أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
عندما كانت خضرا، تزور أمي في البيت، كنت أحصل على فسحة قسرية، كنت أطرد من البيت بكلمة ”روح إلعب”، كنت قد تجاوزت سن الثانية عشر بقليل، و صرت أعي أن ثمة سبباً لإخراجي من البيت كلما زارتنا السيدة العجوز ذات التجاعيد، وقد اكتشفت السبب ذات زيارة عندما اقتحمت البيت مسرعاً، لأجد أمي تتربع تحت شجرة العنب بينما تجثو خضرا، على ركبتيها وتحرك خيطا أخذ شكل المثلث لكونه يمر بين أصابع كلتا يديها، وتقبض على جزء منه بين أسنانها، وبحركة تشبه حركة رأس الدجاجة حين مشيها، كان رأس خضرا، يتحرك نحو الأمام والخلف وكأنها آلة، وهنا عرفت لماذا كانت تُسمى “خضرا الحفافة“.
كنت أحسب أنها تسمية محلية بحتة تختص بالمنطقة الشرقية من سورية، لكن لاحقاً اكتشفت أن العراق يستخدم ذات التسمية للمهنة النسائية.
كانت خضرا تنفرد بمهنة بالغة الحساسية في حي كبير ضمن مدينة الحسكة، لم يكن ينافسها إلا مرور بعض نساء الغجر في الحي بين فترة وأخرى، ويطرحن ذات الخدمات بسعر أقل، وكانت النسوة في الحي يستقبلن الغجريات اللواتي يعرفن شعبياً بأحد اسمي (القرباط – الغجر)، بحثاً عن توفير بضع ليرات، في حين أن حجتهن أنهن يتقن العمل أكثر من “خضرا”، والطريف أن غياب “القرباطيات”، بدافع ترحال قبائلهن المستمر، كان يعيد لـ “حفافة الحي”، سطوتها على السوق.
أين الحفافة؟
توفيت خضرا قبل سنوات، ولم يعد لـ “الحفافة” وجود مهني، ومن بقين ممن مارسن هذه المهنة حتى بداية الألفية الثالثة، هن الآن في العقد السادس أو السابع من العمر على أقل تقدير، ومنهن فتون، السيدة التي نزحت مع أسرتها في العام ٢٠٠٥ من محافظة الحسكة نحو ريف دمشق الجنوبي هرباً من الجفاف، وهي حالياً تسكن في محيط بلدة “سعسع”، لتدير شؤون البيت وتنظم حركته في غياب الذكور من أفراد أسرتها لساعات طويلة في العمل، وتوكل لفتون رعاية أحفادها حينما تغادر زوجات أبناءها إلى المزارع القريبة ليعملن في قطاف الخضار.
تقول فتون لـ“صالون سوريا“، عن عملها كـ ”حفافة” ”كنت أحمل صرة أو كيساً من النايلون يحتوي على عدة العمل المكونة من كرة من خيطان القطن التي تستخدم عادة في تجهيز (لحاف الصوف)، إضافة لمقص وملقط شعر وعلبة كريم كان عبارة عن (دهون القطن)، وتعني (فازلين)، وكنت أتقاضى مبلغ ٢٥ ليرة سورية عن حف الوجه، وفي حال كانت السيدة تريد أن تزيل شعر جسدها كانت تدفع مبلغ ٥٠ ليرة إضافية.“
فتون التي ورثت مهنتها كـ “حفافة”، عن أمها، تضيف ”توقفت عن العمل لمدة ست سنوات بطلب من زوجي، لكن سوء الأحوال المعاشية أقنعه بعملي مجدداً، فمهنتي تحتاجها النسوة مثل ما تحتاج القابلة لتوليدهن، وحين عودتي للمهنة كان عدد زبائني يتراوح بين ٥-٨ نساء أسبوعياً، ويصل ما أتقاضاه شهرياً من عملي لنحو ٢٥٠٠ ليرة، وكان هذا مبلغ يساوي راتب موظف في بعض الأحيان، وغالباً ما كنّ يردن تنظيف كامل للوجه والجسد، ورغم احتياجهن لي إلا أن عدداً قليلاً من النساء كنّ يطلبن المساعدة في إزالة الشعر من المناطق الحساسة، وهنا كنا نستخدم السكر الذي نذيبه مع بعضٍ من الليمون أو ملح الليمون لنصنع ما تسميه النساء بـ “العقيدة”، وقد صار تحضير السكر سهلاً بعد ظهوره معلباً في الأسواق، وقد توقف عملي بشكل نهائي بعد أن وصلت إلى ريف الشام، فالمعرفة المسبقة بالحفافة من قبل الزبونات واحدٌ من أهم شروط نجاحها في العمل واستمراريته، كما إن وصولي لهنا تزامن مع زيادة عدد الصالونات، وظهور أدوية وأجهزة إزالة الشعر“.
سمرة، تعمل كفافة في مخيم للنزوح بريف دير الزور الشمالي حيث تعيش، عن ظروف عملها تقول لـ“صالون سوريا“: “أعمل في حف نساء المخيم، وبشكل جماعي، أجلس معهن بالتتالي في خيمة واحدة منهن، فيما تجلس البقية أمام باب الخيمة لمنع دخول أحد من الذكور او الأطفال، وآخر من تقوم بحف وجهها، هي صاحبة الخيمة، فانتهاء الجلسة لأي منهن يعني مغادرتها نحو خيمتها“.
تضيف السيدة التي بلغت العقد السادس من عمرها ”غالباً ما يكون الحف مرة واحدة شهرياً لكل من النساء، وهو يرتبط بتنظيم الجسد بعد انقضاء العادة الشهرية، وغالباً ما تكون الواحدة منهن قد استحمت بشكل سريع خشية أن تشم الحفافة رائحة سيئة منها، وتبلغ قيمة حف الوجه ٢٠٠٠ ليرة، في حين أن تنظيف الجسد بالعقيدة يكلف ٣٠٠٠ ليرة إضافية، وهو سعر أقل بكثير من الصالونات التي تتواجد في المدن“، وتشير سمرة، إلى أنها عادت لممارسة الحف بعد سكنها في المخيم، في حين أنها وحتى السنة الثانية من الحرب لم تكن تمارس هذه المهنة لكون النساء يعتمدن الأساليب الحديثة في التجميل.
سمرة تعتبر جلسات الحف شبيهة بجلسات السهر، فالنساء تتحدث عما يواجهنه من مشاكل زوجية، وحياتية، ثم يتبادلن الأخبار عن نساء أخريات في المخيم، ويتدرج الأمر نحو أخبار المخيم الحساسة من وصول المساعدات، وآخر ما سمعنه من أزواجهن عن أخبار الحرب، فيما يدور حديث بين الحفافة والزبونة عن أشياء أخرى تتعلق بالزبونة على مستوى جسدي، مثل سؤالها للحفافة عن مشاكل في شعر الرأس، أو أمراض نسوية، وتقدم الحفافة بحكم كبر سنها النصيحة الطبية مثل “استخدمي المرهم كذا للفطور، أو الدواء الفلاني لإزالة الألم”، وغالبا ما تكون النصيحة مبنية على تجربة سابقة للحفافة نفسها أو لزبونة عانت من ذات المشكلة.
تنهي الحفافة عملها أحيانا بسؤال “رح تتحممي”، وإن كانت الإجابة بالنفي، تخرج كحلاً عربياً من صرتها لتضع للزبونة منه، ثم تسرح لها رموشها بـ “المسكرة”، والبعض من “أحمر الشفاه”، سيكون إتماماً لعملية تجميل شاملة ورخيصة، لتكون “الحفافة”، صالون تجميل متنقل، لم يعد موجوداً في المدن كما هو الحال في تسعينيات القرن الماضي، ونادر الوجود في يومنا هذا، وحدود امتداده بين أسوار المخيمات أو جغرافيا القرى البعيدة عن الصالونات الحديثة، وإمكانية الحصول على جهاز إلكتروني أو عقاقير دوائية لإزالة الشعر بشكل سريع.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...