تدريباتنا

يزيديّة منطقة عفرين وجبل سمعان في كتاب روجيه ليسكو 1936م

بواسطة | أغسطس 13, 2019

اهتم المستشرق والباحث والدبلوماسي الفرنسي روجيه ليسكو(1914-1975م) بالآداب الشرقية، وبشكل خاص الأدب الفارسي والأدب الكردي. جمع الكثير من القصص والمرويات الشفاهية الكردية ونشرها، كما كان له إسهامٌ كبير في كتابة قواعد اللغة الكردية مع المثقف الكردي المعروف جلادت بدرخان، من خلال مؤلفهما الشهير «قواعد اللغة الكردية، اللهجة الكرمانجية» بالفرنسية، والذي ترجم إلى العربية أيضاً.

في كتابه الصادر بالفرنسية عام 1938، والمترجم للعربية بعنوان «اليزيدية في سورية وجبل سنجار» (دار المدى، ترجمة أحمد حسن، ط1 2007)، يستند المؤلف إلى رحلة ميدانية بحثية قام بها عام 1936 إلى الجزيرة العليا، وإلى منطقة إعزاز وجبل سمعان ووادي عفرين. فجاء الكتاب مليئاً بالمعلومات الميدانية عن معتقدات الإيزديين وعاداتهم وتقاليدهم، خصوصاً أنه يجيد اللغة الكردية، بالإضافة إلى معلومات تاريخية تنم عن اهتمام المؤلف بالديانة الإيزيدية والكرد. كذلك له مؤلف آخر يتعلق بجبل الأكراد، عن الحركة المريدية في كرداغ.

نقتصر في هذه السطور ما تطرق إليه المؤلف الفرنسي عن إيزيدية منطقة جبل سمعان وجبل الأكراد (عفرين) كملاحظات ميدانية عيانية مهمة عن المجتمع اليزيدي الكردي في شمال غرب حلب.

يقول المؤلف إن استقرار اليزيدية في جبل سمعان قديم نسبياً، ويعيده إلى نحو سنة 1200 م، استناداً إلى أعمال المؤرخين (ابن العبري، و لامان، وشرفخان البدليسي)، ومرويات شعبية إيزيدية في المنطقة.

 يقول المؤلف: يبدو من خلال التعارض الذي يقيمه «شرف خان» / البدليسي 1543-1601م / بين يزيدية قصير أنطاكية وأكراد جومة المسلمين، أنه في القرن الثالث عشر كان هؤلاء اليزيدية يتمركزون في القسم الجنوبي من وادي عفرين على مقربة من غزاوية بينما كانت العناصر المسلمة تشمل القسم الشمالي منه.

خلال فترة ليست بقصيرة بقي يزيدية جبل سمعان مرهوبي الجانب، إذ تروي لنا «الشرفنامة» تفاصيل الصراعات الطويلة التي واجه فيها الأمير مَند[i]قبائل قصير وبعض شيوخ اليزيدية الذين كانوا يقيمون بين حماة ومرعش. وعندما حل المماليك محل الأيوبيين في أوساط القرن 13 رفض أمراء كلّس الاعتراف بهم وثاروا عليهم. وقد تم عزلهم عن الإمارة حوالي سنة 1500 م لصالح زعيم يزيدي يدعى عز الدين.

يشير المؤلف إلى ظاهرة تناقص أعداد اليزيديين الكبيرة حتى القرن الثامن عشر، بفعل تأسلم بدأ منذ زمن طويل كما يقول. واليوم، يقول المؤلف، فإن اليزيدية لا يشكلون الأغلبية سوى في تسع قرى من أصل اثنتين وعشرين قرية لا يزالون موجودين فيها. ومنذ رحلة لامان (1903) أسلَمَت ثلاث قرى، كان هذا الكاتب قد اعتبرها قرى يزيدية، وحذت حذوها ثلاث أخرى لم يأت الكاتب على ذكرها. ويقول إن المصاهرات بين اليزيدية والمسلمين كثيرة، وكانت أحد العوامل الرئيسية في التحول من اليزيدية للإسلام، خصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى.

يقول المؤلف إن السلوك اليومي ليزيدية سورية تغيّر عميقاً بسبب حالة التساهل التي يعيشونها. فمنذ أمد طويل تخلوا عن إظهار خصوصيتهم بصورة بادية للعيان. وقد تركوا لباسهم التقليدي ولم يعد هناك أي شيء في لباسهم يميزهم عن باقي أكراد المنطقة. ويقول إنه على عكس يزيدية سنجار الذين حافظوا على أصالتهم بفضل العزلة التي يعيشون فيها، فإن يزيدية جبل سمعان قلّما يتميزون عن بقية فلاحي المنطقة. ورغم أنه لم يمض وقت طويل على تحضرهم بصورة تامة، فإنهم لا يحتفظون إلا بذكرى غامضة عن تنظيمهم القبلي السابق.

