تدريباتنا

أتمنى لك شتاء دافئاً مضيئاً

بواسطة | ديسمبر 27, 2021

إذا كنتَ تريد شراء شجرة ميلاد لهذا العام، فعليك التفكير ملياً عزيزي السوري قبل الإقدام على تلك الخطوة المجازفة، لأنك بذلك تعرض عائلتك لخطر الجوع طوال أشهر.
تظهر علامات الدهشة واضحة على ملامح الشابة رنيم لدى سماعها سعر شجرة الميلاد التي وصلت إلى 550 ألف ليرة أي ما يعادل راتب موظف فئة أولى لمدة ثمانية أشهر. ينهال عليها البائع بسيل من عبارات الترغيب وميزاتها النادرة التي يتقنها البائعون عن ظهر قلب، تقول الشابة:” َساومتُ شجرة سرو بطول 210 أمتار بسعر 5500ألف نخب ممتاز ، بينما الأقل جودة بسعر 175 ألف ليرة سورية، فيما تراوحت أسعار كرات الزينة بين 1000 لغاية 3000آلاف للقطعة الواحدة، للأحجام الصغيرة، أما الحجم الكبير تصل إلى 25 ألف ليرة سورية”.
وعن سبب ارتفاع أسعار الزينة وشجرة الميلاد، يفسر أحد بائعي المحلات في باب توما وسط دمشق، لـ “صالون سوريا” :” قفزت أسعار الزينة وأشجار الميلاد خمسة أضعاف عن العام الماضي، فحينها كان الدولار الواحد يعادل 500 ليرة سورية، أما الآن فوصل إلى 3500، فالشجرة كانت تبلغ 90 ألف أما هذا العام تفوق نصف مليون، وكذلك الأمر بالنسبة للزينة وشرائط الإضاءة وسواها”، يعقب الرجل: “أنه يضطر إلى رفع أسعار بضاعته مع كل صعود للأرز والسكر والزيت، فإن لم يفعل ذلك، فكيف سيعيش” وعن نسبة الإقبال على شراء أشجار العيد هذا العام، يجيب البائع”: أجل، هناك إقبال جيد، نتوقف عن البيع بداية العام الجديد، والبضاعة المتبقية نبيعها السنة المقبلة حسب مزاج الدولار وهكذا”.

عروض مغرية
بائع آخر يقدم عروض مغرية على أشجار الميلاد في محاولة لجذب المزيد من الزبائن وسط تدهور الليرة السورية وانخفاض القدرة الشرائية، يردد الشاب على مسامع الزبائن أسعار الخصومات بالقول: “بدل 700 صارت 450 ألف، كل قطعتين زينة بـ 15 ألف، أكسب العرض”، على وقع أصوات الباعة التي تغص بشوارع سوق القصاع، تسأل جويل عن أسعار شجرة الميلاد لإشباع فضولها، تقول :”الحمد لله أنني احتفظت بشجرتي منذ عامين قبل غلاء الأسعار، كنت سأتهور وأتخلص منها لاهترائها قليلاً، لكن هذا أفضل من دفع نصف مليون”، حال ربا ليس بأفضل، فلم تتكبد أي نفقات هذا العيد، فهي ما زالت تدخر أغراض الزينة والشجرة من السنوات السابقة، تقول:” توقعت ارتفاع الأسعار، لذلك لم أفرط بها أبداً، أنزلتها من العلية ونظفتها وعادت جديدة”.
اما ميرنا، فتخلت كليا عن تقليد شراء شجرة الميلاد منذ سنوات عديدة مضت. يرجع ذلك إلى أسباب عديدة، منها، المادية والنفسية، توضح الشابة” لا نملك شجرة، ونسينا هذا الطقس منذ أكثر من أربع سنوات، قد يكون السبب نظرا لعدم وجود أطفال في المنزل، لكن لا شك في الأمر أنها أصبحت مكلفة جدا، لكن تكمن المشكلة بالجو العام المشحون والمتعب الذي ينعكس على نفسيتنا، لا أحد هنا سعيد، فالوضع الاقتصادي الخانق يؤثر على صحتنا النفسية”.

اريد عاما دافئا
فرضت سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تغيرات عميقة على ممارسة طقوس عيد الميلاد في سوريا. ففي هذا العام بهتت بهجة العيد فاحتفل السوريين في عماء مظلم وبرد قارس، ما تسببت في بث أجواء من كآبة موحشة وفرحة مقننة. توضح ربى: “لم أشعر بجو العيد، الإنارات مطفئة في الشوارع والظلام يكسو البلاد وكأنها شبح، لم أهناً بمنظر الشجرة المزينة لأن الكهرباء مقطوعة على الدوام، ظلت شجرتي قابعة في زاوية منزوية بالمنزل يلفها حبال من الضوء تنتظر رحمة التيار الكهربائي، افتقد لعيد ميلاد قبل اندلاع الحرب في سوريا”.
“تحول العيد إلى زيارة الكنيسة وأداء واجب الصلاة فقط”، هكذا أصبح العيد بالنسبة لعائلة أم فادي، فيما صار إعداد الحلويات وشراء الشجرة وتزيينها ضمن اللائحة السوداء، تقول” هذا العام الثاني على التوالي، لا أقوم بإعداد البيض الخاص بالعيد والحلويات الآخرى، أصبح في عداد النسيان، كيف سأصنع الحلوى والكهرباء تأتي ساعتين في اليوم الواحد”.
تختصر أم فارس أمنياتها في عيد الميلاد لهذا العام بأن ” تتنعم بالكهرباء والدفء، بينما الأحلام الكبيرة وضعتها على الرف جانباً”، تعقب السيدة الخمسينية: “بدي كهرباء لأقدر شوف قدامي، ومازوت لدفي عظامي”، هذه الأمنية يتشاركها معظم السوريين الذين تحولت أحلامهم إلى كيفية تأمين سبل العيش وتحصيل رزقهم، بينما يبقى حلم السفر خيار وحيد للخلاص والنجاة من الحياة في بلادهم، تعبر الشابة فرح عن أمنيتها الملحة بالسفر” هو طوق النجاة لي، بت أفكر في مواعيد وصل الكهرباء بدل مواعيد امتحانات الجامعة، أرتب مواقيت استحمامي ودراستي على إيقاع التيار الكهربائي”.
تنشر سوزان على أحد مجموعات التواصل الاجتماعي على “فيسبوك” منشوراً تبحث فيه عن شجرة ميلاد مستعملة بسعر مقبول لا يتجاوز 100 ألف ليرة سورية، تقول الشابة لـ “صالون سوريا”: ” لا أملك المال لشراء جديدة، وفي الوقت ذاته لا أريد أن أتخلى عن فكرة الشجرة التي هي تجسد فرحة العيد ، لذلك فكرت بنشر إعلان لشراء واحدة مستعملة، أرسل العديد لي صورا مرفقة بالأسعار وسأختار منها ما يناسب ميزانيتي”، يتبادل أعضاء المجموعة أسعار الأشجار المتداولة في السوق التي وصلت إلى المليون ليرة سورية، تعلق إحداهن على ذلك بالقول:” أفضل قطع عدة أغصان من شجرة الصنوبر في قريتي على أن أدفع هكذا مبلغ”.

مواضيع ذات صلة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

تعرّض زكي الأرسوزي (1899-1968 م) لإهمال كبير، ولم يُكَرَّس في الأدبيات الفلسفيّة العربيّة إلا على نحوٍ عَرَضيّ، بصفته أحد دعاة الفكر القوميّ، ومؤسِّس فكرة حزب البعث العربيّ، التي أخذها ميشيل عفلق منه وحوّلها إلى تنظيم سياسيّ فاعل في سوريا، وتلاشى ذكر الأرسوزي مع تلاشي...

مواضيع أخرى

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

لا يختلف اثنان أنّ الدراما السورية أحدثت فارقاً وصنعت بريقاً أخاذاً في فترةٍ ذهبيةٍ امتدت ما بين عامي 2000 و2010. وتحديداً ما بين مسلسل الزير سالم الذي أخرجه الراحل حاتم علي ووضع فيه الراحل ممدوح عدوان عصارة ما يمكن لكاتب المجيء به نصاً وحواراً وأحداثاً ليجعل منه...

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

أهتم كثيراً بمتابعة الدراما العربية، خاصة السورية، وثمة مسلسلات سورية لامست أوجاع السوريين وما يتعرض له الشعب السوري مثل مسلسل غزلان في غابة من الذئاب للمخرجة المبدعة رشا شربتجي. هذا المسلسل أثلج قلوب السوريين كلهم لأنه حكى بصدق وشجاعة ونزاهة عن أحد كبار المسؤولين...

الأمهات في سورية: عيد ناقص

الأمهات في سورية: عيد ناقص

غدت الأمومة في سورية مهمة قاسية ومثقلة بالهموم واكتسبت أوجهاً كثيرة، إذ انتزعت الحرب دور "الأم" الأولي المناط بالعطاء والتربية والمساند المادي الثانوي، وبدأت كثير من الأمهات يلعبن دور المعيل الأساسي ومصدر الدخل الوحيد لتحمل نفقات الأسرة في ظل غياب قسري أو اختياري...

تدريباتنا