيلم على وتر تحولات الضعف والقوة. على الرغم من كونها شخصية ثانوية، فإن برهوم طويل القامة، القوي، يسعى في حين أن أبو سالم، الذي يُجسد دور البطل الأعلى. أضعفت زنوبا كلا من القرويين والجنود على حدّ سواء بعدوانيتها. يوسع الفيلم المشهد المحلي الحميم للرواية ليغطي موضوعات الهيمنة والقمع. حوّل المالح شخصية مينا )أبو سالم( الماجن، و مُحبّ النساء السكير، إلى شخصية مُحبَطة ولكن كريمة “بصراحة، لم أكُن أحبّ كونه مُدمِن على الكحول، كان لدى أبو سالم شيئاً نبيلاً وصادقاً ، لقد سعى لحياة كريمة. لم أستطع تجاهل كلّ هذا. لم أحبّ تجربة المؤلف، لذلك قمتُ باختيار ما أحبّ في الناس: قُدرة المشقة والفقر على خلق النبل”.
[هذا المقال هو نسخة مختصرة من “نبيل المالح: فهد سوريا،” في عشر مخرجين عرب، الذي حرره جوزيف غوغلر (بلومينغتون: مطبعة جامعة إنديانا، 2015).]
[ترجمه إلى العربية رفاه برهوم. للنسخة الإنجليزية اضغط/ هنا]