تدريباتنا

آخر صيحات التكنولوجيا في سوريا … مشروع “السرقة” الذكية

بواسطة | فبراير 13, 2019

لم يوفر المسؤولون في الحكومة السورية جهداً لتمرير مشاريع وقوانين تساعدهم بالاتجار بقوت المواطنين، رغم ما يعيشونه من آثار الحرب ودمار للبنى التحتية ووضعاً اقتصادياً متردياً.

أما أحدث تلك المشاريع المبتكرة فهو “البطاقة الذكية”، التي تنفذها شركة “تكامل” الخاصة، وعبرها تستطيع الأسرة السورية الحصول على حاجاتها من المشتقات النفطية “مازوت- بنزين وقريبا الغاز”، إلا أن هذه البطاقة تحتاج لإثبات بطاقة شخصية للإصدار في الوقت الذي فقد فيه آلاف السوريين أوراقهم الثبوتية بسبب الحرب والنزوح، الأمر الذي جعلهم يواجهون صعوبة كبيرة في إصدار هذه “البطاقة الذكية”.

ومنذ الأيام الأولى لتطبيق هذا المشروع بدا أنه يسير نحو الفشل، البعض وصف المشروع على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه “ميت قبل ولادته”، خاصة في ظل افتقار سوريا للتجهيزات التي تسهل عمليات إطلاق مشروع البطاقة الذكية.

في الأيام الأولى لاستصدار البطاقة الذكية في دمشق توجه أهالي المدينة إلى مراكز شركة “تكامل” للتسجيل على البطاقة ليتمكنوا من الحصول على الخدمات بالسعر المدعوم حكومياً وعليه شهدت المراكز المستحدثة لأجل هذا الغرض ازدحاماً كبيراً.

يقول وسيم الذي حاول التقديم عليها “قطعت مسافة طويلة من جرمانا إلى مركز المدينة  لإصدار بطاقة ذكية، لكن اكتشفت حجم الغباء حينما وجهتني المسؤولة هناك لانتظار ساعات طويلة حتى تأخذ بياناتي، لكنني لم أتمكن من الانتظار لارتباطي بعمل خاص، وعندما توجهت لإحدى محطات الوقود لتعبئة سيارتي بالبنزين، أخبرني العامل بالمحطة بأن عدم امتلاكي للبطاقة سيضطرني لشراء البنزين بسعر أعلى من السعر المحدد من قبل الدولة”، ويتابع وسيم قائلاً “هنا أيقنت أن مخصصات البطاقة الذكية لن تكون كافية لحجم استهلاكي الشهري من البنزين، وبالتالي فإن هذه الآلية هي تشريع لرفع سعر لتر البنزين بمعرفة الحكومة، بحجة أن البطاقة الذكية محددة بسقف مخصصات يتناسب مع نوع الآلية التي يستخدمها كل فرد”.

وفي أحد مراكز الانتظار كان أسامة ينتظر دوره ليسجل على البطاقة بعد أن فشل سابقاً بالحصول عليها نتيجة الازدحام الكبير من المتقدمين، إلا أن لم يستطع أن ينتظر أكثر لتقل أعدادهم فالبحث عن المازوت والبنزين والغاز بالسوق السوداء أصبح هماً إضافياً، يقول أسامة: “في ظل وجود تجار الأزمات لن تنفع البطاقة الذكية في تأمين مستلزمات المواطن، لأن من صممها لم يضع في حسبانه آلية الحصول عليها بطريقة تحفظ كرامة المواطن وحقه بالحصول على أدنى متطلبات العيش”.

ولا يختلف حال أهالي العاصمة ومعاناتهم في الحصول على البطاقة الذكية عن حال أهالي بقية المدن، تقول ميادة المقيمة في مدينة حمص “من غير المنطقي تطبيق هذا المشروع في ظل عدم توفر المواد من بنزين ومازوت وغاز، فموارد البلد أصبحت شحيحة جداً” متسائلة “ما الفائدة من امتلاك بطاقة، رصيدها صفر؟!”.

وترى ميادة بأنه من الصعب الوثوق بمشاريع الحكومة وخططها المستقبلية، مازال العديد من السوريين ينتظرون حافلة تقلهم إلى أعمالهم أو تعيدهم إلى منازلهم، ويقف آخرون أمام الأفران بانتظار الحصول على ربطة خبز، وأمام مستودعات الغاز للحصول على جرة غاز وصل سعرها إلى حوالي 8000 ليرة سورية بالسوق السوداء.

المشهد ذاته يتكرر الآن أمام محطات الوقود، حيث يتجمع المئات لتعبئة خزاناتهم بالمازوت، وبلغ سعر لتر المازوت الحر 350 ليرة سورية.

من جهته يقول فداء “اعتدنا خلال سنوات الحرب على أزمات الغاز والبنزين والمازوت، وكنا على يقين أننا نعيش حرباً قاسية، لكننا تفاءلنا في مطلع العام الماضي 2018 بتصريحات المسؤولين الذين منحونا وعوداً كاذبة ووهمية بأن الوضع المعيشي سيتحسن، وكان مشروع البطاقة الذكية بارقة أمل على هذا التحسن، لكن اكتشفت من خلال تجربتي بأن هذه البطاقة تساعد على السرقة أكثر وبطريقة علنية”، ويروي فداء تجربته الشخصية عندما ذهب لملئ خزان سيارته بالوقود قائلاً “أكتشف تلاعب الكازية بالكمية التي حصلت عليها دون رقيب أو حسيب وبطريقة ذكية، حيث طلبت تعبئة (8)ليتر بنزين من محطة  وقود بطرطوس بموجب البطاقة الذكية فوصلت رسالة بأن الكمية المعبأة هي (50)ليتراً”.

التكنلوجيا السورية

تأخر دخول الإنترنت إلى سوريا قياساً بغيرها من الدول، وحتى عام 1999 لم يكن يسمح للسوريين بالاشتراك بالإنترنت، غير أن بعض مؤسسات الدولة كان لها اتصال بالإنترنت منذ عام 1997، وكان من أهم أعمالها على الإنترنت تدريب الكوادر التقنية على مراقبة واكتشاف وحجب المواقع غير المرغوبة والتي تتعارض مع سياسة الحكومة، واستمر استخدام الإنترنت لغاية مطلع عام 2000 مقتصراً على بعض المؤسسات.

ورغم تأخر سوريا عالمياً عن دخول عصر التقنية والتكنولوجيا، إلا أن ذلك لم يمنعها من السعي لإدخال وسائل تقنية تواكب تطورات العصر الراهن، لكن التوجه الأخير للدولة لإنشاء حكومة الكترونية واستخدام التقنيات الحديثة، جعل السوريين يتذمرون من سوء تنفيذ كل ما أدخلته من تقنيات عصرية هدفها خدمة السوريين.

البداية كانت عبر إدخال فكرة الصرافات الآلية لتسليم الرواتب للمواطنين عوضاً عما كان يعرف بالمحاسب أو ” المعتمد المالي”، ومنذ ذلك الحين والمواطن السوري يعيش معاناة دائمة نهاية كل شهر لاستلام راتبه الذي لا يتجاوز الـ 60 دولاراً، والسبب لايتعلق بقيمة الراتب، وإنما بالأعطال الدائمة والمتكررة للصرافات الآلية، ورغم الانتقادات الدائمة لعمل هذه الصرافات، إلا أن معضلة إصلاح أعطالها لم تحل ـوالحجة “العقوبات الاقتصادية تمنع استيراد قطع لإعادة تأهيل وصيانة الصرافات”.

إلا أن فشل الحكومة في حل هذه المعضلة، لم يمنعها من ابتكار وسائل رفاهية لخدمة المواطن، حيث بدأت الحكومة خلال السنوات الماضية فكرة “مركز خدمة المواطن” وهدفه توفير الجهد والوقت على المواطن في حال رغب بإصدار أوراق ثبوتية للالتحاق بعمل أو خدمة عسكرية أو سفر وغير ذلك، ورغم أهمية هذا المركز إلا أن انقطاع الشبكة العنكبوتية الدائم جعل الانتظار “سيد الموقف” في غالبية الأحيان، عدا عن مظاهر الفساد التي وجدت طريقها في الشبكة العنكبوتية من خلال إصدار أوراق ثبوتية بشكل مخالف للقانون أو تبعاً للمحسوبيات والواسطة، وتلقي الرشاوى لتعجيل إصدار الأوراق.

 ورغم هذا الفشل، ما تزال الحكومة مصرة على الاستمرار بتجربة التقنيات الحديثة والمعاصرة متجاهلة جميع الشكاوى والانتقادات التي تواجهها عقب كل اختراع تدخله إلى حياة المواطنين.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

مع بدء الحرب السورية تمكنت المؤسسات والمنظمات غير الربحية المندرجة تحت مظلة المجتمع المدني من إثبات وجودها وترك بصمتها على أرض الميدان، فكانت الجمعيات الخيرية والمبادرات الفردية الإنسانية أولى الجهات غير الرسمية التي استطاعت توسيع دورها على خارطة العمل وإنقاذ الفئات...

تدريباتنا