تدريباتنا

هل تخرج إيران من إعمار سوريا؟

بواسطة | أغسطس 9, 2018

منذ بداية الأزمة في سورية لم يلق التواجد الإيراني في سورية ترحيباً دولياً، بعكس التواجد الروسي والذي أخذ شرعية دولية مبطنة.

ومع تصاعد التوترات الدولية تجاه طهران نتيجة برنامجها النووي ومشاريعها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، يبقى لملف تواجدها العسكري في سورية شأنه الخاص من خلال طريقة معالجته الشائكة والصعبة حيث تتعرض طهران لاستهداف مواقعها العسكرية من قبل الكيان الصهيوني بهدف إخراجها من سورية.

خلال سنوات الحرب دفعت إيران ثمن تواجدها في سورية، حيث تعرضت مواقعها العسكرية للقصف من قبل الاحتلال الإسرائيلي عدا عن الخسائر البشرية لعدد من قادتها والمستشارين العسكريين الذين تواجدوا في سورية، ومع تغير الموازين في الحرب السورية واستعادة الدولة السورية قبضتها على العديد من المناطق بدأت ملامح التوترات الدولية تتصاعد وتنكشف وبدأت المطالبات الدولية بخروج القوات الأجنبية من سورية بمن فيها القوات الإيرانية وحزب الله اللبناني.

مطلب خروج إيران والقوات العسكرية التابعة لها بدأ يأخذ حيز التنفيذ من قبل الدول غير الراغبة بتواجدها على الأرض السورية على قائمة هذه الدول “الكيان الصهيوني – إسرائيل” والتي مازالت تعقد الاجتماعات والمباحثات وتشن الهجمات الصاروخية لإخراج إيران من سورية، الأمر الذي يوضح بأن السياسة الغربية تجاه سورية لم تعد تهتم للوضع السياسي الداخلي بقدر اهتمامها بإخراج إيران من سورية، الأمر الذي يجعل مسار الحل السياسي وإنجاح أي مفاوضات مستقبلية رهن خروج إيران من سورية.

بالمقابل يدرك الجميع أن خروج إيران عسكرياً من سورية لن يكون مجانياً وإنما ستقابله مساعي إيرانية للحصول على مشاريع اقتصادية استثمارية في سورية لكن يبدو أن هذه المساعي الاقتصادية بحاجة لموافقة روسية – سورية كي تؤتي ثمارها بالنسبة لطهران.

فمنذ إعلان روسيا ضرورة إخراج القوات الإيرانية من سورية تغيرت طريقة التعاطي السورية مع طهران وقواتها المتواجدة في سورية الأمر الذي دفع بالنظام الإيراني للتصعيد إعلامياً من خلال تصريحات أطلقها علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي للشؤون الدولية في المحاضرةِ التي ألقاها خلالَ ملتقى “فالداي” للحوار في موسكو حيث قال: “حكومة (الرئيس) بشار الأسد كانت ستسقُط خلالَ أسابيع لولا مساعدة إيران، ولو لم تكن إيران موجودة لكانت سورية والعراق تحت سيطرة أبو بكر البغدادي.”

هذه التصريحات دفعت بالحكومة السورية للرد عليها عبر مقال نشر في جريدة الوطن السورية “الخاصة” المؤيدة للدولة السورية والتي هاجمت تصريحات ولايتي بالقول “عذراً علي أكبر ولايتي. كان ليَسقط العالم وسورية لن تسقط” بإشارة إلى أن هذه التصريحات لا تليق بالحلفاء الأصدقاء.  

يؤكد هذا التصعيد بأن طريقة التعاطي مع إيران في الداخل السوري بدأت تأخذ منحى آخر وبدأ غالبية السوريين يتحدثون بلهجة الرافض للتواجد الإيراني وتفضيل التواجد الروسي عليه لعدة أسباب من ضمنها المشروع الديني الفارسي في المنطقة.

هذه المتغيرات تجعل من مسألة إعادة إعمار سورية مفصلاً هاماً وحرجاً للدولة السورية التي يتوجب عليها الحفاظ على حلفائها لمساعدتها في عملية إعادة الإعمار، خاصة وأن المجتمع الدولي ومعه المساهمين والمانحين والمؤسسات المالية والنقدية الدولية لن يشاركوا في إعادة الإعمار دون الوصول إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف.

وبين الإحجام الغربي، والرغبة السورية الحكومية بالبدء بإعادة الإعمار، متمثلة بدعوة الرئيس الأسد إيران للمشاركة الفاعلة، ورغبة المسؤولين السوريين في مساهمة إيران بمرحلة إعادة الإعمار، تجد إيران الفرصة مواتية للدخول والإعلان عن نيتها المشاركة في إعادة إعمار سورية، لكن يبدو أن هذه المشاركة  ستواجه عوائق عديدة منها مسألة الموافقة الروسية على المشاريع الاقتصادية التي يمكن لإيران الاستثمار فيها، إضافة لذلك عدم وجود جدية واضحة من الدولة السورية لتنفيذ أي مشروع استثماري إيراني في سورية خاصة وأنه لغاية اليوم لم تبدأ طهران بتنفيذ أي مشروع اقتصادي لها في سورية وأهم تلك المشاريع التي مازالت عالقة:

مشروع المشغل الخليوي الثالث والذي حصلت عليه إيران قبل نحو ثلاث سنوات باعتباره من أهم المشاريع الضخمة ذات الجدوى الاقتصادية ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي وصولاً إلى إلغاء الحديث عنه بالكامل.

وكذلك قبل مدة قصيرة تداولت وسائل الإعلام خبراً يتحدث عن الاتفاق مع إيران لتنفيذ قطار الضواحي في دمشق، وهو مشروع يعلم الغالبية أنه لا يمكن تنفيذه، نظراً لأن المخطط التنظيمي لمدينة دمشق، لم يلحظ منذ البداية هذا المشروع.

ورغم محاولات طهران الاستفادة من القوانين والمشاريع التي تطرحها الدولة السورية ورغبتها لترسيخ أذرعها الاقتصادية في سورية إلا أن الوقائع مازالت غير واضحة حيث تحاول إيران الاستفادة من المرسوم رقم ١٠ لعام ٢٠١٨ الذي يجيز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية، من خلال توظيف البيئة التشريعية والقانونية المتجددة، واستثمار رغبة الدولة السورية في إفساح المجال للإيرانيين للمشاركة في إعادة الإعمار، تحاول إيران مثل أي دولة أن يكون لها مناطق نفوذ، في سورية وموضوع إعادة الإعمار، هو أحد المداخل بالنسبة لها لكي تدخل وتضمن نفوذها لكن يبقى العائق الذي قد يمنع إيران من المشاركة بمشاريع التطوير العقاري العقوبات الأمريكية الأخيرة التي اضرت كثيراً بالاقتصاد الإيراني.

حتى الآن لم تشهد أي منطقة في سورية أخليت من المعارضة عمليات إعادة إعمار، سواء في المناطق الواقعة بريف دمشق، أو حمص، أو شرق مدينة حلب، وما يحدث الآن بعد سيطرة الدولة السورية عليها، هو مرحلة إعداد وتخطيط، وشراء بيوت مدمرة ومتضررة من قبل جمعيات محلية منها إيرانية بدأت تظهر على الساحة بهدف إعادة إعمارها.

فقد افتتحت منظمة “جهاد البناء” الإيرانية التي تقدم مساعدات في مجال إعادة الإعمار في المناطق المدمرة التي يعيد النظام سيطرته عليها، مكتباً في مدينة البوكمال شرق البلاد بعد سيطرة الدولة السورية على المدينة وتسعى المنظمة لشراء المنازل والبدء بمشاريع إعادة إعمارها والقيام بمشاريع أخرى.

على المقلب الآخر تبقى عملية إعادة إعمار سورية بالنسبة لروسيا والصين مختلفة عن آلية التعاطي مع إيران خاصة وأنّ الصين ربما تكون بالمرتبة الأولى كدولة تشارك في إعادة الإعمار، وتبقى روسيا اللاعب الأساسي في عملية إعادة إعمار سورية وتوزيع المشاريع على الدول الراغبة بمشاركتها وفق رغبتها السياسية والاقتصادية ما يجعل الحضور السياسي والعسكري والاقتصادي لطهران في سورية رهن الموافقة الدولية أولاً ومن ثم الموافقة الروسية-السورية ثانياً.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا