أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
في كوة لا تتجاوز ثلاثة أمتار، تشعر وكأنها خرجت عنوة من جدار طويل، تستوقف المارة في حي القيمرية رائحة الفطائر الزكية مهما كانوا مستعجلين. يتوقف أغلبهم لتناول فطيرة كبيرة صُنعت من خبز الصاج، بينما ينبههم “عبد الله” قائلاً “اوعا سخنة، كلها ع مهل كيلا تحرق لسانك”.
بيدين ماهرتين يعجن عبد الله مقادير متساوية من عجينة رقيقة، ثم يقلبها بين راحتي كفيه لتستقر أخيراً في فرن مكور ملتهب، هذا هو العمل اليومي للشاب الثلاثيني الذي لم يقفل أبواب محله منذ 19 عاماً، باستثناء يوم استراحته في يوم الجمعة.
أصر عبد الله أيضاً على الالتزام بعمله حتى عندما كانت تسقط القذائف والصواريخ على الحي الدمشقي، عن هذا يقول لـ”صالون سوريا”:” في عام 2003 افتتحت محلي، أبدأ العمل منذ الساعة السادسة صباحا حتى العاشرة مساءا بالتناوب مع شقيقي، لم انقطع عن العمل ليوم واحد خلال هذه السنوات رغم سقوط القذائف وضجيج الحرب، لدرجة أن قذيفة سقطت على بعد متر واحد من محلي، ومع ذلك لم أتوقف وصممت على الاستمرار في العمل ولم أغلق”.
على خلاف الكثير من أصحاب المحال المجاورة، لم يرث عبدالله صنعته من والده أو جده، بل تعلمها على يد أحد صناع الفطائر الماهرين في الجنوب اللبناني، ليعود إلى دمشق ويبدأ بمشروعه الخاص، ” أحب صنعتي وأتقنها جيداً، أعمل بسرعة كبيرة، فيداي اعتادتا حركة صنع الفطيرة، أصنعها وأنا مغمض العين” يقول عبد الله الذي يحاول مراعاة أحوال الناس و يحرص على عدم رفع أسعاره لتبقى متاحة للجميع. مضيفاً ” كونت سمعتي على مدار سنوات من خلال المحبة والوجه البشوش والمعاملة اللطيفة، بالإضافة إلى أسعاري المنطقية وجودة الفطائر، الجميع هنا يعرفني، كما يقصدني العديد من ساكني الحارات المجاورة لتذوق فطائري”.
معاناة الحصول على أسطوانة الغاز
تترأس أسطوانة الغاز قائمة “المستعصيات”، فالحصول عليها أمر في غاية الصعوبة، وفي حال توفرها فسعرها باهظ الثمن، وعن ذلك، يشرح عبد الله” أدفع ثمن جرة الغاز 125 ألف ليرة سورية حسب السعر الحر، وأنا استهلك أسطوانة واحدة كل يومين، أما المدعوم فيحق لي اقتناء جرة واحدة بالشهر”، ويسترجع عبد ذاكرته قبل اندلاع الحرب بأعوام طويلة، عندما كان سعر الأسطوانة 100 ليرة سورية، كما كانت جودة الغاز المعبأة أفضل، إلى جانب امتلائها بالكامل، بينما الآن تأتي ناقصة قليلا بالرغم من سعرها المرتفع.
كذلك، يواجه عبد الله تحديات إضافية تتمثل بتأمين شراء المواد الغذائية التي يحتاجها في عمله لصنع الفطائر، عدا عن غلاء أسعارها، معترفاً أنه يضطر لاقتناء المواد ذات الجودة المتوسطة ومن الموزع مباشرة، عن هذا يشرح عبد الله:” ارتفعت أسعار اللبنة والجبنة بكافة أنواعها إلى الضعف، وكذلك اللحومات الباردة، في السابق كنت اشتري النقانق المستوردة من لبنان، أما الآن فهذا غير ممكن على الإطلاق، لأنها ستفسد ولن يشتريها أحد، لذلك استبدلها بمحلية الصنع، الأمر كذلك بالنسبة للأجبان، أحرص على شرائها من صاحب المبقرة مباشرة لتخفيف النفقات وليتمكن الزبون من شرائها في آن معا”.
يستذكر عبدالله ضاحكاً لائحة الأسعار منذ أكثر من عشرة أعوام، إذ طرأ تغيير كبير عليها، ففطيرة الزعتر كانت بـ 10ليرات سورية، بينما الآن بـ 1500 ليرة سورية، أما فطيرة الجبنة فكانت بـ 15ليرة، لتصبح اليوم 2500 ليرة، بينما كانت تعد فطيرة الشيش الأغلى ثمنا، فوصل سعرها إلى 25 ليرة آنذاك، بينما اليوم بلغ سعر الأخيرة 5000 آلاف”.
“فطائر دافئة كأيام زمان”
يجسد محل عبد الله الصغير مقولة “الأماكن الدافئة هي الأكثر ازدحاما”، لهذا المكان خصوصية مميزة لدى زبائن حي القيمرية، فبالرغم من مساحته الضيقة التي لا تتسع لموطئ قدم، إلا أنه يستقطب مئات الزبائن في اليوم الواحد، مما لا يتيح لعبد الله خمس دقائق راحة. تشغل فطائره مكانة خاصة في قلب زبائنه، كنهال وهي طالبة جامعية اعتادت تناول فطورها عنده وهي متوجهة إلى جامعتها، تقول نهال:” أكره الاستيقاظ باكرا وإضاعة وقتي لإعداد الفطور، اعتدت على تناول فطيرة الجبن والزعتر عنده منذ 4 سنوات، لدرجة أنه يحضرها قبل موعد مروري بدقائق كي لا أضطر للانتظار”، كذلك الحال بالنسبة لفرح (30 عاما) التي تصف نفسها بـ”الزبونة الدائمة منذ 15 عشر عاما”، تقول فرح لصالون سوريا:” أتناول فطائره منذ أيام الثانوية لغاية اليوم، أذكر أنني كنت في كل صباح وأنا ذاهبة إلى مدرستي اشتري فطيرة جبنة و آكلها في الطريق، وكذلك أفعل الآن خلال توجهي إلى العمل”.بينما أم علي تعتبر فطائر عبد الله منقذها الوحيد والطبق الشهي عند تكاسلها في إعداد طعام الغداء لأسرتها، توضح” ألجأ إلى فطائره اللذيذة عند عدم تحضيري الغداء وأحيانا أخرى عند دعوة صديقاتي لوجبة فطور شهية”، أما محمد (32عاما) فسبب اختياره لفطائر عبدالله كان عاطفيا بامتياز، يعبر قائلا “تعرفت على هذا المحل قبل نشوب الحرب، أرفض تناول الفطائر من أي مكان آخر مهما بلغ مني الجوع، لأنه يذكرني بما كانت عليه سورية قبل الموت والدمار، هو المكان الوحيد الذي يبقى ذاكرتي عن سورية ما قبل 2012 جميلة وزاخرة بالحب”.
ماتفرقه السياسة تجمعه الفطائر
عند سؤالنا عبدالله عما يجعل محله مميزا ويسمح باستمراره رغم عقد كامل من الحرب، أدت إلى قطع أرزاق العديد من أصحاب المحال، فيجيب بدون تفكير وتردد” ، عدم وجود انحيازات طائفية ولا اصطفافات سياسية، فزبائني ينتمون لأطياف متنوعة، جمعتهم مشاعر الخسارة والخوف، والفقد، فالقذائف التي كانت تسقط لم تفرق بين طائفة وأخرى، فما تفرقه السياسة، تجمعه الفطائر التي تصنع بحب”.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...