أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
العولمة، ومَنهج التَّأويل (الأُنطولوجيّ/ الثَّقافيّ) للانزياح في الكتابة الإبداعيّة
أ_ التَّأويل الأُنطولوجيّ للانزياح:
أهمَلتِ المناهِجُ العلميّة _ المنطقيّة البُعْدَ الأُنطولوجيّ لِلُّغة، مُكتفيةً بِالنَّظَر إليها في جانبِها الأداتيّ، وارثةً عنِ الفَلسفة التَّقليديّة موقفها من الانفعال والخَيال والحواسّ بوصفِهم في مرتبة أدنى من العَقل[1]، وساعيةً لتفسير النَّصّ الشِّعريّ ذاتيّاً وموضوعيّاً، ذلكَ بإخضاعه لقواعد تقنيّة _ قياسيّة، أو إجراءات منهجيّة مُؤسَّسة على البُرهان الحِسابي[2]. وانطلاقاً من هذا، جاءَ اقتراح الاستعاضة عن المناهج العلميّة بِالتّأويل[3]، بعد نزع الحُمولة النَّفسيّة من عمليّة الفهم، من حيث إنَّ التَّأويل ينتقل من الإشكاليّة النَّفسيّة لحياة الغَير، إلى الإشكاليّة الأُنطولوجيّة التي تسعى لِفهم الكائن في العالَم؛ أي بِانتقال الفَهم من كونِهِ عمليّة عقليّة تسعى لِفَهم مسألة الغير، إلى كونِهِ عمليّة وجوديّة تسعى لِفَهم مسألة العالَم[4]. وهو الأمر الذي يربط التَّأويل بالقضيّة الأكثَر عُمقاً، ألا وهيَ اللُّغة، من حيث إنَّ الكائن لا يُفهَم إلا في مَجال التَّكلُّم بِاللُّغة[5].
لعلَّ الإشكاليّة الأكبَر في المناهج الشَّكليّة تكمن _ في اعتقادي _ في مسألة فصل اللُّغة عن الوجود، وهيَ الآليّة التَّجريديّة التي تُفقِدُ دراسة نصوص الكتابة الإبداعيّة حيويتَها الكيانيّة، وتُحوِّل الانزياح إلى تقنيّة قاصِرة _ كما ذكرْتُ من قبل _، ولا سيما بما يُتوَقَّع أنْ يتصدَّى لهُ هذا المُصطلَح بوصفِهِ أداة مفهوميّة وإجرائيّة لتفحُّص التَّحوُّلات الاجتماعيّة والثَّقافيّة والحضاريّة والتِّقنيّة التي يُفترَض أنَّ العولمة أحدَثتْها في النُّصوص، ومن هُنا أقدِّمُ اقتراحي الآتي في هذِهِ الدِّراسة، بتأسيس مَنهج (التَّأويل الأُنطولوجيّ/ الثَّقافيّ للانزياح في الكتابة الإبداعيّة):
لقد سعى مارتن هايدجر منذ كتابه العمدة “الكينونة والزمان” إلى تأويل الوجود “بمنهج ظاهراتيّ، يرسم طريقاً أنطولوجيَّاً جديداً في مقابل البدايات الخاطئة التي اتَّسمت بها دراسة علم الوجود منذ العصور القديمة”[6]، وفي هذا المنحى قامَ هايدجر بعملية صهر وإعادة إنتاج لثلاثة اتجاهات فكرية كبرى، وذلك في ضوء عمله القائم على تأسيس علم للوجود[7]عُرِفَ بالأنطولوجيا الأساسيةfundamental Ontology، فأخذ عن دلتاي بعض مرتكزات التَّأويليّة، وأخذ عن كيركيجارد بعض مرتكزات الوجوديّة، وكان التأثير الأكبر لأستاذه هُسِّرل فطوَّر فلسفته الظّاهراتيّة لينقلها من إطار قصديَّة الوعي إلى إطار قصديَّة الوجود.
إنَّ ما دُعِيَ المنعرج اللُّغويّ Linguistic turn [8]عند هايدجر يعني في جوهره الاختلافيّ “أنَّ اللُّغة وليس الأنساق الفلسفيّة هي بيت الوجود”[9]، ليكونَ ذلكَ لُبّ مشروعه الهادف إلى تقويض ميتافيزيقا الحضور The Metaphysics of presence التَّقليديّة[10]. وهو الأمر الذي شكَّل في فكر ما بعد الحداثة[11] مُرتكزاً أساسيّاً لمَا اصطُلِح على تسميته بِـ (مجاوزة الميتافيزيقا Overcomming of Metaphysics) بما أورثتهُ من ثقةٍ عمياء بالعقل المنطقيّ[12]، الذي اعتُمِدَ ليكون مساراً وحيداً وجاهزاً للبراهين والتَّفسيرات الحسابيّة[13]، وهي المسألة التي انتهتْ “بالتَّفكير إلى افتقار ماهيّته الشِّعريّة”[14].
وهكذا، لم تعُد اللغة في فهم هايدجر “هُنا والوجود هُناك”[15]؛ أي إنَّهُ لا ينظر إلى الواقع المُعطَى لتجربتنا بوصفِهِ مُستقلاً عن اللُّغة، كأنَّها مرآتُهُ، أو كأنَّ أشياءَهُ موضوعات موجودة خارج اللغة، ويتمُّ إحضارُها ميتافيزيقيّاً، إنَّما ينظر إليها بوصفها وجوداً في الكينونة، أو بمعنىً أدقّ بوصفها لغة الكينونة، مُتجاوزاً بذلك النظرة التّقليديّة إليها[16]، حيث تكفُّ الكلمات واللُّغة عن أن تكونا “لفائف تُعبّأُ بها الأشياء لكي يتبادَلَها أولئكَ الذين يكتبونَ أو يتحدَّثون. إنّما في الكلمات واللغة تدخل الأشياء إلى الوجود”[17]. وبهذا لا تكون اللغة مُجرَّد أداة اتصال لتبادل المعلومات الصحيحة، أو وسيلة تعبير عن الأفكار؛ إنّما هي المكان الذي يكشف فيه الواقع عن ذاته، وتتحَّركُ ضمنَهُ الحياة الإنسانيّة[18]. وهو المعنى الذي نجده كذلك عند (جادامر) تلميذ هايدجر؛ إذ إنَّ اللغة لديه ليست مُجرَّد رسم للواقع، إنّما هي حالة وجودّية تشتمل على الوقائع التجريبية وتتجاوزها في الوقت ذاته، لكونها وسطاً حيوياً نعيش فيه ونتنفس به[19]، فهي بهذا المعنى الحدث الماهويّ الذي يكسبنا ملامحنا وأساليبَ وجودنا، ويُمكِّننا من الانفتاح على المجهول. ولو أنَّ ماهيَّتنا لم تكُنْ “تتضمَّن القدرة على اللُّغة، لكان كُلُّ وجود مُنغلقاً أمامَنا، بما فيه وجودُنا نفسه. فلولا اللُّغة لمَا أمكَنَ أن يكون، ولا أمكن أن يوجد بأي أسلوب يُمكِن أن نتخيّله”[20].
وبناءً على هذا الفهم، أقولُ إنَّهُ “حيثُ توجَد لغة يوجد عالم”[21]، وإنَّ هذا العالَم اللُّغويّ هو المكان الذي تنفتح فيه أساليب وجود الحياة، و“تأتي ضمنَهُ الذّات للإجابة عن السؤال عن ماهية الوجود”[22]،حيث أصبح الوجود يُفهَم “وفقَ تأسيسه باللغة”[23]؛ أي بقيام اللغة بتلكَ “الوظائف التي كانت تُعزَى من قبل إلى الوجود ذاته”[24]، فمقاربة العالَم على هذا النَّحو هي حكماً مقاربة للغة التي تفتحه[25]؛ أي بما هو عالم التَّغيُّر والعَمل والقرارات والمشروعات وكُلّ الكيفيّات الوجوديّة المُتنوِّعة، ومن ثمَّ فإنَّهُ حيثُ يوجد عالم، يوجد تاريخ[26].
وبنقل هذا الفَهم النّاهِض على تجذُّر الوجود في اللُّغة بوصفِها عالَماً، أُعيِّنُ الأساس الأوَّليّ لدراسة الانزياحات المُفترَضة التي أحدَثتها العولمة في نصوص الكتابة الإبداعيّة اجتماعيّاً وثقافيّاً وحضاريّاً وتقنيّاً، حيثُ أنقلُ هذِهِ الرُّؤية إلى فضاءات تلكَ النُّصوص، فإذا كان وجود اللغة يعني وجوداً لعالَم ما، فإنَّه من الطَّبيعيّ أن يستقدِمَ العملُ الكتابيّ الإبداعيّ عالَماً[27]؛ ذلكَ أنَّ جادامر يعتقد أنَّ “جوهر واقعة الحقيقة التي تَحْضُرُ في العَمَل الفنيّ هو أنَّها تَنفتِحُ على مجال مفتوح”[28]، وهذا المجال الذي يدلّ عليه العَمَل الفنيّ هو ما يُسمِّيه بِـ “الزِّيادة في الوجود” [29].
وهذا يُعيدنا إلى هايدجر الذي يرى أنَّ النَّصَّ الأدبيَّ ليس تعبيراً عن حقيقة داخليّة لِلمُبدِع، إنّما هو تجرِبة وجوديّة. وكما أنَّ اللُّغة ليسَتْ ذاتيَّة ولا موضوعيّة، فكذلكَ النَّصّ الأدبيّ ليسَ ذاتيّاً ولا موضوعيّاً، بل هو تجرِبة وجوديّة تتجاوّزُ الذَّاتيّة والموضوعيّة[30].
إنَّ “شيءَ النَّصّ اللاّمحدود” كما يدعوه ريكور هُوَ العالَم المبسوط أمامَ النَّصّ؛ أي بِوصفِهِ ذلك الانفتاح المُتعلِّق بِالامكانيّات الجديدة النّابعة من قُدرتِهِ على أن يقذفَ نَفسَهُ خارِجَ ذاتِهِ ويُوَلِّد عالَماً[31]. فالنَّصّ يؤسِّس لدى ريكور“مرجعيته الخاصّة الكامِنة في ذاتِهِ والمُتمثِّلة في عالّمِهِ الذي يُحيلُ إليه أو أفعاله التي يُنتجها وتُعبِّرُ عن نشاطِهِ ووظيفتِهِ. مثلما أنَّ النَّصّ يُحرِّر دلالتَه من وصاية القصديّة المُتعالية بِاستقلالِهِ عن مؤلِّفه، كذلكَ يُحرِّرُ أيضاً مرجعيَّتَهُ من المرجعيّة المُباشرة، بِاستقلالِهِ عن العالَم الخارجيّ. وهُنا يكمُنُ شرطُ إمكان الفهم، لأنَّ ما هو مُعطى لِلفهم ليسَ قصديّة المُؤلِّف أو الواقِع الخارجيّ، وإنَّما العالَم المُمكِن الذي يفتتحُهُ النَّصّ”[32]. وبناءً على ذلك فإنَّ العَمَلَ الفنِّيَّ “يفتتِحُ وُجودَ الموجود بِطريقتِهِ”[33]؛ أي يفتتِحُ عالَماً “لَمْ يُوجَدْ على هذا النَّحو قطّ”[34]، فَفعلُ “إقامة الحقيقة لنفسها في العَمَل هو إنتاج موجود من هذا النَّوع، لم يكن مِنْ قَبْل”[35]؛ إذ إنَّ النَّصّ الكتابيّ وإِنْ كان يُشير إلى عالَم سابِق عليه، لكنَّهُ ليسَ مُتًّجِهاً نحو الخارِج بفعل العلامات، كما أنَّهُ ليسَ مُؤسَّساً على بِنية موضوعيّة تُغْلِقُهُ على ذاتِهِ، إنَّما هو يُعرَضُ في وُجودِهِ الخاصّ، دافِعاً المُتلقّي للِتَّأمُّل فيه[36].
لعلَّ استقلال نصوص الكتابة الإبداعيّة عن قصديّة مُؤلِّفِها من جانبٍ أوَّل، وعن العالَم الخارجيّ من جانبٍ ثانٍ، لا تعني الانغلاق الحدِّيّ والقطيعة التّامّة عن هاتين المرجعيتين؛ إنَّما تعني الاستقلاليّة النِّسبيّة التي تمنَحُ النُّصوص الكتابيّة صفة (العالَم) الخاصّ بها، والذي ينزاح في أساليب وجودِهِ الخاصّة (قليلاً أو كثيراً) عن قصديّة المُؤلِّف وعالَمِهِ الخارجيّ، ذلكَ أنَّ مفهوم التَّأويل الأنطولوجيّ للانزياح في عوالِم الكتابة الإبداعيّة ولا سيما في عصر العولمة ينبغي _ كما أظنّ _ أنْ يتجاوَز تلكِ النَّظرة الضَّيقِّة التي ترى أنَّ النُّصوص موضوعات مُنعكسة، أو بنى لغويّة مُجرَّدة؛ إنَّما هي عوالِم لها (ماهيّاتها) العيانيّة المُختلِفة، التي لا تُعيَّن مُسَبَّقاً، إنَّما تبعاً لأساليبِ وجودٍ تَفْتَحُ النَّصّ الكتابيّ الإبداعيّ على أبعادِهِ الوجودية المُمكِنة، بما هوَ في اعتقادي (بُؤَرة جدّليَة) تمنح “إمكانية التَّوتُّر والصِّراع بينَ الظاهِر والخفيّ، بينَ الظَّلام والنُّور، بينَ المقول والّلامقول”[37]، حاملةً في مُنبسَطِها كُلّ سِمات العالَم؛ ذلكَ أنّها تنطوي على كلّ ما هو موجود من أشياء، وعلى كُلّ ما يُشكِّل البيئة البشريّة أو الميدان Setting الذي تُعاش فيه الحياة البشريّة[38]. فعالَم النَّصّ ميدانٌ بصريٌّ مفتوح لِلاهتمام concern بِوصْفِ هذا المُصطلح يدُلُّ على العلاقة المُعقَّدة التي يُشير إليها حرف الجرّ (في) في عبارة (الوجود في العالم)؛ إذ تشمل بصفة عامّة الطُّرقَ التي لا نهاية لها التي تصطدم بها مصالح الإنسان مع الموجودات المحيطة من حوله، مُتفاعلاً معها تبعاً لفعاليّات الاهتمام الإيجابيّة أو السَّلبيّة، ولاسيما تلك النَّشاطات المُتَّصلة بِتسخير البيئة المُحيطة لِخدمته، من تعامل واستخدام وطعام وشراب وبناء وصناعة وزراعة وتنقُّل وتدمير وعُدوان وإزالة عقبات[39]، وغير ذلك من الأفعال التي لا تنفصل بِحالٍ من الأحوال عن وجود الإنسان مع الآخرين، بِوصفِهِ عُنصراً أساسيّاً من عناصر الوجود البشريّ في العالَم اليوميّ الذي يقتضي دُخول عدد غير محدود من الناس في علاقات وأعمال مُتشابِكة ومُتبادَلة[40].
ففي نصوص الكتابة الإبداعيّة “يوجد أُناس يعملون، أو يتألَّمون، وأكثر من هذا، تُعَدُّ النُّصوص ذاتها أفعالاً”[41]، وفي هذا المنحى يُطوِّر هايدجر“القصديّةَ إلى قصديّة في مجال الفعل، وإلى دلالة حقيقيّة لِفكرة العالَم المَعيش”[42]. فحركيّة عالَم النَّصّ تعني أنَّ “العَمَل الإبداعيّ فعلٌ معيش”[43]، وعندما نتَّجه إلى دراستِهِ وفقَ التَّأويل الأنطولوجيّ للانزياح، ينبغي أنْ نُطبِّق قاعدة إدموند هُسِّرل الأشهر في فلسفتِه (الظاهراتيّة Phemonenology)، والتي تقول بِـ “قصديّة الاتّجاه إلى الأشياء ذاتِها”[44] كما تنفتِح أمامَنا.
وعلى الرَّغم من أنَّ هُسِّرل كانَ يُريد عبرَ قصديتِهِ مُجاوَزة وَحدة الذّات المُتعاليّة، باتّخاذ العالمَ المَعيش موضوعاً للتّأمُّل؛ إذ اكتشف “بدلاً من الذات المثاليّة المنغلقة داخل مجالها الخاصّ بالمعنى، كائناً حيّاً لهُ عالم”[45]، مُركِّزاً انتباهه “على الحقائق البسيطة للعالَم المعيش، من قبيل: إنّني لي بدن، وإنّني أحيا في جماعة مُشترَكة، وإنَّ العالَم يوجد…إلخ”[46]. وبهذا المعنى اهتَّم ببناء التجربة المعيشة بوصفها اللقاء الأول بين الوعي والعالَم[47]، غير أنَّ محاولة هسرل لإخراج الذات من قوقعتها قد انتكستْ عندما قادته آليّاته القصديّة المنهجيّة “إلى وعي متعالٍ لا يرى للعالَم أي وجود متعالٍ على الذات”[48]، وهيَ المسألةُ التي انتهت بالظاهراتية إلى شكل من المثالية المُتطرِّفة التي أحالت الكون إلى أفكار ومضمون باطنّي للوعي[49].
لقد انطلق هايدجر، تلميذ هُسِّرل اللَّدود، من هذه الإشكالية تحديداً، رافضاً أن نردّ الأشياء إلى الأنا الخالص[50]؛ فننظر إلى العالَم من قمّة جبل، في حين أنَّنا مندمجون أصلاً بموضوع شُعورنا[51]، لينتقل بفكرة القصديّة من قصديّة الوعي Intentionality of consciousness إلى قصديّة الوجود الإنسانيّ Intentionality of Being بوصفه مُتَّجهاً نحو العالَم، ومفتوحاً على الوجود[52].
وعلى هذا النَّحو، طوَّرَ هايدجر فكرة القصديّة، ناقلاً مركز ثقل الذات من الوعي إلى الوجود[53]، مُتجاوِزاً بذلك مثاليّة هُسِّرل المُتعالية التي اختزلتِ الوجود داخل حدود قصديّة الوعي نفسه، نحو علم للوجود يسعى إلى اختزال الوعي نفسه، إلى جانب فهم الوجود الإنسانيّ، والموجودات، داخل حدود قصديّة الوجود[54]. فماهيّة ظواهر الوجود الإنسانيّ هيَ بنظره على صلة عميقة بظواهر الوجود ذاته[55]، وما يُظهِر الظاهرة نفسها هو حقيقة الوجود الذي نتَّجه إليه[56]، بالشّكل الذي يكشف عن نفسه في عالَم الخبرة المعيشة[57]. وهيَ المسألة التي تسمح للظاهرة بإظهار ذاتِها بأساليب عديدة أحياناً[58]، ذلكَ لأنَّ معناها قد تغيَّر مع هايدجر من (مقولة – إدراك) إلى (طريقة – وجود)[59].
وهكذا، تُصبح رُؤيتُنا المَنهجيّة للانزياح بوصفِهِ تأويلاً أُنطولوجيّاً ناهِضةً على مُستويين:
1_ النَّظَر إلى نصوص الكتابة الإبداعيّة على أنَّها (عَوالِم)، تنبسِطُ فيها أساليب الوجود (طرُق الوجود) المُتنوِّعة بما هيَ (أي هذِهِ العَوالِم) ميادين اهتمام وحياة وصراع.
2_ النَّظَر إلى آليّات دراسة هذِهِ النُّصوص في عصر العولمة عبرَ قصديّة الاتّجاه إليها كما تنفتِح أمام الدّارِس؛ أي بما هيَ قصديّة وجود تتَّجه نحْوَ عَوالِم نصوص الكتابة الإبداعيّة لتحليل (أساليب الوجود) فيها كما تنبسط أمامَنا، وهو الفَهم الذي يستفيد جوهريّاً من اعتقاد ريكور أنَّ الجُملة تُمثِّل وَحدة الخطاب الأساسيّة لكونِها وَحدة الحدَث الفِعليّ الذي لا يُمكِن أنْ تحقِّقه العلامة اللِّسانيّة؛ أي الكلمة المُفردة[60]. وهذا ما يدعوه (علم الجُملة) التي هي كُلٌّ غير قابل للتجزئة إلى كلمات بما هي معنيّة بمفهوم المعنى (الفحوى Sense)[61].
يتبع…
[1] يُنظَر: محمَّد طواع: هايدجر والميتافيزيقا _ مُقارَبة تُربة التَّأويل التِّقنيّ للفكر (الدار البيضاء _ المغرب: أفريقيا الشَّرق، 2002) 137 _ 138.
[2] يُنظَر: المرجع السّابق، 61، 137 _ 138. ويُنظَر: سعيد توفيق: في ماهيّة اللُّغة وفلسفة التَّأويل (بيروت _ لبنان: مجد المُؤسَّسة الجامعيّة للدِّراسات والنَّشر والتَّوزيع، ط1، 1423 هـ _ 2002 م) 145 _ 146. ويُنظَر: سعيد توفيق: الخبرة الجماليّة _ دراسة في فلسفة الجمال الظّاهراتيّة (بيروت _ لبنان: المُؤسَّسة الجامعيّة للدِّراسات والنَّشر والتَّوزيع، ط1، 1992) 127.
[3] يُنظَر: عمارة ناصر: اللُّغة والتَّأويل _ مُقارَبات في الهرمينوطيقا الغربيّة والتَّأويل العربيّ الإسلاميّ (الجزائر العاصمة _ الجزائر: منشورات الاختلاف، بيروت _ لبنان: دار الفارابي _ الدار العربيّة للعلوم ناشرون، ط1، 1428 هـ _ 2007 م) 15.
[4] يُنظَر: المرجع السّابق، 71. ويُنظَر: بول ريكور: من النَّصّ إلى الفعل _ أبحاث التَّأويل، ترجمة: محمَّد برادة وحسّان بورقيّة (القاهرة _ مصر: عين للدراسات والبُحوث الإنسانيّة والاجتماعيّة، ط1، 2001) 69.
[5] يُنظَر: عمارة ناصر: اللُّغة والتَّأويل، 71.
[6] مارتن هايدجر: أصل العمل الفنِّيّ، ترجمة: أبو العيد دودو (كولونيا _ ألمانيا: منشورات الجمل، ط1، 2003) 10، من مُقدِّمة المُترجم.
[7] يُنظَر: فؤاد كامل عبد العزيز: فلاسفة وجوديّون (القاهرة _ مصر: الدار القوميّة للطِّباعة والنَّشر، ط ]د.ت[) 7.
[8] يُنظَر: فتحي المسكيني: نقد العقل التَّأويليّ _ أو فلسفة الإله الأخير _ مارتن هايدجر _ من الأنطولوجيا الأساسيّة إلى تاريخ الوجود _ 1919 _ 1944 (بيروت _ لبنان: مركز الإنماء القوميّ، ط1، 2005) 9.
[9] المرجع السّابق، 37.
[10] يُنظَر: عبد السَّلام بنعبد العالي: أسس الفكر الفلسفيّ المُعاصِر _ مُجاوَزة الميتافيزيقا (الدار البيضاء _ المغرب: دار توبقال _ ضمن سلسلة المعرفة الثَّقافيّة، ط2، 2000) 39 _ 59.
[11] يُنظَر: ميشيل فوكو: الكلمات والأشياء، ترجمة: مطاع الصَّفدي وآخرون (بيروت _ لبنان: مركز الإنماء القوميّ _ مشروع مطاع الصَّفدي للينابيع، 1989 _ 1990) 9، من مقدمة المُترجِم.
[12] يُنظَر: محمَّد طواع: هايدجر والميتافيزيقا، 36، 58.
[13] يُنظَر: ميشيل فوكو: الكلمات والأشياء، 9، من مقدمة المُترجِم. ويُنظَر: سعيد توفيق: في ماهيّة اللُّغة وفلسفة التَّأويل، 18.
[14] يُنظَر: محمَّد طواع: هايدجر والميتافيزيقا، 71.
[15] د. سعيد توفيق: ماهيّة اللغة وفلسفة التأويل، 61.
[16] يُنظَر: عادل ضاهر: الشعر والوجود _ دراسة فلسفيّة في شعر أدونيس (دمشق _ سوريّة: دار المدى للثَّقافة والنشر، ط1، 2000) 271-273. ويُنظَر: إبراهيم أحمد: إشكالية الوجود والتقنية عند مارتن هايدجر، (الجزائر العاصمة _ الجزائر: منشورات الاختلاف، بيروت _ لبنان: الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، 1427 هـ _ 2006 م) 86.
[17]عادل مصطفى: فهم الفهم _ مدخل إلى الهرمينوطيقا _ نظَريّة التَّأويل من أفلاطون إلى جادامر (القاهرة _ مصر: رؤية للنشر والتوزيع، ط1، 2007) 232.
[18] يُنظَر: تيري إيغلتون: نظريّة الأدب _ مدخل، ترجمة: ثائر ديب (دمشق _ سوريّة: دار المدى للثَّقافة والنَّشر، ط1، 2006) 107.
[19]يُنظَر: ماهر عبد المحسن حسن: جادامر _ مفهوم الوعي الجماليّ في الهرمنيوطيقا الفلسفية (بيروت _ لبنان: دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع _ المكتبة الفلسفية _ إشراف: أحمد عبد الحليم عطيّة، 2009) 90، 249.
[20] عادل مصطفى: فهم الفهم، 258 .
[21] سعيد توفيق: في ماهية اللغة وفلسفة التأويل، 130.
[22] فتحي المسكيني: نقد العقل التأويلي، 39.
[23]إبراهيم أحمد: إشكالية الوجود والتقنية عند مارتن هايدجر، 86 .
[24] جون ماكوري: الوجوديّة، ترجمة: إمام عبد الفتاح إمام، مراجعة: فؤاد زكريا (الكويت: سلسلة عالم المعرفة – سلسلة كتب ثقافية شهرية يُصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 58، ذو الحجّة/مُحرَّم، 1402هـ _ أكتوبر/ تشرين الأول، 1982) 219.
[25] يُنظَر: عمارة ناصر: اللغة والتأويل، 67.
[26] يُنظَر: مارتن هايدجر: هلدرلن وماهيّة الشِّعر، من كتاب “مارتن هايدجر _ في الفلسفة والشِّعر، ترجمة وتقديم: عثمان أمين (القاهرة _ مصر: الدار القوميّة للطِّباعة والنَّشر _ مكتبة نفائس الفلسفة الغربيّة، 1963) 86.
[27]عادل مصطفى: فهم الفهم، 267 .
[28] ماهر عبد المحسن حسن: جادامر _ مفهوم الوعي الجماليّ في الهرمنيوطيقا الفلسفية، 124.
[29] هانز _ جيورج جادامر: تجلّي الجميل ومقالات أخرى، تحرير: روبرت برناسكوني، ترجمة ودراسة وشروح: سعيد توفيق (القاهرة _ مصر: المجلس الأعلى للثقافة _ المشروع القومي للترجمة، 1997) 119.
[30] يُنظَر: محمّد عزّام: اتجاهات التأويل النَّقديّ _ من المكتوب الى المكبوت _ دراسة (دمشق _ سورية: منشورات الهيئة العامّة السّوريّة للكتاب _ وزارة الثَّقافة _ في نظريَّة الأدَب (3)، 2008) 87.
[31] يُنظَر: بول ريكور: من النَّصَ الى الفعل، 25، 96_ 101.
[32] محمّد شوقي الزّين: تأويلات وتفكيكات، _ فصول في الفكر الغربيّ المُعاصِر (الدّار البيضاء _ المغرب _ بيروت _ لبنان: المركز الثَّقافيّ العربيّ، ط1، 2002) 77.
[33] مارتن هايدجر: أصل العمل الفنَّي، 93.
[34] المرجع السّابق، 45، من مدخل هانز _ جيورج جادامر لِهذا الكِتاب.
[35] المرجع السابق، 130.
[36] يُنظَر: سعيد توفيق: في ماهيّة اللُّغة وفلسفة التَّأويل، 134. وينظَر: مارتن هايدجر: أصل العمل الفنِّيّ، 44، من مدخل هانز_ جيورج جادامر لِهذا الكتاب.
[37] المرجع السّابق 111.
[38] يُنظَر: جون ماكوري: الوجوديّة، 112.
[39] يُنظَر: المرجع السّابق 119.
[40] يُنظَر: المرجع السابق، 151.
[41] بول ريكور: من النَّصّ الى الفعل، 4.
[42] سعيد توفيق: الخبرة الجماليّة، 80.
[43] فريد الزّاهي: النَّصّ والجسَد والتَّأويل (الدّار البيضاء _ المغرب: أفريقيا الشَّرق، 2003) 26.
[44] يُنظَر: سعيد توفيق: الخبرة الجماليّة، 23. ويُنظَر: تيري إيغلتون: نظريّة الأدب، 96. ويُنظَر: عادل مصطفى: فهم الفهم، 192.
[45] يُنظَر: هشام معافة: التأويلية والفن عند هانز جيورج جادامر (الجزائر العاصمة _ الجزائر، بيروت _ لبنان: منشورات الاختلاف _ الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، 1431هـ _ 2010م) 70.
[46] سعيد توفيق: الخيرة الجماليّة، 45.
[47]يُنظَر: محمّد شوقي الزين: تأويلات وتفكيكات، 48.
[48] يُنظَر: سعيد توفيق: الخبرة الجماليّة، 37.
[49] يُنظَر: عادل مصطفى: فهم الفهم، 207.
[50] يُنظَر: عبد الغفّار مكاوي: نداء الحقيقة _ مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهايدجر “ماهية الحقيقة، نظرية أفلاطون عن الحقيقة، اليثيا: هيراقليطس _ الشذرة السّادسة عشر” (القاهرة _ مصر: دار شرقيّات للنّشر والتّوزيع، ط1، 2002) 63.
[51] يُنظَر: رامان سلون: النظريّة الأدبيّة المُعاصرة، ترجمة: سعيد الغانمي (بيروت _ لبنان، عمان _ الأردن: المؤسسة العربية للدراسات والنشر _ دار فارس للنشر والتوزيع، ط1، 1996) 163.
[52] يُنظَر: سعيد توفيق: الخبرة الجمالية، 80، 133. ويُنظَر: عدنان بن ذريل: الفكر الوجودي عبر مصطلحه _ دراسة (دمشق _ سوريّة: منشورات اتّحاد الكُتّاب العرب، 1985) 212.
[53] يُنظَر: سعيد توفيق: الخبرة الجمالية، 79-80.
[54] يُنظَر: المرجع السّابق، 325.
[55] يُنظَر: سعيد توفيق: في ماهية اللُّغة وفلسفة التّأويل، 125.
[56] يُنظَر: عبد الغفّار مكاوي: نداء الحقيقة، 63-64.
[57]يُنظَر: عادل مصطفى: فهم الفهم، 214.
[58]يُنظَر: سعيد توفيق: الخبرة الجمالية، 81.
[59]يُنظَر: فتحي المسكيني: نقد العقل التأويلي، 76.
[60] يُنظَر: بول ريكور: نظريّة التَّأويل _ الخطاب وفائض المَعنى، ترجمة: سعيد الغانميّ (الدار البيضاء _ المغرب، بيروت _ لبنان: المركز الثَّقافيّ العربيّ، ط1، 2003) 31 – 32.
[61] يُنظَر: المرجع السّابق، 31 _ 33.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...