تدريباتنا

!هل يتيتّم سوريو ألمانيا برحيل ماما ميركل

بواسطة | ديسمبر 6, 2018

“ستؤثر استقالة ميركل علينا طبعاً، خاصة أن قضية اللاجئين هي أحد أسباب الاستقالة، أتخوف من السياسيّ الذي سيأتي بعدها والقرارات الجديدة التي قد يتخدها بحقنا نحن اللاجئين”، تقول المصورة السورية رنا سليم والتي تقيم في ألمانيا منذ ثلاث سنوات، مضيفةً “وازدادت مخاوفي مع الإشاعات الكبيرة حول مشروع إعادة اللاجئين إلى سوريا، والتي جاءت بعد أن أشاع النظام السوري إلغاء طلب الشباب لخدمة العلم الاحتياطية، إضافة لترويجه بأن دمشق أصبحت عاصمة آمنة، وصالحة للعيش.”

ورنا كما آلاف السوريين في ألمانيا، لا ترى في المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مجرد شخصية سياسية عابرة، بل “أما حنون” لم تخف تعاطفها الكبير مع اللاجئين ودعمها لهم في شتى مجالات الحياة، ولهذا فإن إعلانها لعدم نيتها الترشح لرئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي من جديد، سيترك مئات آلاف اللاجئين السوريين في مهب رياح التغيير.

وأعلنت ميركل عدم نيتها للترشح بعد ثمانية عشرة عاماً أمضتها في هذا المنصب، فيما ذكرت مصادر في الحزب أنها لن تترشح أيضاً لانتخابات البونستاغ الألماني (البرلمان الاتحادي) المقبلة التي ستجري عام ٢٠٢١.

لا تشارك آلاء المقيمة في ألمانيا منذ ثلاث سنوات وتعمل كمحاسبة رنا قلقها، فهي تقول “لا يوجد لدي أي تخوف من السياسي الذي سيأتي بعد ميركل لأن ألمانيا بلد قانون، وبالنسبة لاستقالة ميركل فالخبر متوقّع، لأن الرأي العام الألماني أصبح ضدها في الفترة الأخيرة، بالطبع هي كانت إيجابية بتعاطيها مع قضايا اللاجئين لكنها لم تكن حكيمة بما فيه الكفاية، لأنها واقفت على دخول عدد كبير من اللاجئين الذين لا يحملون شهادات علمية، أو أولئك الذين لم يتم التأكد من سلوكهم وملفاتهم الأمنية.”

يتفق الشاب شام سيروان والذي يعمل في مجال إصلاح الأجهزة الالكترونية مع رنا فهو يرى أن استقالة ميركل “أمر طبيعي، فالزعماء في البلدان الأوروبية لا يبقون إلى الأبد عكس نظرائهم في الدول العربية” مضيفاً ” الشيء غير الطبيعي برأيي أن نعتقد أنّ الحال سيسوء بعد رحيلها، فهي اتبعت سياسة فاشلة بما يتعلق باللجوء، وحتى لو استلم الحزب البديل النازي زمام الأمور، لا أتوقع أن يتغير شيء بوضع اللاجئين سوى أن تزيد الكراهية تجاههم وتصبح علنية، أما بالنسبة لموضوع الحقوق والواجبات فستبقى كما هي لأن ألمانيا بلد قانون يحترم دستوره.”

وقدر “مكتب الإحصاء الاتحادي” خلال شهر أبريل/نيسان من العام الحالي، عدد السوريين من غير الحاملين للجنسية الألمانية في عام ٢٠١٧ بحوالي ٦٩٩ ألف شخص، ليصبحوا بذلك ثالث أكبر جالية أجنبية في البلاد بعد الأتراك والبولنديين، حسب ما نقلت صحيفة “دي فيلت” الألمانية.

وحول تخوّف بعض اللاجئين السوريين في ألمانيا من رحيل ميركل، قال الصحفي محمد وانلي “لا أحد يستطيع إنكار أن ميركل كانت إنسانية جداً بقراراتها حيال اللاجئين السوريين، ولكن بالنهاية هناك حكومة كاملة خلفها تخطط لهذه القرارات وتشرف عليها وتنفذها، وبالتالي لا نستطيع أن ننسب الفضل لشخصها فقط، وهي كانت تعمل لمصلحة بلادها بالدرجة الأولى.”

وعن تأثير رحيل ميركل على السوريين أضاف وانلي “منذ أيام قمت ومجموعة من الصحفيين السوريين بزيارة لمجلس الشعب الألماني، الجميع طمأننا أنه لا يوجد داعي للخوف، لأن الحزب هو الذي يحكم وليس ميركل، وبالتالي لن تختلف الأمور كثيراً، وفي الوقت نفسه من المستحيل أن ينجح اليمين المتطرف بالانتخابات المقبلة لأنه بالأساس مرفوض من الشعب الألماني.”

من جهته يشير المختص بشؤون اللاجئين الحقوقي السوري كاظم هنداوي أن ميركل لعبت دوراً إيجابياً لاشك في ملف اللاجئين، ولكن ذلك كان بناءً على اتفاقات دولية مُسبقة، فاتفاقية جنيف لحقوق الإنسان عام ١٩٥٢ دعت لاستقبال الفارّين من الحروب، وإعطاء اللجوء لمستحقيه. ويقول هنداوي “يجب التوضيح أن ميركل لعبت دوراً بتحسين أوضاع اللاجئين وليس استقبالهم، فالمستشارة فتحت لهم الأبواب أكثر في مجال تعلّم اللغة ودخول سوق العمل، وساعدتهم على نيل امتيازات عديدة، ودعت دائماً لتسهيل أمور حياتهم وعملية اندماجهم بالمجتمع الجديد.”

وعن تأثير ابتعادها عن المشهد السياسي يضيف هنداوي “في حال كانت الحكومة المقبلة أكثر صرامة، فمن الممكن أن تحرم اللاجئين مثلاً من إكمال دراستهم، أو تضيّق عليهم في سوق العمل، ولكن من المستحيل اتخاذ أي إجراء يتعلق بترحيلهم وخاصة أن الوضع في سوريا لازال على ما هو عليه، أي أنّ بشار الأسد بقي في السلطة، ولازالت الإجراءات الأمنية التعسفية قائمة.”

وكانت المستشارة خلال مراهقتها، الطالبة الأولى على مدرستها وكانت ترغب في أن تصبح معلّمة، لكن هذا الحلم تبدد بعدما اعتبرت الحكومة الشيوعية أسرتها مشتبهاً بها، لذلك فقد درست الفيزياء في ألمانيا الشرقية الشيوعية، وعملت خلال تلك الفترة كنادلة في حانة.

ودخلت ميركل، معترك السياسة عام ١٩٨٩، بعد سقوط جدار برلين، الذي كان يفصل بين ألمانيا الشرقية، وألمانيا الغربية، فأصبحت متحدثة باسم آخر حكومة في ألمانيا الشرقية، وارتقت في المسؤوليات السياسية لتصل إلى منصب زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي في عام ٢٠٠٠ ، لتصبح عام ٢٠٠٥، أول امرأة تتولى منصب المستشارة الألمانية.

وأطلقت الصحف والمجلات العديد من الألقاب على المستشارة الألمانية منها “السيدة الحديدية”، لمواقفها الصارمة ومنهجها العلمي الجاف مقارنة بالعمل السياسي التقليدي، بينما أطلق عليها الألمان واللاجئون لقب “الأم”، لما يجدون فيها من تعاطف حقيقي مع أوضاعهم.

وصنفتها مجلة فوربس الأمريكية أقوى امرأة في العالم نظرا لبقائها في الحكم مدة طويلة ولنجاحها الاقتصادي الباهر وصمود ألمانيا أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أصابت أغلب دول أوروبا بالركود، وكادت أن تودي بأخرى إلى الإفلاس.

ويذكر أن ميركل احتفظت بلقب زوجها الأول، أولريخ ميركل، الذي انفصلت عنه عام ١٩٨١، وهي متزوجة حاليا من جواكيم ساور، وتشترك معه في هوايتها الوحيدة وهي الشعر الغنائي، كما أنها حاذقة في الطبخ، وشغوفة بمشاهدة مباريات كرة القدم، ولكن اليوم وبعد قرارها النهائي بالرحيل، ترى بملعب من ستكون الكرة، وهل سيكون خلفها هدافاً محترفاً؟

مواضيع ذات صلة

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

ياسين الحافظ كاتبٌ ومفكر سياسي سوري من الطراز الرفيع، يعدُّ من المؤسسين والمنظرين للتجربة الحزبية العربية. اشترك في العديد من الأحزاب القومية واليسارية، ويعدُّ الحافظ في طليعة المفكرين التقدميين في العالم العربي، اتسم فكره بالواقعية النقدية، تحت تأثير منشأه الجغرافي...

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

مواضيع أخرى

انتهت الحملة الأمنية في مدينة حمص ولم ينته الخوف

انتهت الحملة الأمنية في مدينة حمص ولم ينته الخوف

لا أعرف من روى نكتة أنه لو فُرض علينا حظر تجول لخرجنا نتفرج على حظر التجول! هذا ما حدث في الحي عند بدء الحملة الأمنية على بعض أحياء حمص التي وُصمت بالموالاة للتفتيش عن السلاح وفلول النظام كما قيل، إذ خرج سكان الحي ووقفوا "يتشمسون" أمام أبواب البيوت كي يراقبوا السماء...

زكريا تامر بوصلة التمرد الساخرة

زكريا تامر بوصلة التمرد الساخرة

"أكثر قصصي قسوة هي أقل قسوة من الحياة العربية المعاصرة، وأنا لا أستطيع وصف السماء بجمالها الأزرق متناسياً ما يجري تحت تلك السماء من مآس ومجازر ومهازل.. صدّقني الأسطورة أصبحت أكثر تصديقاً من واقعنا المرير" بهذا التوصيف العاصف يلخص الكاتب السوري زكريا تامر (1931) تجربته...

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

تدريباتنا