تدريباتنا

قلة الخيارات.. تدفع أطفال إدلب للانخراط بأعمال خطرة

بواسطة | يوليو 10, 2022

“شو يلي جبرك على المر غير الأمر منه” عبارة تختصر معاناة علي الأحمد الذي لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره، حين أُجبر على إعالة عائلته، وراح يعمل بأخطر المهن في محطات تكرير المحروقات، وهي ذات المهنة التي أدت لوفاة والده أواخر عام ٢٠٢١، حين انفجرت إحدى الحراقات على مقربة منه.

لم يسلم علي من تبعات هذه المهنة أيضاً، حين تعرض هو الآخر لحروق ناجمة عن انفجار حراقة بدائية لتكرير المحروقات في ترحين شرقي حلب في مايو/أيار ٢٠٢٢.

حراّقة

بحث علي طويلاً عن عمل لكنه لم يوفق، ما دفعه للعمل في تكرير المحروقات، يقول لـ“صالون سوريا“: “مع أنه الشغل فيها صعب كتير، وأبي توفى بسبب العمل فيها، وما بتفارقني لحظات حياته الأخيرة لما كان يتنفس بصعوبة، لكن كنت مضطر لأني اشتغل تحت كل الظروف”.

عن لحظات إصابته يضيف علي “كنت أعمل بين الحراقات، وفجأة غبت عن الوعي لثوان، و صحيت بعدها وفتحت عيوني وشفت النار حوالي ودخان أسود والدم ينزل مني، وسمعت أصوات الناس تصرّخ (فجرت الحراقة) فعرفت أن الحراقة القريبة مني انفجرت”.

نجا علي من الموت وأسعف إلى المشفى حيث تم تضميد الحروق والجروح في جسده المتعب، ليخرج بعد أيام إلى منزله لاستكمال العلاج بعد أن نصحه الطبيب بالراحة وعدم التعرض لأشعة الشمس مطلقاً.

 يأمل علي أن يتعافى بسرعة كي يعود إلى العمل من أجل الإعالة بأمه وأخوته، وتأمين متطلبات الحياة التي باتت ”صعبة المنال“ على حد تعبيره.

وفي الوقت نفسه يحلم علي بالرجوع لمقاعد الدراسة وتحقيق أحلامه بوظيفة مستقبلية آمنة، لكنه سرعان ما يصطدم بواقعه الأليم.

أما رائد الحلاق (١٢ عاماً) فقد أصيبت قدمه بإصابة بليغة تسببت له بإعاقة دائمة حين انفجرت عليه إحدى مخلفات الحرب أثناء عمله بالبحث عن المعادن والخرداوات في مكبات النفايات.

يقول رائد أنه كان على مقربة من مكب النفايات الواقع أمام مخيمهم  في البردقلي شمال الدانا بإدلب، حين رأى إحدى الكتل الغريبة، فاقترب منها وحاول لمسها لكنها انفجرت عليه وأدت لإصابته بتمزق داخل عظامه وعضلات قدمه.

لم يعد رائد قادراً على المشي بشكل طبيعي بعد التهشمات التي أدت لتضرر كبير في ساقه وقدمه جراء انفجار القنبلة التي كان يحسبها قطعة معدنية يمكن بيعها والاستفادة منها.

يعيش الطفل رائد مع أمه وإخوته الثلاثة في إحدى المخيمات بعد نزوحهم عن بلدتهم خان شيخون أواخر عام ٢٠١٩، وبات المعيل الوحيد بعد وفاة والده في القصف على مدينتهم، لكنه لم يعد قادراً على العمل بعد إصابته تلك.

المرشدة النفسية والاجتماعية أمل زعتور (٣٦ عاماً) تقول أن ”عمالة الأطفال تقتل الطفولة ويترتب عليها أضراراً نفسية وجسدية خاصة إذا عمل الطفل في مجالات لا تناسب حجمه وقدراته كالعمل على آلات ثقيلة أو استخدام وسائل حادة“.

وتشير إلى أن الأضرار النفسية التي تؤثرعلى الأطفال العاملين المتمثلة بخسارتهم لطفولتهم والعيش في حاجة وحرمان وتعب واستغلال وغياب الاستقرار والأمان.

وأوضحت أن عمل الأطفال ووجودهم دائماً في الشوارع يجعلهم على تماس مباشر مع الإنحراف والجنوح والانخراط بأعمال لا تتناسب وأعمارهم الصغيرة، مايسبب لهم إصابة أو إعاقة أو ربما يفضي إلى الموت المحتم، وسط الغياب الكلي لإيجاد الحلول أو الوقوف على حل مشاكل هؤلاء الأطفال المادية، والعمل على إعادتهم إلى مدارسهم واستقرارهم في بيئات آمنة.

ومع تدهور الأوضاع الإنسانية والتعليمية في إدلب وشمال غرب سوريا بعد مضي أحد عشر عاماً على الحرب، تسرب مئات الأطفال من المدارس وانخرطوا في الأسواق والشوارع والعمل في مهن لا تخلو من الخطورة، بحثاً عما يسد رمقهم ويساعد أهلهم على تحمل أعباء الحياة التي باتت مثقلة وخاصة مع غياب المعيل والداعم.

وتُعرّف الأمم المتحدة عمالة الأطفال بأنها أعمال تضع عبئاً ثقيلًا على الأطفال وتعرض حياتهم للخطر، وتعتبر ذلك انتهاكًا للقانون الدولي والتشريعات الوطنية، فهي إما تحرم الأطفال من التعليم وإما تتطلب منهم تحمل العبء المزدوج المتمثل في الدراسة والعمل في آنٍ واحد.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا