أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
يصدمنا الإعلام الاجتماعيّ كل يوم بمقاطع فيديو وأخبار حول امتهان كرامة الإنسان في سورية عن طريق استفزازات لفظية وعنفٍ جسديّ يُمارَس ضد أشخاص تصنّفهم الآلة الإعلامية للمرحلة الانتقالية على أنهم من “فلول النظام“ السابق. ولقد سمعنا عن أشخاص تُقتحم بيوتهم ويُختطفون، ورأينا أشخاصاً يُرْفسون بالأقدام ويُنكّل بهم ويُهانون ويُشْتمون في استعراض مشهدي يهدف إلى الإذلال وإهانة الكرامة. يحاكي هذا الأداء ويستنسخ ممارسات الأجهزة الأمنية السورية القمعية والوحشية التي كرهها وعانى منها معظم السوريين الذين يتوقون إلى رؤية سلوك قانوني يجسّد مفهوم الدولة، ويحقق العدالة ويدين المجرمين في المحاكم، بعيداً عن الممارسات المخالفة للقانون التي تزرع الغضب في النفوس وتحصد الخراب. إن الانتقام، في المراحل الانتقالية، يهدم البلدان، ويعجّل في خرابها، ولهذا حذّر المفكرون والباحثون والفلاسفة والحكماء وعلماء السياسة من خطره.
من معاني الانتقام في اللغة العربية ”مقابلة السيئة بمثلها“. والانتقام ”معاقبة الشخص على ما صنع معاقبةً ناشئةً من القوّة الغضبية، و بدافع نفسي وذاتي“. ونظر حكماء العرب إلى الانتقام على أنه فعلٌ هدّام يمنح لذّة على المدى القصير لكنه يُورث الندم على المدى الطويل. وذُكر في مصادر التراث العربي أن المنصور قال لولده المهدي: إن ”لذّة العفو أطيب من لذة التشفي“. وانتقد ابن القيّم الانتقام قائلاً: ”وفي الصفح والعفو والحلم من الحلاوة والطمأنينة، والسكينة وشرف النفس، وعزها ورفعتها عن تشفّيها بالانتقام ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام“.
يتقاطع رأي المتنورين العرب مع رأي فلاسفة اليونان في أن للانتقام عواقب خطيرة. فقد انتقد أرسطو الانتقام قائلاً إنه ليس من العدل إلحاق الأذى بأي شخص، حتى وإن كان ذلك في إطار الرد، لأن الأذى في حد ذاته ليس عادلاً أبداً.كما أن الانتقام تعبير عن الرذيلة، لا الفضيلة، لأن الرجل الفاضل الحقيقي يتصرّف بهداية من العقل لا العاطفة، ويسعى إلى خير الجميع، وليس نفسه فقط، كما أن مقولة “العين بالعين”، تقوّض السّعْيَ العقلانيّ لتحقيق العدالة.
يتّفق المفكرون الحديثون مع حكماء العرب، وفلاسفة اليونان، على أن الانتقام سمّ يقتل روح من يسعى إليه، ويلوّث العالم الذي يتم فيه. لكن العدالة، عن طريق الوسائل القانونية، تسمح بإمكانية الشفاء وإعادة البناء، كما تقول الباحثة القانونية الأمريكية، وأستاذة القانون في جامعة هارفارد، مارثا مينّو في كتاب صدر في ١٩٩٨بعنوان “بين الانتقام والتسامح: مواجهة التاريخ بعد الإبادة الجماعية والعنف الجماعي“. إن الانتقام، حين يُمارَس خارج إطار القانون، يؤدي إلى إدامة العنف. وإذا أصبح الانتقام مبدأ موجِّهاً للعدالة، من الممكن أن يقود إلى تأجيج الصراع، وإطلاق دورة لا نهاية لها من العنف والعنف المضاد.
يولّد غياب حكم القانون، في أعقاب الانقلابات والصراعات وسقوط الأنظمة، فراغاً يتفشّى فيه العنف والانتقام دون رادع. ويقود في غالب الأحيان إلى وضع يسود فيه حكم الغوغاء والمجرمين. بالتالي، إن الاعتراف بحقيقة ما حدث، والمساءلة القانونية، ضرورة لا بدّ منها للتعافي المجتمعي، لكن الرغبة في الانتقام يجب أن تُدار بعناية عن طريقالعملية القانونية، والجهود الرامية إلى بناء مستقبل مشترك تحت مظلة العدالة الانتقالية. قد يقدّم القصاص لذة وإشباعاً عاطفياً، كما تقول مينو، ويمكن أن يعدّه البعض “عادلاً”، إلا أنه ينتهك المبادئ الأخلاقية. وعندما يحدث خارج إطار القانون يكون مدفوعاً بالغضب، أو الإذلال، أو الرغبة في التشفّي، وهي مشاعر لا تؤدي بالضرورة إلى نتائج عادلة. علاوةً على ذلك، إن القوى المنتصرة التي تستلم السلطة، إذا سعت إلى الانتقام بطرق غير قانونية، فإنها تخاطرُ بالتضحية بشرعيتها الأخلاقية، وتآكل الأساس الأخلاقي اللازم لإعادة بناء مجتمع عادل وديمقراطي. ويؤدي هذا إلى إضعاف القدرة على الحكم والحفاظ على النظام. وتشير مينو إلى أن الانتقام قد يوفّر إرضاء عاطفياً فورياً للضحايا، لكنه يهدّد الاستقرار على المدى الطويل لأنه ينكأ الجراح، ويُحْدث صدمة جماعية، ويفاقم المشكلة، ويزيد أيضاً من الانقسامات القائمة، مغذياً الاستياء بين الجماعات المتصارعة. وعندما يتم الانتقام خارج الأطر القانونية، فإنه يقوّض الثقة في القوى المنتصرة. هذا ما حذّر منه الفيلسوف وعالم السياسة النرويجي جون إلستر حين قال: إن الأخذ بالثأر، خارج إطار القانون، يتمخض عنه في معظم الأحيان وضعٌ تصبح فيه العدالة تعسفية، وذات دوافع سياسية، وتتقوّض عملية الانتقال إلى نظام ديمقراطي، لهذا ينبغي أن يكون حكم القانون مبدأ أساسياً.
يتقاطع ما قاله الفيلسوف النرويجي مع ما أكّده عالم اللاهوت الكرواتي ميروسلاف فولف، الذي شدّد على أهمية الصفح في مجتمعات تمرّ في مراحل انتقالية بعد الصراعات، أو سقوط الأنظمة. فالصّفح ليس مجرّد عمل أخلاقيّ بل عمل سياسي يمكن أن يمهّد الطريق للسلام. وفي المجتمعات التي تمرُّ في مرحلة ما بعد الصراع، يجب فصل الانتقام عن العدالة، لأن الانتقام يرتبط بالماضي، في حين ترتبط العدالة والمصالحة بالمستقبل وبنائه. علاوة على ذلك، يعوق الانتقام عملية التعافي لهذا يجب على المجتمعات أن تجد سبلاً للصفح والتسامح من أجل إعادة بناء نسيجها الاجتماعي كما شدّد كبير أساقفة جنوب أفريقيا السابق، الحائز على جائزة نوبل للسلام في ١٩٨٠، ديزموند توتو، الذي عيّنه الرئيس الراحل نيلسون مانديلا رئيساً للجنة الحقيقة والمصالحة، التي شُكلت للتحقيق في جرائم ارتكبها جانبا الصراع في جنوب أفريقيا إبان حقبة الفصل العنصري.
تتقاطع هذه الآراء مع آراء ناشطين سوريين بارزين شاركوا في الثورة السورية في بداياتها المدنية، وتعرّضوا لأحكام سجن ظالمة وغير إنسانية، من أمثال الناشط الحقوقي ومدير شؤون المحتجزين في فريق الطوارئ السوري، عمر الشغري ابن قرية البيضا في بانياس، الذي عبّر في إحدى حلقاته على إنستغرام، عن رؤية عميقة تثير الإعجاب (نظراً لتجربته المأساوية، ونجاته بأعجوبة من الموت في السجن) حين قال: إننا يجب أن ننطلق من أساس قانوني يخدم العدالة مبتعدين عن الغضب والانتقام كي لا نرتكب جرائم قمنا بإدانة نظام الأسد لأنه اقترفها. في السياق نفسه أكّد المحامي السوري، وناشط حقوق الإنسان، ورئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، والمعتقل السابق مازن درويش، في حوار أجْرته معه ”مجلة المجلة“ أن الجرائم التي ارتُكبت في سوريا لم تكن أحادية الجانب، بل تمّت على أكثر من مستوى، وفي أكثر من سياق، ومن قبل أكثر من طرف. تحدّث مازن درويش عن مستويات في الصراع السوري لها أساس طائفي، وأخرى لها أساس عرقي ومناطقي، وعن صراعات بينية حتى بين القوى المنتصرة، ما يقتضي التعامل بنزاهة قانونية مع الجرائم التي ارتُكبت.
يتطلع السوريون إلى الخروج من نزعة القبائل والطوائف والعشائر الثأرية إلى المساءلة القانونية، تحت مظلة العدالة الانتقالية، التي يطبقها ”شعب“، أو “مجتمع حضاري“ يعيش في دولة قانون ومواطنة هي وحدها الكفيلة ببناء وطن للجميع. إن تحقيق العدالة يتطلب معاقبة مرتكبي الجرائم، والاعتراف الجماعي بالمعاناة، والالتزام بالحقيقة، وخلق مساحات للمصالحة كما يُجمع علماء السياسة. في غياب هذه العناصر، قد يتحوّل الانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية إلى انتصار أجوف، من شأنه أن يعمّق الانقسامات، ويطيل من أمد العنف. وكما قال الأب ديزموند توتو في خطبته التي حملت عنوان ”لا مستقبل من دون صفح“: إن الصفح لا يعني التظاهر بأن الأمور مختلفة عما هي عليه في الواقع، إن الصفح مواجهة، وذكر للحقيقة كما هي، وتخلّ عن الانتقام، ونظر في عينيْ الوحش. إنه كمثل فتح نافذة لجعل الهواء النقي يدخل إلى غرفة مغلقة ورطبة ومظلمة، وإزاحة الستائر كي يغمرها الضوء“.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...