تدريباتنا

وهم خفض الدولار إلى ٢٠٠ ليرة

بواسطة | سبتمبر 17, 2018

أكد حاكم مصرف سوريا المركزي، دريد درغام، أن المركزي قادر على خفض سعر صرف العملة الأمريكية لتصل إلى ٢٠٠ ليرة، وذلك من نحو ٤٥٠ ليرة للدولار حاليًا في الأسواق، وذلك خلال حديثه لأعضاء غرفة تجارة حلب، بحسب ما تناقلته العديد من المواقع المحسوبة على النظام، منها بزنس تو بزنس سورية، لاحقاً فسر درغام سبب عدم التخفيض بقوله  “لن أسمح لهؤلاء بمضاعفة القوة المالية الضاربة لديهم مرتين، ومهما كبر عددهم أم صغر، ولا يجوز لأغنياء الحرب الذين بات يملك أحدهم ١٠٠ مليون ليرة أن أمنحه هدية ١٠٠ مليون ليرة أخرى بقرار منّا.”

إذًا يحاول حاكم مصرف سوريا المركزي مكافحة الفساد بالآلة العسكرية، التي سبق لها وأن ابتزّت ونهبت جسد الدولة بالسياسات النقدية، متجاوزًا دور بقية المؤسسات المعنيّة بأمر أمراء الحرب؛ لكن هل يستطيع حقًّا درغام تخفيض الدولار إلى ٢٠٠ ليرة؟ للإجابة عن هذا السؤال سوف نناقش الأمر من وجهة نظر نقدية واقتصادية بحتة.

تكلفة تخفيض سعر الدولار إلى ٢٠٠ ليرة

بحسب المسح النقدي المنشور على موقع البنك المركزي لعام ٢٠١١، فإنّ نسب النقد المصدّر – أي المستخدم في التداول بين الناس- تقدّر بـ ٦٦٤ مليار ليرة، وحملة النقود هؤلاء سوف يعمدون إلى تحويل جزء من السيولة إلى دولار للادّخار، معتمدين على ذات السلوك قبل عام ٢٠١١،  تاركين باقي السيولة لقضاء الحاجات اليومية والعمل. سنعتمد على رقم الادّخار بالدولار ببيّنة قريبة من البنك المركزي؛ كونه أكثر من يجيد تحديد النسب بين العملة الوطنية والأجنبية، ففي ذات الإحصائية قدّر الاحتياطي من العملة الأجنبية (م٢) والتي تعني النقد والودائع تحت الطلب (م١)، إضافة إلى ودائع لأجَلْ بـ ٢٧.٦%، أي ٦٦٤ مليارًا. *٢٧.٦%=١٨٣ مليار دولار إذا هو الهدف الذي يسعى حاملو النقود للوصول إليه، وبما أنّ سعر الدولار ٢٠٠ ليرة حسب المركزي؛ فإنّ الناتج ٣.٣٢٠ مليارًا، أي ثلاثة مليارات وثلاثمئة وعشرون مليون دولار، والمركزي حسب آخر إحصائيات البنك الدولي لديه ٧٠٠ مليون، وهي تغطّي فقط دورة نقدية تُقدَّر بثلاثة أشهر، ولو أضفنا إليها مليار دولار حجم الائتمان الإيراني، متجاهلين أنّ هذا الائتمان ليس سيولةً نقدية، هذا يقود لاستنتاج أن المركزي لن يستطيع تغطية الهدف الذي يريد الوصول إليه.

التسعير الاسمي

هناك من يعتقد أنّ المركزي كونه جزءاً من النظام، وكون أحد أساليب تسعير الدولار في سورية – في ظل حكم الأسد- تتم من خلال قوة الدولة، أي بفرض تسعيرة إدارية، فإنّه سوف يلجأ إليها، لكن هذا الأمر غير ممكن الآن؛ لعدة أسباب:

١- المعابر الحدودية خارج سيطرة النظام؛ وبالتالي فإنّ إحكام القبضة على التجارة -التي هي أهمّ مستهلك للدولار- يقبع خارج سيطرة النظام.

٢- توقّف الصناعة والزراعة، وهما اللتان تُنتِجان الدولار؛ وبالتالي لايمكن للمركزي تعويض أيّ دولار ينفقه في السوق، لتخفيض سعره.

٣- ضريبة الانتصار، فمع سيطرة النظام على مناطق المعارضة، ستتوقَّف تلك الجزر التي كانت تتلقى مساعدات مالية دولية ضخمة؛ للبقاء على قيد الحياة، والتي كانت مورد المركزي الرئيس للدولار، وخاصة أنّ جزر المعارضة كانت مضطرة للتعامل مع النظام لأجل تأمين المواد الغذائية التي كانت تُباع بأراقام خرافية، والتي كانت في النهاية تصبُّ في البنك المركزي. أي أنّ خيار التسعير الإداري في هذه الظروف غير فعّال في تسعير الدولار.

