تدريباتنا

السوريون والانطلاقة الجديدة لقنواتهم

بواسطة | سبتمبر 3, 2018

ثمانية وخمسون عاماً من البث، وما زال التلفزيون السوري يبحث عن هويته، التي غيرها أربع مرات منذ افتتاحه في ٢٣ تموز/يوليو عام ١٩٦٠.

مصادر رسمية في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية قالت “إن الهيئة قررت تغيير الهوية البصرية القديمة للقنوات التلفزيونية بعد تلقيها العديد من الانتقادات لعدم وجود معاني ودلالة للوغو السابق، البوابة الدمشقية” وإن وزير الإعلام السوري عماد سارة اختار اللوغو الجديد وهو الوردة الدمشقية، من مجموعة اقتراحات قدمت له.

وكان الوزير سارة وعد في مقابلة له مع طلاب كلية الإعلام في جامعة دمشق، بتغييرات نوعية على مستوى الشكل والمضمون في القنوات السورية، قائلا: “إن الرؤية البصرية تأخر إنجازها بسبب الحرب الدائرة في البلاد”، منوهاً بالانفتاح الكبير للوزارة على كلية الإعلام آملاً أن يغذي طلابها وسائل الإعلام “بدماء جديدة لتغيير الرؤية القديمة” بحسب تعبيره. وتضم القنوات السورية كلاً من الفضائية والإخبارية ودراما والتربوية ونور الشام وسوريانا.

وطلبت وزارة الإعلام من كلية الإعلام ترشيح عدد من الطلبة المتميزين للعمل كمذيعين ومذيعات ضمن الهيئة مع الانطلاقة الجديدة، لكن مصدراً في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أكد أنه لم يتم قبول أي من الأسماء المرشحة، حيث تم اختيار مجموعة أخرى دون معايير واضحة، دُربّت لمدرة شهرين فقط لتكون وجه الانطلاقة الجديدة.

سارة نفسه اعترف في حواره مع طلاب كلية الإعلام بوجود “الواسطة”، لكنها برأيه “تنعدم عند وجود التميز والاجتهاد والمثابرة”، أما عن سبب رفض الترشيحات التي جاءت من الكلية فهي بحسب المصدر “لأن الانطلاقة الجديدة بحاجة لمذيعات جميلات وأنيقات المظهر وذكيات إضافة إلى كونهن صغيرات السن وهي مواصفات لم تتوفر بطالبات الإعلام.”

لكن المفاجأة كانت بعدم ظهور أي ممن تم تدريبهم خلال الشهرين الماضيين، حيث جرى استبدالهم أيضا بأخريات قبل يوم واحد فقط من الانطلاقة الجديدة، وذلك بقرار من مدير البرامج الصباحية الجديد عماد الجندلي.

إذا تم رفض ترشيحات كلية الإعلام، ثم المجموعة المدربة ليستعاض عنهم بخمس صبايا “سوبر موديل” بحسب وصف زملاء لهن، اختارهن الجندلي. عُرف من المذيعات المختارات، جيدا الخالدي شقيقة مذيعة قناة سما الفضائية جودي الخالدي التي كانت موجودة إلى جانب الجندلي خلال تقديمه لبرنامج “آخر كلام” على الفضائية السورية، وقد تلقى البرنامج سابقاً نقداً سلبيا لمضمونه وطريقة تقديمه.

الإنطلاقة همشّت العديد من العاملين الأساسيين الذين لم يعلم بعضهم بالإنطلاقة الجديدة حتى شاهدوها كما الجمهور على الهواء مباشرة، فيما استبعدت أسماء عديدة من العمل دون تبرير.

رهف إحدى المعدات في برنامج “صباح الخير” على الفضائية السورية والتي فضلت عدم ذكر اسمها، تقول”إنها استبعدت من فريق إعداد البرنامج قبل ساعات فقط من انطلاقة التلفزيون الجديدة إلى جانب أسماء كثيرة من العاملين القدامى، لصالح أشخاص جدد لم تعرف صفتهم أو الشهادات التي يحملوها بعد، فالهيئة لم تعلن عن أي مسابقة لتوظيف عاملين في التلفزيون، الذي يعاني من تخمة في كادره البشري أصلا.”

وخارج التلفزيون، ترافقت الانطلاقة الجديدة للفضائيات السورية  مع حملة تهكم وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر البعض أن الرؤية اقتصرت على الشكل دون المضمون، فيما رأى آخرون أن التغييرات كانت “غير موفقة”. كالمخرج السينمائي المهند كلثوم والذي كتب على صفحته في الفيسبوك “بيخطرلي هالدورة البرامجيه كانت عم تتأخر…لأنو هالتلفزيون بلش بسن اليأس” كذلك اختلف المعلقون على تشبيه الشعار الجديد بين “كعك العيد ـ البتيفور”، و “الخسة” أكثر من كونه وردة.

الناشط على وسائل التواصل الاجتماعي محمد برافي علق على انطلاقة التلفزيون الجديدة بمنشوره “ما هذه الانطلاقة المثيرة، وما هذه الدقة اللي عم تصوروا فيها بموبايل نوكيا، الله يفرج.”

أما الصحفي المتقاعد أبو محمد فقال “إن التغييرات الأخيرة هي عادة درج عليها المسؤولون السوريون في الأعوام الأخيرة، فمع كل إدارة أو وزير جديد يشلح التلفزيون هويته البصرية ليبني هوية جديدة لا تعبر عنه بقدر ما تعبر عن المدير الجديد.”

ويضيف أبو محمد “لوغو القناة الفضائية عادة ما يعبر عن هويتها وسياستها وفرادتها وتميزها عن مثيلاتها، حيث تنفرد كل قناة بشعار خاص بها معبرًا عن معلم بارز أو هوية وطنية متعارف عليها في الدولة، وحتى الآن يبدو الإعلام السوري محتارا في اختيار ما يمثله بين السيف الدمشقي أو الأزهار و البوابات الدمشقية”، يضحك مستدركاً  “لكن المشترك بين كل المسؤولين السابقين هو أنهم اختاروا رمزاً دمشقيا للتعبير عن هوية القنوات التي من المفترض أنها تمثل سوريا كلها!”

من جهة أخرى، عبر البعض عن إعجابهم بالرؤية الجديدة، كالصحفي السوري حيدر مصطفى المقيم في لبنان، قائلاً “أول مرة بحياتي بستمتع لهي الدرجة بمشاهدة التلفزيون السوري، وجوه جديدة مميزة، وبرنامج الصباح على السورية صار بينحضر وبقوة، برافو للكل، ومتل ما مننتقد الخطأ واجب نقول كلمة حق، معالي الوزير عماد سارة عمل اللي ما حدا عمله قبله، عم يقدر يرجع لشاشتنا الوطنية ألقها، برافو كبيرة ويعطيه العافية.”

بدورها اعتبرت الدكتورة في كلية الإعلام نهلة عيسى أن التغييرات الجديدة خطوة أولى  لتحسين الصورة البصرية للإعلام المرئي آملة أن تتبعها خطوات أخرى لتحسين المضمون الإخباري والإعلامي، وأيضاً تحسين أداء المذيعين والمحاورين “بهدف خلق منظومة إعلامية متكاملة متناغمة على كافة المستويات” بحسب ما قالته مضيفة “مشوار الألف ميل دائماً يبدأ بخطوة” وذلك خلال لقائها وزير الإعلام عماد سارة الذي رد عليها مازحا إنه اختار تاريخ عيد ميلادها ليكون موعدا للانطلاقة البصرية الجديدة للإعلام المرئي السوري.

ثمانية وخمسون عاماً مرت على انطلاق شارة التلفزيون السوري من قمة جبل قاسيون، لينطلق من جديد مع عاملين جدد في ٢٧ آب/أغسطس عام ٢٠١٨، ومع كل وزير جديد يحاول التلفزيون مصالحة جمهوره الذي انشق عنه منذ تسعينات القرن الماضي لصالح الفضائيات اللبنانية والعربية الأخرى، فهل يقبل المشاهد السوري العودة إلى حضن الفضائية السورية بعد أن رفعت شعار الوردة الدمشقية؟

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا