تدريباتنا

السجال السوري حول القانون ٣١

بواسطة | نوفمبر 16, 2018

ازدادت صلاحيات وزارة الأوقاف التي تمثل السلطة السورية الدينية الرسمية منذ السبعينات، حين اتجه النظام نحو ضبط الحريات الدينية، وجنت الوزارة ثمار وقوفها مع النظام ضد تيار الإخوان المسلمين، بنيلها سلطات واسعة خاصةً بعد أزمة الثمانينات، واستدعى إخلاص وزارة الأوقاف للنظام ووقوفها معه طيلة ثمان سنوات من الحرب السورية، بل ومشاركتها إياه في إجراء المصالحات مع مناطق عديدة خارجة عن سيطرته، كل هذا استدعى تعزيز صلاحياتها بشكل كبير، لتحتل دوراً ضابطاً لكل “الحريات” الدينية الإسلامية، وكافة الحريات.

ويكمّل القانون ٣١ الجديد دور النظام في تعزيز سلطاته على بقية مناحي الحياة، ولا سيما على المناطق الواقعة تحت سيطرته، بما يتضمنه من تهديد لمبادئ الحريات الدينية وغير الدينية. فهو يهدف لتنظيم شؤون وزارة الأوقاف السورية، وتحديد صلاحياتها، بما يتوافق مع أوضاع السلطة السورية المتغيرة منذ ٢٠١١، وقد أثار هذا القانون وقبله المرسوم ١٦  نقاشاً سوريّاً حاداً شمل كافة قطاعات المجتمع السوري، من الموالاة والمعارضة.

الصحفي والنائب في مجلس الشعب السوري نبيل صالح(1) حاول إثارة الرأي العام ضد المرسوم، لأنه “يهدد علمانية الدولة السورية” بحسب قوله، إلا أن صالح صمت عندما تَحوّل إلى قانون.

فيما نشرت جريدة جيرون مقالاً بعنوان الوباء “العلماني” و”الغباء” الأقلوي (3)، اعتبرت فيه أن كل من يرى في المرسوم حدثاً يُؤسس لدولة إسلامية من “أفغنة، وسعودة” هو مصاب بالفوبيا الإسلامية، وأقلوي. ويشير مصطفى الولي إلى ما يسميه “القطبة المخفية”، وهي بحسب وصفه أن المرسوم “يفتح المجال لرجال المذهب الشيعي ليصبح الاجتياح الإيراني المنهجي متكاملاً الأرض والمجتمع والجيش، ثم المرجعية الدينية.”

من جهته كتب حسام جزماتي مقالاً بعنوان “وزارة الأوقاف بين المرسوم الأمني والطائفية” (4) في تلفزيون سوريا، يستنتج فيه أن “بين الرقابة الرسمية الصارمة وبين الخطاب الهائج (لسرايا الدفاع) المنبعثة على فيسبوك، لن يستطيع جماعة (اعتزال الفتنة) من المشايخ التقليديين في مناطق سيطرة النظام أن ينجوا من آثارها.”

أما إياد الجعفري فكتب في موقع المدن مقالاً بعنوان “المرسوم الذي لا قيمة له”(5) ويسأل فيه “ما الذي أخافكم من المرسوم؟” حيث يرى أن “مرسوم الأوقاف الجديد تعبير عن ثقة النظام في النخبة الدينية المتحالفة معه”، أي أن النظام يكافئ الوزير والمشايخ والقبيسيات، والفريق الشبابي المرتبط به، لدورهم في الصراع منذ ٢٠١١، وهذا التفسير الأقرب للموضوعية.

ويشرح تحليل نشره موقع جسور للدراسات (6) أن القانون ٣١ يُكرس مضمون القانون ٤٩ الصادر عام ١٩٨٠، أي ضد “الإخوان والوهابية، فالقائمين على السلطة الدينية الرسمية – وزارة الأوقاف والمفتي- كانوا يمارسون مهاماً في الدولة والمجتمع، ويملكون امتيازات أمنية واسعة دون محاسبة.” ويشير التحليل إلى أن إحداث “المجلس العلمي الفقهي” هو “بمثابة إعلان عن وجود سلطة دينية رسمية موازية لبقية السلطات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وتمتلك هذه السلطة استقلالية مالية.”

يقرأ منذر خدام بدوره المرسوم في نصه المرسوم (8) من ناحية الصلاحيات الواسعة التي خص فيها وزير الأوقاف والتي لم تمنح لأي وزير آخر. ويقول فيه إن هذه الصلاحيات ” تجاوزت حدود المجال الديني إلى المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والثقافية.” ويرفض خدام اتهامات “الأفغنة” للمرسوم، وكذلك يرفض الرأي المعارض القائل بالتستر العلماني الذي يخفي طائفية المرسوم.

عن المرسوم أيضاً كتب بكر صدقي مقالاً في جريدة القدس بعنوان “عن المرسوم ١٦ ومعارضة النظام من يمينه” (7)، ويرى صدقي أن “الاعتراضات الصاخبة من مواقع تدعي (العلمانية)، في حين أنها كانت في حقيقتها طائفية مناهضة للدين الرسمي (الإسلام السني) لا لدولة دينية” مضيفاً “في حين لا يستطيع النظام تجاوز بنية التركيبة السكانية، أي يشكل السنة أغلبية ثابتة، فإن المعترضين يحلمون بإفراغ سورية من أكثريتها المذهبية.” وهنا يكرر الكاتب تحليلاً لطالما قالت به المعارضة، وهو يتطلب تدقيقاً يخص الفئات الطائفية والعلمانية، وكيف وجدت هذه الفئات، وكيف تطورت، ودور النظام والمعارضة والخارج في كل ذلك.

حزب التنمية المرخص عام ٢٠١٢ والذي يعمل  “تحت سقف الوطن” داخل سوريا أعلن في بيان نشره (9) “لا نرى موجباً للتحامل على المرسوم والتشكيك بمقاصده وأهدافه من جهة، كما لم نلمس أنّه يعطي لوزارة الأوقاف سطوة أو تدخلاً في عمل غيرها من الوزارات.” وهنا تبرز عقلية سياسية تخشى عواقب نقد أية سياسات للنظام؛ فهو حزب يَزن سياساته بمقياس البقاء والاستمرارية.

في موقع “عربي”2” كتب محمد خير موسى “قراءة متأنية في الدلالات والمخاطر” (10)، بين فيها أن “المرسوم ينتقل إلى مرحلة جديدة تعلن بكل وضوح لا لبس فيه أنه لا فصل للدين عن الدولة بعد الآن، بل سيكون الدين من اللحظة بكل تفاصيله، خاضعاً خضوعاً مطلقاً للدولة.” وهذا المرسوم “محاولة إضافية لسلب أعز ما يملكه شعب ووطن: الهوية والحضارة.” وبهذا يقصد الكاتب أن المرسوم سيقمع حريات الطائفة السنية فيما لا تفرض أية شروط على التشيّع الإيراني في سورية.

أما الدكتور محمد حبش فيؤكد في حوار مع جريدة عنب بلدي نشر تحت عنوان “قانون الأوقاف الجديد.. سمٌّ في عسل “الديمقراطية” (11) أن خطر القانون يكمن “بوقف الإبداع والتنوير لأن الوزارة ستحتكر الخطاب، وهو خطاب سلفي، فحتى المفكر العلماني الذي يريد أن يكتب بشأن ديني يمكن أن يتعرض لسؤال من الأوقاف، الأوقاف الآن موجودة في مراقبة الكتب، لكن ستتوسع صلاحيتها بما يشمل كل ما ينشر ويطبع.” وفيما يتعلق بقضية أملاك وزارة الأوقاف يقول حبش “البنود المتعلقة باستثمار الوقف التاريخي، والواردة في المادة /٥٤/، لم تتغير، وكان منتظرًا منه استثمار الوقف التاريخي الهائل الذي كان يزيد على نصف مساحة دمشق.”

وبهذا يثير حبش قضية الأملاك الكبيرة وكيفية استفادة الدولة منها، وقضية الحرية الملغاة في التفكير السلفي، وخطورة هذه العقلية التي تتحكم بوزير الأوقاف على قرارات الوزارة وكل علاقة بينها وبين بقية الوزارات، والتي تدعم البنية الاجتماعية المحافظة للمجتمع السوري.

وتتجاوز هذه الأجواء أسباب الخلافات الفكرية والسياسية، لتصل إلى تأجيج خطاب الكراهية المتبادل بين المعارضين والمؤيدين، ولأتفه الأسباب تُجيش  قضية حساسة -كمسألة الدين وحرياته والعلاقة بين الأديان والمذاهب والطوائف- الجمهور السوري وتساهم بازدياد الشرخ القائم في المجتمع؛ ومن هنا تأتي خطورة هذا القانون.

علماً أن هذا القانون وكل ما أصدره النظام من مراسيم وقوانين، طيلة السنوات الثمانية، سيكون عرضة للشطب مع أية تسوية سياسية تتوصل إليها روسيا وأمريكا؛ وبالتالي القانون ورغم توضيحنا لأسباب صدوره، فقد يكون عرضة للإلغاء مستقبلاً.

 

المراجع:

ردّت وزارة الأوقاف عبر أحد المختصين القانونيين على أراء نبيل صالح بـ ” http://syriahomenews.com/2018/09/29/هذا-ماكتبه-عضو-مجلس-الشعب-نبيل-صالح-ضد

2- https://www.syria.tv/content/هل-مرسوم-أوقاف-النظام-مشروع-لـتشييع-سوريا؟

3-  https://geiroon.net/archives/138547    .

4-  https://www.syria.tv/content/وزارة-الأوقاف-بين-المرسوم-الأمني-والطائفية

5- https://www.almodon.com/opinion/2018/10/3/المرسوم-16-الذي-لا-قيمة-له

6-jusoor.co/…/قانون%20وزارة%20الأوقاف%20تنظيم%20المؤسسة%20الدينية%20أم%20…

7-https://www.alquds.co.uk/عن-المرسوم-16-ومعارضة-النظام-من-يمينه/

8-قراءة متأنية في المرسوم (16) الناظم لعمل “وزارة الأوقاف”

9-dp-sy.org/ar/data/242-16

10-https://arabi21.com/…/المرسوم-16-للأوقاف-السورية-قراءة-متأنية-في-الدلالات-والمخاط…

11- https://www.enabbaladi.net/archives/257335

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

مع بدء الحرب السورية تمكنت المؤسسات والمنظمات غير الربحية المندرجة تحت مظلة المجتمع المدني من إثبات وجودها وترك بصمتها على أرض الميدان، فكانت الجمعيات الخيرية والمبادرات الفردية الإنسانية أولى الجهات غير الرسمية التي استطاعت توسيع دورها على خارطة العمل وإنقاذ الفئات...

تدريباتنا