التحويلات الخارجية

تقدر التحويلات الخارجية بِـ ٦.٥مليون دولار يوميًّا، أيْ ٢.٣٧ مليار دولار سنويًّا، وهذا الرقم يساعد في الوصول إلى الهدف، لكن إذا تمعَّنّا في تركيبة الدول التي تُحوَّل منها النقود إلى سورية نجد أنّها مناوئة لنظام “الأسد”، وأنّها وضعت قيودًا كثيرة على التحويلات، وخاصة بعد سقوط مناطق المعارضة. وهذه الدول تُجرِّم التعامل مع النظام؛ بسبب العقوبات الاقتصادية، كما أنّ الكثير من السكان الذي يتلقّون المساعدت قد انتقلوا إلى مناطق خارج سيطرة النظام، وهذه المناطق بدأت تجرِّم التعامل مع النظام، كما حدث في إدلب، وريف حماة، من منع إدخال المواد التجارية من مناطق النظام -حسب المنشور الصادر من حكومة المؤقتة للمعارضة- وبالتالي فإنّ هذا الخيار يتوجب إعادة تقييمه كمساهم لتخفيض سعر الدولار؛ لعدم القدرة على تنفيذه على أرض الواقع.

إشكاليات التسعير

فرضياً، إذا نجح النظام في تسعير الدولار بِـ ٢٠٠ ليرة إداريًّا؛ لتلافي دفعه ٣.٣٢٠ مليار دولار التي تكلمنا عنها آنفًا، فإنّ هذا يعني إعادة تسعير جميع المنتجات على أساس سعر الدولار الجديد، وهنا تكون الخسارة الأولى، أما الخسارة الثانية هي أنّ التجّار بحاجة دولار تعويضي لشراء السلع، تعويضًا على ما تم بيعه، إضافة إلى زيادة الطلب مع تحسُّن مستوى الدولار.

ولو افترضنا أنّ نسبة ارتفاع الطلب تقابل نصف نسبة التحسُّن في سعر الدولار، فإنّنا نتكلم عن مليار دولار، وهي في معظمها غير مستردة؛ لعدم وجود تصدير من ناحية، وبسبب إنهاء تواجد جزر المعارضة وصعوبات التحويل من ناحية ثانية، وهنا سيبدأ التضخم المتوحش الذي سيلتهم ما تبقى من الاقتصاد السوري؛ بسبب التحسًّن بالليرة السورية بشكلٍ كبير، ودفعة واحدة.

كما أنّ هناك مشكلة أخرى تكمن في الموازنة العامة للدولة – بشقّيها: الإنفاقي، والاستثماري- فإنّ تحسُّن الليرة السورية يجعلها ملزمة بإنفاق الموازنة كلها، مما يعني طلب مزيد من الدولارات؛ كون كل شي في سورية الآن مستورداً، وخاصة الإنفاق الاستثماريّ. وبما أنّنا نتكلم عن الإنفاق الاستثماري فإنّ تحسُّن سعر صرف الليرة سيدفع الناس إلى الاستثمار في العقارات، والبنيان الذي يشهد ارتفاعًا، أو افتتاح مشاريع تجارية، وصناعية، وكلّها تحتاج إلى دولارات كثيرة قبل الإنتاج، فهل المركزي يملك تلك الدولارات؟!

الأسد يشتري الليرة السورية

فيما لو أنّ الأسد ورجالاته الاقتصاديين هم من طرحوا سعر صرف الدولار وفق خطّة أمنية لا تسمح للمواطن بالادّخار، فإن المشكلة تبقى في سعر السلع؛ لأنّه ليس من المعقول أن ينخفض سعر الدولار في السوق بينما تُسعَّر البضائع والمواد على أساس السعر قبل التخفيض!

حتّى الذهب، سينعكس عليه هذا الأمر، وينخفض سعره؛ كونه مقيَّماً بالدولار؛ وبالتالي سيزيد الطلب عليه، ونحن لا ننسى أنّ الناس في مناطق المعارضة تملك كمية ضخمة من الأموال، وأنّها سوف تتجه إلى الذهب، والعقارات.

كل هذه العوامل توصلنا في النتيجة إلى أن طرح دريد ضرغام ليس واقعيًّا، على العكس، إن له  أثرًا تدميريًّا؛ فهو يُفقِد الثقة في مؤسسة تُعتبر أحد المعايير التي يلجأ إليها المستثمرون لتقييم عملية إعادة إعمار سورية. وهو يحاول الإيحاء للتجار أنّ البنك المركزي يملك احتياطياً كبيراً، يملك حرية التصرف فيه، معيدًا سيرة فساده السابق في المصرف التجاري، وقضية تمويل معامل الخيط وغيره لشركاته على حساب تجّار آخرين.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

السوريون يحتفلون بسقوط الأسد لكنّ المشهد العام لا يدعو إلى التفاؤل

السوريون يحتفلون بسقوط الأسد لكنّ المشهد العام لا يدعو إلى التفاؤل

(مقابلة  تلفزيونية مع بسام حداد على: Democracy Now!) ترجمة وتحرير: أسامة إسبر إيمي غودمان: نواصلُ تغطية سقوط نظام عائلة الأسد في سوريا بعد أكثر من نصف قرن من الدكتاتورية الوحشية، وذلك في أعقاب التقدم السريع للمقاتلين...

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

تدريباتنا