تدريباتنا

التعليم في “غيبوبة” الجنوب

بواسطة | نوفمبر 7, 2018

بدأ العام الدراسي الجديد في جنوب سوريا، بعد سيطرة النظام السوري عليه، ووعوده بتقديم الخدمات الأساسية للأهالي وعودة مؤسسات الدولة إليه بما فيها التعليمية، كما وعد النظام بتحسين الخدمات المقدمة في قطاع التعليم، الذي يعاني نقصاً حاداً في المستلزمات والوسائل التعليمية، وخاصة إثر تعرض العديد من المدارس للتدمير الكامل أو الجزئي.

يقول أحد الموجهين التربويين الذي فضّل عدم ذكر اسمه “تحول الواقع التعليمي هنا إلى مسألة ثانوية خلال الصراع، و لم يتم التعاطي معه كقطاع جوهري، فلم يتم ترميم أية مدرسة تعرضت للقصف أو التدمير حتى الآن، ولم يشهد القطاع التعليمي أي تحسن ملحوظ رغم بدء العام الدراسي الجديد”، ويعدد بعضاً من التحديات التي تواجه القطاع التعليمي “كغياب اللوازم اللوجستية في المؤسسات التربوية، ونقص المدارس والمراكز التعليمية، مما يولّد ضغطاً كبيراً في أعداد الطلاب بالمدرسة الواحدة، ويؤدي لاكتظاظ الأقسام الدراسية وعدم استيعاب الشعبة الدراسية (الصف الواحد) لأعداد التلاميذ فيها، حيث يتواجد في الصف الواحد ما يقارب ٥٠ طالباً، هذا عدا عن نقص الكوادر المختصة.”

وتشهد الكوادر التعليمية نقصاً حاداً نتيجة النزوح والأوضاع الاقتصادية والأمنية إضافة نتيجة لفصل عدد كبير من الموظفين الأساتذة، بسبب تخلفهم عن “الخدمة الاحتياطية” في الجيش السوري.

وإضافة للتحديات التي ذكرها الموجه التربوي، يعتبر التسرب التعليمي من أبرز المشكلات التي تواجه القطاع التعليمي في الجنوب، فقد أدت الأعمال العسكرية إلى نزوح  مستمر للأهالي متسببة بانقطاع التلاميذ عن مدارسهم، ولم تنجح محاولة بعض المنظمات الدولية لإنشاء مراكز تعليمية في استيعاب كافة الطلاب المتخلفين عن مدارسهم، والحد من ظاهرة التسرب. كما ساهم سوء الأوضاع الاقتصادية بتفاقم المشكلة، إذ تعاني العديد من العائلات لتأمين اللباس المدرسيّ الموحّد، أو القرطاسيّة والكتب.

ويقول أحد سكان ريف درعا إن الأهالي توقعوا هبوط أسعار اللباس المدرسي ولوازم القرطاسية وغيرها من أدوات المدرسة بعد تطبيق اتفاق تسليم المحافظة للنظام، إلا أن “الوضع بقي على حاله ولم تتم محاسبة المخالفين للأسعار والتجار الذين يبيعونها بضعف سعرها الحقيقي عن أسواق العاصمة دمشق.” واضطر العديد من الأهالي لإرسال أولادهم إلى المدرسة  باللوازم المدرسية القديمة المتوفرة سابقاً كاللباس أو القرطاسية.

وكانت الحكومة السورية قد طرحت قروضاً بقيمة ٥٠ ألف ليرة سورية، لمساعدة العائلات لشراء اللوازم المدرسية كافة من صالات “السوق السورية للتجارة”، إلا أن أعداد المستفيدين منه في مناطق جنوب سوريا كان قليلاً بسبب اقبال الناس الكبير، والخوف من عدم قدرتهم على دفع القسط الشهري نتيجة استمرار الركود الاقتصادي وندرة فرص العمل في المنطقة.

عن التحديات أيضاً يشرح أحد المدرسين المفصولين من عمله في القنيطرة “اضطرت كثير من العائلات لنقل أولادها بشكل يومي إلى مناطق أخرى تتوفر فيها المدارس و التدريس حرصاً على مستقبل أبنائهم، أما البعض الآخر فقد اضطر إلى التعلم في مدارس لا تتوفر فيها أدنى الاحتياجات والمقومات التعليمية، نتيجة لضعف الحالة المادية” مضيفاً أن “رغم استمرار الطلاب بالحضور للمدرسة فإن العملية التعليمية ما تزال سيئة، وهذا يؤدي إلى تراجع مستوى التعليم والإقبال عليه، ويزيد من انتشار الجهل، وتسرب طلاب مرحلة التعليم الأساسي هو الأخطر.”

قبل أن يستعيد النظام سيطرته على المناطق الجنوبية كانت المراكز التعليمية والروضات تعمل مع مراكز للدعم النفسي في المدارس التي رممتها ونظفتها بنفسها. وبعد سيطرته بقيت حال المدارس المدمرة على حالها، وحظيت بعضها بدعم  لوجستي بسيط كترميم الواجهات التعليمية في الصف، وتوفير لوازم القرطاسية الخاصة بالمدرسة لا الطلاب، وطلاء الجدران.

وماتزال الحكومة تعد بتزويد المدارس بمقاعد جديدة، وبمادة الديزل في فصل الشتاء للتدفئة، كما تم رفع كتاب إلى الوزارة المختصة بعدد المدارس المدمَّرة والتي تحتاج إلى إعادة إعمار وتأهيل.

الجامعيون في الجنوب أيضاً دفعوا الثمن

نال طلاب الجامعة أيضاً نصيبهم من آثار الحرب، يقول ضرار- أحد طلاب جامعة دمشق المفصولين- “أنا مع أعداد كبيرة من الطلاب هنا توقفنا عن الذهاب إلى الجامعات فأغلبنا كان يتعرض لمضايقات أثناء السفر لدمشق لأننا من درعا حيث انطلقت الاحتجاجات، وكان طلاب درعا أول المستهدفين  في أي تحرك في الجامعات يناصر الاحتجاجات، مما أرغم العديد منا على الانصراف عن الدراسة والالتحاق بأعمال تساعدهم في تدبير تكاليف المعيشة.”

كما عمد بعض الطلاب لتحويل دراستهم إلى جامعات أقرب كفرع جامعة دمشق في درعا أو القنيطرة، والتحويل من فروع عملية إلى نظرية، باعتبار الأفرع العلمية تحتاج إلى لوازم لوجستية أسعارها مرتفعة، كما أنها تتطلب الحضور اليومي في الكلية وبالتالي توفير السكن والقدرة المادية على المعيشة و التنقل اليومي.

ويصل متوسط حاجة الطالب الشهرية لتكلفة الدراسة بالجامعات إلى ٥٠  ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ يكفي لتغطية الاحتياجات الضرورية فقط كالتنقل وشراء الكتب وملخصات المواد والقرطاسية، في حين لا يصل متوسط دخل الموظف السوري لهذا المبلغ.

كما تعرض عدد كبير من طلاب الجامعة في الجنوب للفصل بعد انتهاء المدة المحددة من الرسوب وفق قانون التعليم العالي للجامعات ، حيث يحدد القانون سنتين رسوب للطالب في السنة الدراسية الواحدة، وإذا تجاوزها الطالب يعتبر في حكم المفصول. وقد اضطر الكثير من الطلاب للانقطاع وفُصلوا نتيجة  خوفهم من الذهاب إلى مناطق النظام، لأنه أو أحد ذويه في المعارضة. ويتسبب الفصل من الجامعة بإلغاء إذن الحصول على تأجيل الخدمة الإلزامية للطلاب الشباب مما يحول الطلاب المفصولين جميعاً لمتخلفين عن الخدمة الإلزامية.

وأصدر مجلس التعليم في الشهر السادس من هذا العام قراراً يقضي بتسوية أوضاع طلاب الجامعات والمعاهد المقيمين في المناطق التي سيطر عليها النظام السوري حديثاً، واعتبر المجلس في قراره فترة انقطاع الطالب المسجل في الجامعات والمعاهد منذ العام ٢٠١٠-٢٠١١ وحتى العام الدراسي ٢٠١٦-٢٠١٧، كما عد العام الدراسي الحالي إيقاف تسجيل لمن يرغب.

ويعني هذا القرار أن السنوات السابقة لا تعتبر سنوات رسوب للطالب، فقد اعتبرها القرار بحكم إيقاف التسجيل في الجامعة، ودفع هذا القرار عدداً  كبيراً من الطلاب المفصولين في جنوب سوريا للعودة إلى جامعاتهم واستكمال عملية إعادة التسجيل، والحصول على إثبات تسجيل في الجامعة للحصول على تأجيل دراسي عن الخدمة الإلزامية مدته عام كامل.

إلا أن العديد منهم فوجئوا برفض شعبة التجنيد إعطاءهم التأجيل الدراسي لأن “معظم الطلاب الذين تم تسوية وضعهم في الجامعات قد تجاوزوا السن المحدد في قانون خدمة العلم السورية للحصول على تأجيل دراسي” بحسب قولهم وبهذا وجد الطلاب أنفسهم مجدداً أمام مشكلة جديدة تمنع استمرار تحصيلهم العلمي.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

تدريباتنا