أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
بخطى متسارعة تتزايد الهيمنة التركية على مناطق «درع الفرات» التي أضافتها أنقرة قبل عام وبضعة أشهر إلى قائمة الأراضي السورية المحتلّة تركيّاً. ولا تقتصر الهيمنة المذكورة على فرض حضور عسكري، أو أمني، بل تتعدّاها إلى تكريس «التتريك» بوصفه أمراً واقعاً في المنطقة التي تناهز مساحتها ثلاثة آلاف كيلو متر مربع في ريف حلب الشمالي. ويبدو جليّاً أن السياسة التركية المتّبعة في إدارة وتسيير شؤون تلك المنطقة تعمل وفق خطط دقيقة تتوخّى السرعة في تنفيذ سلسلة من الإجراءات العميقة الأثر، في ما تمكن تسميته «تنمية تركيّة مستدامة».
ويبدو لافتاً أن الإجراءات المذكورة تعتمد منهجاً متدرّجاً، يُنتظر أن تُفضي خواتيمه إلى ربط المسارات الاقتصادية والتعليمية والخدميّة بالحكومة التركيّة. ومن بين أحدث الخطوات التركيّة يبرز افتتاح فرعٍ لمؤسسة البريد التركيّة الرسميّة في منطقة جرابلس قبل أيام. ومن المنتظر أن يُقدّم المكتب المذكور خدماتٍ مصرفيّة علاوة على الخدمات البريديّة المعتادة (برق، اتصالات، رسائل، طرود). ومن المتوقّع أن تشتمل الخدمات المصرفيّة (إضافة إلى خدمة الحوالات) على تقديم خدمات صرافة وتحويل بين العملات. وحتى الآن، ما زالت العملة السورية متداولة في مناطق «درع الفرات» جنباً إلى جنب مع الدولار الأميركي والليرة التركيّة.
وربّما كان دخول المؤسسات التركية على خط سوق العملات خطوة تمهيدية للسيطرة على هذا السوق مستقبلاً، لا سيّما في حال أقرّت «الهيئات» المعارضة التي تدير مناطق «درع الفرات» العملة التركيّة بوصفها واحدة من العملات الرسميّة. وتؤكد مصادر إعلاميّة محسوبة على «الحكومة المؤقتّة» لـ«الأخبار» أنّ «هذا الأمر هو موضع بحث من بين حزمة قرارات اقتصاديّة، لكن بتّها مؤجل إلى الوقت المناسب». وتتولّى «الحكومة المؤقتة»، إلى جانب بعض «الهيئات» الأخرى، مسؤولية الإدارة في قطاعات عدّة وبإشراف تركي مباشر. ومن المتوقّع أن تتعزّز مكانة «الحكومة المؤقتة» بفضل جهود تركيّة تسعى إلى تمكينها من الظهور في مظهر «حكومة حقيقية وقويّة». ويأتي هذا بمثابة تنفيذ عملي لمعلومات كانت «الأخبار» قد نشرتها قبل أكثر من عام حول خطة تركية لتحويل منطقة «درع الفرات» إلى «مقرّ لحكومة مؤقتة». وأكدت «الأخبار» وقتها أنّ «أوساط الائتلاف المعارض منهمكة في الاستعداد لدخول حكومة مؤقتة إلى المنطقة الآمنة»، وأنّ هذه الخطوة «جزء من سيناريو الحل السياسي كما وُعد به الائتلاف». ويتضمّن السيناريو «اعترافاً بالحكومة المؤقتة بصيغة مخفّفة، وتمكينها من إدارة المنطقة بالتوافق مع الفصائل المسلّحة المنتشرة فيها» (راجع «الأخبار» العدد 2977). وأوعزت أنقرة في خلال الأسبوع الأخير إلى المجموعات العسكريّة الخاضعة لسلطتها بتسليم بعض المهمات المفصليّة إلى «المؤقتة». ومن بين تلك المهمات مسؤولية إدارة معبر باب السلامة الحدودي (منطقة أعزاز) قبل يومين. وكان المعبر خاضعاً لسيطرة «الجبهة الشاميّة»، وقامت الأخيرة بتسليمه لـ«المؤقتة» رغم أنّ «لواء السلطان مراد» كان قد أنذر «الشاميّة» بوجوب تسليمه المعبر قبل الخميس (اليوم). وتؤكد مصادر سورية معارضة لـ«الأخبار» أنّ «أنقرة وعدت بتمكين الحكومة المؤقتة من كل المهمات الإدارية في مناطق درع الفرات خلال وقت لا يتجاوز ثلاثة أشهر». ووفقاً للمصدر، فإنّ «العمل جارٍ أيضاً على نقل تبعيّة الفصائل العسكرية للحكومة المؤقتة بشكل فعلي، لكنّ هذا الأمر يحتاج إلى وقت أطول لتنفيذه بالصورة المُثلى». وضمن هذا السياق قامت «الشاميّة» أيضاً بعملية تسليم مهمة لمصلحة «المؤقتة»، وهي تسليم «الكلية الحربية» لـ«وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة». ومن المنتظر أن تعلن «الشاميّة» في وقت لاحق «اندماجها الكلي في إطار الجيش الوطني»، والأخير تشكيلٌ يتمّ العمل عليه تحت إشراف تركي مباشر وبتبعية اسميّة لـ«المؤقتة». ومن المعلوم أن «الجبهة الشاميّة» هي تجمّع لعدد من «الألوية» و«الكتائب» التركيّة الهوى، وبقيادة «إخوانيّة». وتسعى أنقرة إلى تمكين «المؤقتة» وتعويمها في وقت سريع، وبالتوازي مع خطوات دخول الجيش التركي إلى إدلب، تمهيداً لضمّ مناطق الاحتلال التركي في إدلب إلى سلطة «المؤقتة» مستقبلاً وعلى نحو مماثل لما تشهده مناطق «درع الفرات». وتمثل «جماعة الإخوان المسلمين» خياراً تركيّاً «ممتازاً» للتربّع على رأس «الهرم» في ريف حلب الشمالي، كما في إدلب مستقبلاً (راجع «الأخبار»، العدد 2392).
«خلِّ السلاح صاحي»
لم تغفل أنقرة ضرورة استقطاب عديد إضافي إلى صفوف المجموعات المحسوبة عليها، كما إلى صفوف «الشرطة الحرة» التي ستعمل تحت قيادة تركية على «نشر الأمن الداخلي». ودارت في خلال الشهور الستة الأخيرة عمليات الاستقطاب والتدريب بشكل مستمر. ومن بين المجموعات العسكرية التي سجّلت نشاطاً كبيراً على صعيد استقطاب منتسبين جدد تبرز «فرقة الحمزة». وأعلنت الأخيرة قبل فترة عن «افتتاح باب التطوع في كليّتها العسكريّة في مدينة الباب». اللافت أن «الحمزة» هي واحدة من المجموعات المسلّحة التي دُعمت بشكل كبير من الولايات المتحدة ضمن برنامج «المعارضة السورية المفحوصة». وليست «الحمزة» وحيدة في هذا الإطار، إذ يحضر عدد من المجموعات التي شملها البرنامج وتعمل حالياً تحت سلطة أنقرة المباشرة في «درع الفرات». ومن بين هذه المجموعات «فرقة السلطان مراد، الفرقة 99، اللواء 51، لواء الحمزة، لواء المعتصم، أحرار الشرقيّة، لواء السلطان محمد الفاتح، الفرقة الشمالية». وتؤكد مصادر عدة لـ«الأخبار» أنّ هذه المجموعات ستكون قواماً أساسياً لـ«الجيش الوطني» الذي يُنتظر تشكيله قريباً. وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد لحظت في ميزانيتها لعام 2017 دعم وتمويل هذه المجموعات بميزانية قدرها 250 مليون دولار (راجع «الأخبار»، العدد 2962). كذلك، لم تهمل أنقرة ضرورة تدريب وتسليح مجموعات مختارة وتفريغها لقتال «قوات سوريا الديمقراطيّة» على وجه الخصوص. وانضوت تلك المجموعات في إطار «غرفة عمليات أهل الديار» التي تم تشكيلها في حزيران الماضي، واستقطبت مسلّحين من مدينة تل رفعت وبلدات منغ ودير جمال والشيخ عيسى ومرعناز.
«تتريك» المجتمع
علاوة على كل ما تقدّم، سُجّلت في مناطق «درع الفرات»، منذ أيلول الماضي، مساعٍ ممنهجة لـ«تتريك» المجتمع بأكمله (راجع «الأخبار» العدد 3135). وبات مألوفاً أن تشرف أنقرة على كل شاردة وواردة في مناطق «درع الفرات»، وبشكل علني، عبر حضور والٍ وضباط أتراك ومسؤولين أمنيين لمعظم المناسبات وحفلات التدشين والتكريم وما إلى ذلك. وتشتمل تلك المناسبات على إلقاء كلمات باللغة التركية، كما على تقديم فقرات راقصة من الفولكلور التركي، كذلك تُكتب كل اللافتات والمطبوعات باللغتين التركية والعربيّة. واعتمدت أنقرة نهجاً يمنح المجتمع قسطاً من «التحرّر»، رغم الصبغة الإسلاميّة العامّة، في استنساخ لصورة المجتمع التركي في بعض مناطقه. وكان من شأن ذلك النهج أن يخلّف شعوراً بالراحة في المناطق التي كانت خاضعةً قبل ذلك لسلطة تنظيم «داعش» المتطرف. كذلك، أخذ الجيش التركي على عاتقه التدخل عند الضرورة لوضع حدّ لبعض سلوكيات المجموعات المسلّحة التي تثير حفيظة المجتمع. وعلى سبيل المثال، شنّ هذا الجيش قبل فترة حملة مداهمات في جرابلس وريفها استهدفت «أحرار الشرقيّة». كذلك تعمل «المجالس المحليّة» بإشراف تركي مباشر على تأمين فرص عملٍ بشكل دائم لأبناء مناطق «درع الفرات»، كما على استقطاب السوريين الموجودين داخل الأراضي التركية إلى مناطق «درع الفرات». وأصدرت وزارة التربية والتعليم التركية أخيراً قراراً أعلنت من خلاله «فتح باب التسجيل لمن يرغب من المعلمين السوريين في المدارس السورية والتركية داخل تركيا، بالانتقال للتدريس في المدارس السورية في ريفي حلب الشمالي والشرقي». كذلك حرصت أنقرة على تشجيع الاستثمارات التركية داخل الأراضي السورية، إضافة إلى عقد لقاءات مستمرّة بين وفود تجارية تركية وفعاليات تجارية محليّة. وعُقد أحدث هذه اللقاءات قبل يومين في مدينة جرابلس، بين وفد من غرفة تجارة غازي عنتاب وعدد من التجار المحليين.
تعليمٌ عالٍ وجامعات
تحضر الجامعات على جدول أولويات الخطط التركيّة. ومن بين أشهر الجامعات المفتتحة في هذا الإطار تبرز «جامعة الشام العالمية» التي افتُتحت في مدينة أعزاز بالتعاون بين «هيئة التعليم العالي» ومنظمة ihh التركية. وتضم الجامعة المذكورة أربع كليات «كلية الشريعة والقانون، كلية الهندسة، كلية العلوم السياسية، وكلية الإدارة والاقتصاد»، وتسعى إلى الحصول على اعتماد تركي رسمي. وتحرص على تقديم السكن والطعام مجاناً للطلاب، علاوة على تقديم معونات مالية شهريّة تبلغ 100 ليرة تركية للطالب الأعزب (حوالى 27 دولاراً أميركياً)، و150 ليرة (حوالى 41 دولاراً) للطالب المتزوج. ولا يقتصر نشاط «الجامعة» على الجانب التعليمي، بل تحرص على عقد ندوات ومحاضرات تتناول أهمية «الفكر الثوري» و«الصبر لجني مكتسبات الثورة». ومن بين أبرز ضيوف تلك الندوات يحضر «المنسّق العام لفصائل الثورة السورية» عبد المنعم زين الدين، الذي كان واحداً من دعائم عمليات «جيش الفتح» في حلب. وإلى جانب «جامعة الشام» ثمة عدد كبير من الجامعات والمعاهد، مثل «جامعة باشاك شهير» الخاصة، والتي افتتحت فرعاً في مدينة الباب (ريف حلب الشرقي).
عشائر «بايعت» السلطان
لم تهمل أنقرة أهمية المكوّن العشائري في عدد من مناطق «درع الفرات». وأشرف الأتراك بشكل مباشر على تشكيل هيئات ومجالس عشائرية، وعقد اجتماعات ومآدب لإعلان ولاء تلك العشائر لـ«درع الفرات». وشهد النصف الثاني من العام الحالي تكثيفاً لافتاً على هذا الصعيد؛ ففي حزيران أعلن «تشكيل مجلس ثوري» تابع لعشيرة البوبطوش في منطقة اعزاز. وفي العاشر من آب عُقد اجتماع تحت اسم قبيلة شمّر أكد «الالتزام بدعم درع الفرات»، واجتماع باسم «عشيرة الدمالخة» في الثامن من أيلول في بلدة أخترين بهدف لمّ «شمل العشائر والقبائل لتوحيدها في المنطقة». وقبل أيام أعلنت عشيرة النعيم تشكيل «مجلس شورى» لها في مناطق «درع الفرات»، وأكد الحاضرون «وقوفهم مع الثورة السورية والجيش السوري الحر، ورفضهم قوات النظام السوري وتنظيمي داعش والقاعدة، والأحزاب الانفصالية». أما الرابط المشترك بين كل تلك المجالس والاجتماعات فهو عقدها بحضور ضباط أتراك، وتحت إشرافهم.”
تم نشر هذا المقال في «الأخبار»