تجمع يزيدية جبل سمعان يضم نحو عشرين قرية منتشرة على نطاق واسع جداً بين الحدود التركية ودير سمعان، ومعظمها يتركز بين جبل سمعان ووادي عفرين الذي يكاد يكون يزيدياً بأكمله وحتى منعطف غزاوية. وفي الشمال ثمة أربع بلدات صغيرة هي قسطل وسنكلة وبافلون وقطمة.

في ملاحق الكتاب، وضع المؤلف وثيقة عربية تتعلق بالشيخ عدي وخليفته، وأربعة نصوص كردية حصل عليها من يزيدية جبل سمعان. وكذلك معلومات عن القرى اليزيدية وكذلك التي أسلمت حديثاً، وعن مزاراتهم الدينية.

مزارات اليزيديين:

 بارسا هانوم (قسطل) parsa hanûm، شيخ همت (قسطل)، شيخ غريب (سنكله)، بريم صادق وعبد الممان (بين مشعلة وقطمه)، جب رابي (اعزاز)، جيل خاني (قرب عرش قيبار) çêl Xanê ، ملك هادي، شيخ سفيل (قرب ترنده)، شي عبدالقادر(ترنده)،شيخ سفيل( كره باش) شيخ سعيدي(كره باش) شيخ محمد( كره باش)،شيخ عبدالرحمن بن عوفي ( كره باش)، شيخ حليف خليفة الشيخ هادي( باسوطا)، برج عبدالو، شيخ محمد( فوق غزاوية)، شيخ ركيب الشادري(الشيخ خضر) şêx rikkêbê şaderê، أبو كعب، شيخ علي (باسوفان)، شيخ بركات (على قمة الجبل الذي يحمل الاسم ذاته)، شيخ قصاب (كوندي مزن gundê mezin ) .

 بالإضافة إلى هذه المزارات، يكتب المؤلف عن مزار ككي عزيز KEKÊ EZÎZ، الذي يقع خارج المنطقة، داخل الحدود التركية في قره داغ وتحديداً في قوشطانه وبني على مغارة من ثلاث حجرات كبيرة، وعلى بعد مسيرة ساعة من هذا المزار كانت توجد مغارة أخرى مخصصة لشيخ مند، تحفظ فيها ملابسه. وفي عام 1925 عندما دمر الأتراك هذين المزارين نقلت محتوياتهما من رفات أو بقايا، سراً إلى بيت درويش آغا في سورية، وقد أصبحت هذه المحتويات ملكاً لجميل آغا.

ملاحظة: يبدو هناك تغيير في لفظ بعض مسميات القرى والمزارات، بسبب النقل من الكردية إلى الفرنسية ومن ثم ترجمتها إلى العربية، وتوخياً للدقة والمقارنة، نقتبس هذه الفقرة من كتاب « الديانة الإيـزيديـة والإيـزيديـون في شمال غرب سوريا» لمؤلفه د. محمد عبدو علي[ii]:

(المزارات التي يمكن القول بأنها خاصة الإيزيديين، فهي: 1- پارسه خاتون  Parse Xatûnê  2- شيخ حميد. وهما موجودان بجوار قرية قسطل علي جندو. 2- شيخ شرف الدين في قرية بافلون.  3- حه جه ركي  Hecerkê.  4- ملك آدي Melek Adî. 5- چيل خانه Çêlxane. وثلاثتها بجانب قرية عرشقيبار. 6- شيخ ركاب: في قرية شيح الدير. 7- شيخ سيدي: في قرية فقيران. 8- زيارة شيخ علي: في قرية باصوفان. 9- شيخ بركات: على جبل شيخ بركات. 10- زيارة پير جعفر Pîr Cefar: بجانب زيارة عبد الحنان. 11- زيارة أبو كعبة: بجانب قرية أبو كعبة. 12- زيارة منان على المرتفع المشرف على قرية كفرجنة.).

قرى اليزيديين في جبل سمعان:

قسطل: يزيدية 51 بيتاً، مسلمون :3 بيوت

سنكلة: يزيدية 20 بيتاً، ملسمون 80 بيتاً

بافلون: يزيدية: 7 بيوت

قطمة: يزيدية :25 بيتاً، مسلمون 40 بيتاً

عرشي قيبار: يزيدية 55-60 بيتاً، مسلمون: 30 بيتاً.

ترنده: يزيدية: 15 بيتاً، مسلمون: 15 بيتاً

جديدة: قرية صغيرة مؤلفة من 4 أو 5 بيوت لمزارعين يزديين.

باسوطة: يزيدية 2 بيت، مسلمون 50 بيتاً.

كيمار: يزيدية :20 بيتاً، مسلمون 20 بيتاً.

برج عبدالو: يزيدية: 20 بيتاً، مسلمون: 25 بيتاً

براد: 7-8 بيوت يزيدية متأسلمة، 15 بيتاً مسلمون من أصول مختلفة.

كفر زيت: يزيدية: 20 بيتاً

قره باش: يزيدية 30 بيتاً

غزوية: يزيدية: 15 بيتاً، مسلمون 20 بيتاً

شيخ خضر: يزيدية: 12 بيتاً، بعض المسلمين

إسكان: يزيدية: 2-3 بيوت، العديد من المسلمين

جقلان: يزيدية: 2 بيت، العديد من المسلمين

بعي: يزيدية 2 بيت، مسلمون :3 بيوت

بوسوفان: يزيدية 20 بيتاً، مسلمون 2 بيت. جميع يزيدية هذه القرية هم شيوخ من عائلة الشيخ ناسردين وعائلة الشيخ مند.

كبيشين: يزيدية 5-6 بيوت، بعض المسلمين.

فافارتين:5 عائلات يزيدية أسلمت من 5 سنوات.

كفرشين: 20 بيت، 4 بيوت يزيدية

كوندي مزن (زوق الكبير): يزيدية 25 بيتاً، مسلمون 2 بيت

باشمرة: يزيدية 4 بيوت، مسلمون 10 بيوت

برج القاس: يزيدية 10 بيوت، مسلمون بيت واحد

أخيراً: تنبأ المؤلف بانحلال اليزيدية الكامل في الإسلام، وأن إسلامهم لم يعد سوى مسألة وقت!  بيدَ أن الأيام أخطأت قراءته هذه، فمازال سكان القرى والبلدات التي سماها المؤلف في زمن رحلته، 1936م، مُحافظين على معتقداتهم وخصوصيتهم الدينية ضمن محيط اجتماعي متسامح ومندمج، من دون توترات اجتماعية على أساس الدين أو المذهب أو العشيرة، رغم الهجرة الكثيفة إلى أوربا في العقود الأخيرة. ويبدو أن موجة التحول نحو الإسلام قد توقفت منذ ذلك الحين الذي أنجز فيه المؤلف بحثه.  لكن هناك مخاوف جديّة على اليزيديين في منطقة جبل الأكراد (عفرين) بعد الاحتلال التركي وأعوانه المتمردين السوريين للمنطقة  في آذار 2018، حيث نزح غالبية اليزيديين عن ديارهم بسبب الممارسات والانتهاكات التي تعرضوا لها على يد مسلحي الفصائل السورية المعارضة العاملة بإمرة الاحتلال التركي، والاعتداءات على مزاراتهم الدينية و تحقير ديانتهم وإجبارهم على الدخول في الإسلام ، واحتُلّت بيوتهم وقراهم ومزاراتهم الدينية التي تم العبث بها وتخريبها ونُهبت من قبل الميليشيات الإسلامية المرافقة للاحتلال التركي ، فاختار السكّان اليزيديون الهجرة والنزوح من أرض آبائهم وأجدادهم و ديارهم التاريخية العريقة التي تمتد زمنياً إلى قرون مضت، ومن بقي منهم في أرضه لا يجرؤ على ممارسة معتقداته وإعلانها، تحت تهديد التكفير !

(مرفق مع المقال بعض الصور من أرشيف روجيه ليسكو، وردت في النسخة الفرنسية من كتابه ولم تدرج في الترجمة العربية)

*ينشر صالون سوريا هذه المادة بالتزامن مع مجلة الحوار، العدد 72.

هوامش

[i]– من أجل قراءة موسعة في هذا الموضوع، يراجع دراسة إمارة الأكراد المنديّة – الجنبلاطيّة في ولاية حلب  (إمارة كلّس)، في مجلة الحوار، العدد 72.

[ii]«الإيزيدية والإيزيديون- بحث تاريخي أركولوجي معمق»، د.محمد عبدو علي، الطبعة الأولى 2008.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا