أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
” الحرب تحررنا من الوهم”
فرويد
أحد عشر عاماً من الحرب، إنها حقبة زمنية، كفيلة بأن تفرض سلوكاً وأخلاقاً وثقافة جديدة على الكائنات التي تعيش على تماس مباشر مع الحرب وما يتمخض عنها، أي الإنسان داخل سورية بشكل خاص. مع التأكيد على أن جيلاً من شباب اليوم قد شبَّ مع الحرب، هؤلاء يطلقون عليهم شعبياً صفة: “أولاد الحرب” لهؤلاء سلوك خاص ونمط حياة يختلف عن المألوف.
بعد كلِّ هذه السنوات من الدمار المادي والنفسي، والهجرة الخارجية والداخلية، تشكلت في المدن الكبرى تجمعات من المهاجرين الذين جعلتهم القرابة واللهجة والزي والثقافة البيئية يكونون شكلاً من أشكال )الغيتو (المغلق أو المندمج نسبياً في أحياء فقيرة في المدن و حول المدن.
في السنوات الأخيرة، أي منذ قرابة الثلاث سنوات تراجع الحديث عن جبهات القتال ونقاط التماس حتى صار قسم كبير من الناس يكاد لا يبالي بها، ولا بما يجري من معارك أحياناً في شمال سوريا أو مناوشات في الجنوب السوري. ربما اعتاد الناس هذا الإيقاع الإخباري الممل الذي لا يحمل أي جديد، إنها المراوحة في المكان التي لم تعد تستحق عندهم حتى أن يلتفتوا إليها، وكأن الحرب قد استقرت على ما هي عليه، وما حدث قد حدث، ومن المفارقات أن النتائج الكارثية التي ترتبت عن الحرب، تمَّ القبول بها على انها أمر اعتدنا عليه، فانقطاع الكهرباء الطويل، قال لي أحد سكان دمشق عنه: لو أنهم ينظمون الانقطاع حتى نعرف أن نتكيف مع هذا الانقطاع. حتى غلاء الأسعار والفساد الإداري يريد قسم كبير من الناس أن تتدخل المؤسسات الحكومية لوضع ضوابط له، أو بالأحرى يريدون أن يشعروا أن الدولة تحسُّ بهم حتى ولو لم تفعل لهم شيئاً نافعاً، حتى بات يُخشى أن يكون كل هذا الخراب، والسلوك الغريزي المنفلت أصبح أمرا مألوفاً يمكن المساكنة معه وقبول مساوئه!
لقد كشفت سنوات الحرب عيوباً كثيرة وأوهاماً كثيرة أيضاً، وتبين أن أنشودة التناغم والانسجام الوطني لم تكن حقيقية، وسرعان ما انكشف رأس جبل الثلج وانفك عقد هذا الانسجام، ليتبين أننا داخل هذا الوطن الصغير مجموعات متنافرة متهادنة؛ طائفية ومذهبية وعرقية ومناطقية وكل شيء يذهب إلى التفتيت! ولكن لحسن الحظ أن قسماً كبيراً من السوريين، مثلهم مثل كل الشعوب، لا يحبون الحروب، ولا يحبون حمل السلاح، ولا يتأثرون كثيراً بالميديا، ولا يحبون أن يهاجروا أو يغامروا قاطعينً البحار في قوارب الموت، هؤلاء كثيرون وهم الباقون الآن في الداخل السوري تحت إدارة الحكومة، يعانون من آثار الحرب التي فتكت بأولادهم ودمرت مساكنهم وممتلكاتهم، ويعانون اليوم من الحصار الدولي الجائر واللاأخلاقي والمحكم جدا والمفروض عليهم! ويعانون من مافيات الفساد المحلية الأخطبوطية التي لا تقل فتكاً وشراسة من أطراف الحرب، ويعتقد قسم كبير من الناس أن هذه المافيات ليست فقط أنانية وجشعة تبحث عن مصالحها، بل هي مجرمة وخائنة. وهذا ما يقوله الناس العاديون في المقاهي أو حتى في أماكن عملهم وفي منازلهم.
لقد فرضت الحرب حالة استقطاب حادة جداً بين السوريين؛ مؤيد ومعارض، سوريين في الداخل وسوريين في الخارج، وسوريون تحت سيطرة الحكومة الرسمية، وسوريين تحت سيطرة المعارضين، تحت رايتين وسلطتين، وكل طرف أو فصيل من المعارضين له حلفاؤه وممولوه الإقليميون والدوليون، كما للحكومة حلفاؤها الإقليميون والدوليون! وهذا )الستاتيكو (القائم منذ سنوات، قد يستمر لسنوات! لكن ما لبث الناس في الداخل والذين يعيشون آثار الحرب والمعاناة مع الفساد ومع الحصار أن انقسموا عمودياً من الناحية الاقتصادية بين من يملكون ومن لا يملكون قوت يومهم، وتشكلت شريحة من أثرياء الحرب البطرين، والذين لا يعانون من أي حصار ولا ينقصهم شيء بل يعيشون في خيلاء، ويستهلكون أحدث وسائل الترفيه التي لا تتوفر حتى لأثرياء العالم الرأسمالي!
وهناك شريحة أخرى من المواطنين الذين يتلقون التحويلات الخارجية التي تصلهم من أولادهم أو أقاربهم، هؤلاء يترفهون وينعمون بنمط من الاستهلاك والوفرة التي تزداد نهماً كنوع من غريزة الحياة في مواجهة غريزة الموت. ولكن القسم الأعظم من السوريين، لا يصلهم تحويلات من الخارج ولا من الداخل، ولا يملكون شيئاً ويعيشون في أقصى حالات البؤس والحرمان والقهر، ويبدو أن الدولة التي يلوذون بها وكانت تشكل لهم أملاً وحماية لم تعد قادرة على القيام بواجبها حيالهم وتبدو وكأنها تتخلى عنهم، وهي بالكاد توفر لبعض العاملين والمتقاعدين الحد الأدنى من المعاش الذي لا يصمد البتة أمام انهيار العملة الوطنية والفساد وغلاء الأسعار اليومي الذي يشمل كل المواد وارتفاع ضرائب الخدمات الضئيلة!
الدولار، أو “مارس” إله الحرب الجديد والمتجدد! هو أكثر ما يحسّ به السوريون اليوم، هذا الوثن الجديد الذي منعت الحكومة الحديث فيه والتداول العلني به، إلا أنه أقوى من كلِّ منع. إنه أكثر حضوراً من أي شيء، يتحدث به الناس اليوم بالجد وبالهزل، من التاجر الكبير إلى أصغر حانوتي في أبعد قرية! لقد دخلت هذه اللفظة في لغة الحرب بقوة، وأصبحت المفردة تحمل دلالات رمزية وواقعية، وتهكماً على المنع الفاشل بالتحدث ولو لفظياً بهذه المفردة، اخترع الناس أسلوبهم المتهكم الذي راح يطلق على الدولار لغة مقنعة وبارعة، كأن يقول أحدهم، وهو يغمز بعينه:”اللي ما بيتسمى” أو “اللي شو كان اسمو” أو “هداك اللي بالك منو” و”الأخضر”…
بين من يملك الدولار ومن لا يملك أي دولار توجد هوة شاسعة ولا تزال تتسع، وكأن لسان حال الفساد يقول إن الذين يستطيعون الشراء والاستهلاك هؤلاء هم المحترمون، والذين لا يستطيعون الشراء دعهم يموتون.
إن الزائر لمدينة دمشق من الخارج سيدهش وهو يرى المطاعم الفخمة تكتظ بالرواد وبالزبائن والسيدات اللواتي يدخن المعسل ويرتدين أجمل الثياب، وسيقول في نفسه مندهشا: هل حقاً هذه البلد عاشت قرابة 12 سنة حرباً؟! وهو الذي كان يعتقد أنه لن يرى سوى الخرائب والدمار. لكن حقيقة الأمر هذه صورة خادعة ومزيفة، وإن ملايين السوريين حياتهم مختلفة وعلى العكس من ذلك، فهم يعانون من الحرمان ويعانون من انعدام الموارد، ومن الأمراض وعدم المقدرة على العلاج أو شراء الدواء، يعانون من الانقطاع الجائر للكهرباء والماء ووسائل العيش والتدفئة والغاز والمواد الضرورية التي قلما تتوفر لهم، بينما لا ينقص أخوتهم من الحي الآخر الذين يعيشون في كنف الإله مارس أي شيء من مستلزمات الحياة.
في ظل هذه الظروف القاسية، تعيش المرأة العاملة أصعب ظروف العيش، تقول واحدة من المعلمات التي فرضت عليها القوانين أن تُعلّم بعيداً عن سكن أهلها إن معاشها الشهري مئة وعشرون ألف ليرة سورية، وهي تستأجر غرفة في الأحياء البائسة بمئتي ألف ليرة!
إن حياة الفقراء أشبه بالجحيم الأرضي، إنهم أكثر ضحايا الحرب والحصار والفساد تعرضا للدمار النفسي والأخلاقي. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة ارتفاع نسبة الجريمة الأسرية وغير الأسرية، وارتفاع عدد المنتحرين بشكل غير مسبوق!
ومع ذلك، وعلى الرغم من قتامة المشهد، وتناقضات الصورة والواقع إلا أن نوعاً من التهكم الذكي والمرح لا يزال موجوداً تعبيراً عن حيوية الناس وشكلاً من أشكال المقاومة للكآبة، ولكن جنباً إلى جنب مع البذاءة اللفظية والكذب والخداع، والبذاءة التي عدّها تروتسكي يوماً بنية فوقية، مصدرها النخب الحاكمة وتنعكس على الطبقات الشعبية التي تتلقفها تنفيساً للكبت والقهر، هذه البذاءة تنتشر على كافة المستويات والشرائح الاجتماعية، وفي كل الأجناس والأعمار وبشكل علني وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الحفلات الخاصة والعامة.
إن الحرب ضربت كل أشكال التحفظ، وضربت البنى التقليدية، وحطمت كثيراً من الأوهام، وكشفت أنبل ما في الناس وأسوأ ما فيهم!
أما بالنسبة للأطفال، فتتحدث التقارير عن التسرب من المدارس وعن عمالة الأطفال والتشرد والتعرض للعنف والاعتداء… هذا عدا عن سوء التغذية التي تصيب الأسر الفقيرة. إن آثار الحرب السلبية تسري في المجتمع كالطاعون، ومن المحال ومن الكذب أن نغفل تأثيرات هذه الحقبة من الزمن التي انصبت على رأس السوريين ودمرت حياتهم وأمنهم، وجعلت حالهم المأساوي يتحدث عنه العالم كنوع من الكوارث التي يتوجب تجنبها وعدم الوقوع فيها.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...