تدريباتنا

السوريون و “رحلة الموت” الى بيلاروسيا… بحثاً عن الحياة

بواسطة | نوفمبر 13, 2021

“لن تصدق، هي رحلة إلى الموت حرفياً”، يقول عامر وهو اسم مستعار لناشط سوري تحدث لـ “صالون سوريا” عن رحلته إلى أوروبا عبر بيلاروسيا. الناشط المعروف في مدينته رفض الكشف عن اسمه، لما أسماه تخوفاً من السلطات الألمانية التي وصل بلدها أخيراً. وقال: “خمسة عشر يوماً، لن أنساهم ما حييت”. لا شك، انه لا يرغب الخوض في التفاصيل الدقيقة، فالشاب الواصل حديثاً إلى ألمانياً يقول إنّ السلطات هناك ستسحب الهواتف منهم لبضعة أيام كإجراءات احترازية وروتينية في ذات الوقت.
يقول عامر بأنّ رحلته إلى ألمانياً كانت محفوفة بالمخاطر والمجازفات، واصفاً إياها بالأهوال. خلال الحديث معه، سرعان ما راح يشرح سبب سفره، متناسياً لوهلة عناء ما كابده حتى وصل، ذلك أنّ السوريّ ما كان ليسافر لولا أنّه ضاق ذرعاً بما يحصل حوله، ولكلّ مهاجر أسبابه المقنعة.
“صالون سوريا” خاطبه خلال الحديث الالكتروني عبر أحد وسائل التواصل الاجتماعي بـ”الاستاذ”، ليحتد عامر ويجيب بكلمات غاضبة: “لا أستاذ ولا طالب. الوضع كان صعبا، وصار في كتير ضغط عليّ، واضح أنه اللي بيشتغل نظامي بيطحنوه وبيحرقوه، وفي أفضل الأحوال يقصوه ويحطوه على الهامش”. لم يشرح الناشط أيّ نوع من الضغط يقصد، ولكنه استطرد: “ضيعت عشر سنين من عمري في سوريا”.
يؤكد الآن أنّه في أفضل حال: “وصلت من أيام إلى ألمانيا. الآن ولدت من جديد”. ويضيف: “اليوم حددوا لنا مقابلة بعد خمسة أيام، لا زلت في الكامب، اليوم وضعوا الأرقام والأسماء، طبعاً هناك عدة لقاءات، من أجل اللقاح، ومعاينة طبيب، وأشياء أخرى، وقد تتطلب الأمور نحو شهرين، قبل الاستقرار، لذا يظلّ الواصل خائفاً هذه الفترة، فمن الممكن أن تتعقد الأمور، أو أن تمرّ بخير وسهولة”، يتعمد عامر أنّ يهرب من تفاصيل مرّ بها في الفترة الأخيرة، ربما هي نشوة الفرح بالوصول، وربما هو الحلم ببداية حياة جديدة لا ذكرى فيها لأيّ حزن مرّ، وقد يتفق ذلك الطرح مع ملهم الجاني وهو مهندس آخر قد وصل ألمانيا بذات الطريقة، يقول باقتضاب ل”صالون سوري”، “وصلت وفقط، ليكن الله بعون العالقين هناك”.
يبدو حال عامر وملهم أفضل من آلاف العالقين في العراء، في البرد، في مواجهة مصير غامض حتى الآن على الحدود البيلاروسية. لكنّهما بحظ السوري، وللسوري حظ واضح، إذ أنّه من نجا من الموت لعشرة أعوام، لا شك يملك من الحظ الكثير، من لم يمت هنا، اختار، بعضهم على الأقل، تجربة فرصة النجاة والمقامرة على الموت، على حدود دولة، كثرٌ منهم، وربما معظمهم، لم يكن يعرف مكانها أو حدودها على الخريطة، قبل عشرة أعوام وبضع.
وقبل عشرة أعوام، كان بلدهم يتصدر قائمة الدول الأكثر أمناً على الخارطة، أما اليوم وبكل بساطة فإنّه يتذيل قائمة الدول الآمنة، وعلاوةً على ذلك، ليس أصعبّ من أن يجد السوريّ نفسه لاجئاً داخل بلده، ونازحاً، ومعدماً، وفقيراً، وغريباً.

تفاصيل اليوم
تواصل “صالون سوريا” خلال الأيام الحالية مع عدد من العالقين على الحدود البيلاروسية – البولندية، أكدّوا أنّ الوضع يفوق الخيال. مأساويٌّ للغاية، وفي ذات الوقت فإنّ البيلاروسيين والبولنديين أيضاً، لم يقصروا في هذا الإطار، يحاولون تأمين الأغطية وشيء من التدفئة البسيطة، وكذلك مدّ العالقين بالأخشاب الناشفة لاستخدامها في التدفئة، وهذا الخشب سريع الاشتعال، يستخدمه العالقون للتدفئة طوال الليل، في ظل درجات حرارةً باردة جداً، وآخذة بالتناقص في هذه الفترة من العام.
مازن (34 عاما) واحدٌ من العالقين هناك، يقول: “ننتظر أن يكون هناك حل من الجانب الأوروبي لاستقبالنا، نحن نتجمد هنا، وقد نموت من قلة الغذاء والبرد إذا طال وقت مكوثنا القسري”.
ويشترك الجميع، العالقون والواصلون، في مخافة إرسال صور ومقاطع فيديو توثق وجودهم وأوجههم، خشية أي طارئ غير محتمل.

الرحلة
“صالون سوريا” تتبع خط سير رحلة السوريين التي تبدأ من مطار دمشق الدولي، بحجز رحلة إلى دولة بيلاروسيا، تحديداً إلى العاصمة مينسك، ومن هناك باتجاه الحدود البيلاروسية – البولندية وهناك منطقتان حدوديتان مستهدفتان، منطقة بريست، ومنطقة هيلدونا، هناك يوجد مثلث حدودي بين ليتوانيا وبيلاروسيا وبولندا، ومن جهة الجنوب أوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا، ومن مينسك يستقل السوري سيارة تكسي توصله إلى غابة تحاذي السياج البيلاروسي.
المنطقة العازلة بين بيلاروسيا وبولندا تمتد بنحو 450 كيلو متر، وعلى طول هذه الحدود تنتشر حواجز أمنية، أحياناً يكون بين الحاجز والآخر عشرات الكيلومترات، وأحياناً عشرات الأمتار، على حسب وصف دقيق قدمه عالقون هناك لـ “صالون سوري”، فضلاً عن الأنهار والسواقي والمستنقعات والغابات الكثيفة التي يواجه المهاجرون خطر الضياع فيها في حال لم يمتلكوا دليلاً محلياً مرافقاً أو خدمة gps، لذا فإنّ هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر.

المهاجرون
بعد قرار الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشنكو السماح للمهاجرين بعبور أرضه بدأت موجة كبيرة جداً بالتدفق إلى الحدود عبر دولته، ولم يكن هؤلاء المهاجرون من حملة الجنسية السورية فقط، بل إلى جانبهم عراقيون ويمنيون وصوماليون وجيبوتيون وسودانيون وأفارقة وآسيويون آخرون، فباتت بيلاروسيا تحتضن الناس من كل حدب وصوب، وبين كل أولئك الأكثر هم السوريون والعراقيون واليمنيون.
مصدر في أوروبا أشار لـ “صالون سوري” أنّ المهاجرين ليسوا أفراداً فقط، بل يتميز هؤلاء المهاجرون، بأنّهم أسر بأكملها، بمن فيهم من أطفال ونساء وشيوخ ورجال، ويلاحظ ذلك بشكل جليّ في العوائل العراقية على وجه الخصوص. وأوضح أنّ وصول المهاجرين إلى المنطقة الحدودية يجعلهم خارج القانون، وبالتالي لا يمكن لهم العودة من حيث جاؤوا، حيث انّهم دخلوا بيلاروسيا بطريقة شرعية، لكنهم اتجهوا إلى حدودها بطريقة غير شرعية، والجيد أنّ البولنديين يتعاملون بشيء من الإنسانية مع العالقين، البولنديون يسيرون سيارات ليلية بمكبرات صوت تقول: “أنتم المهاجرون القادمون من جنسيات متعددة، أنتم جئتم بطريقة غير شرعية، كان عليكم الحصول على فيزا من بلدك، أو القنصليات المتواجدة في البلدان القريبة منك”.
البولنديون حذوا حذو البيلاروسيين في تقديم الماء والخبز والأخشاب وبعض وسائل التدفئة إلى المهاجرين، البيلاروس بشكل مباشر، والبلونديون من فوق السياج عبر رميها للعالقين.

قليل من كثير
كثير من التفاصيل التي قد يبدو لا حصر لها يمكن كتابتها عن المهاجرين العالقين على حدود بولندا، إلّا أنهم وباختلاف مشاربهم لا شك كانوا ضحايا، مرة ضحايا الحرب، ومرة ضحايا الاستثمار السياسي البيلاروسي.
يبقى أنّ كل ما ورد من معلومات في هذه المادة، على كثرتها أو قلتها، هي بعض من مأساة بشر يدفعون ثمن حروب بلادهم، عالقون تحت المطر وفي أشد ظروف الطقس برودة، ومع شبه انعدام لموارد الماء والغذاء الكافيين، لذا، فكل ما رود هنا، هو جزء يسير من شهادات أناس لا زالوا عالقين، أو آخرون حالفهم الحظ ووصلوا البرد الأوروبي.
كل ما ورد هنا هو روايات انسانية لا سياسية جاءت على لسان المهاجرين، مهاجرون كل همهم أن يصلوا بلداً جديداً ليحيوا حياةً جديدة لا خوف فيها ولا قتل ولا دماء.. ولا جوع أو فقر.

مواضيع ذات صلة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

تعرّض زكي الأرسوزي (1899-1968 م) لإهمال كبير، ولم يُكَرَّس في الأدبيات الفلسفيّة العربيّة إلا على نحوٍ عَرَضيّ، بصفته أحد دعاة الفكر القوميّ، ومؤسِّس فكرة حزب البعث العربيّ، التي أخذها ميشيل عفلق منه وحوّلها إلى تنظيم سياسيّ فاعل في سوريا، وتلاشى ذكر الأرسوزي مع تلاشي...

مواضيع أخرى

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

لا يختلف اثنان أنّ الدراما السورية أحدثت فارقاً وصنعت بريقاً أخاذاً في فترةٍ ذهبيةٍ امتدت ما بين عامي 2000 و2010. وتحديداً ما بين مسلسل الزير سالم الذي أخرجه الراحل حاتم علي ووضع فيه الراحل ممدوح عدوان عصارة ما يمكن لكاتب المجيء به نصاً وحواراً وأحداثاً ليجعل منه...

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

أهتم كثيراً بمتابعة الدراما العربية، خاصة السورية، وثمة مسلسلات سورية لامست أوجاع السوريين وما يتعرض له الشعب السوري مثل مسلسل غزلان في غابة من الذئاب للمخرجة المبدعة رشا شربتجي. هذا المسلسل أثلج قلوب السوريين كلهم لأنه حكى بصدق وشجاعة ونزاهة عن أحد كبار المسؤولين...

الأمهات في سورية: عيد ناقص

الأمهات في سورية: عيد ناقص

غدت الأمومة في سورية مهمة قاسية ومثقلة بالهموم واكتسبت أوجهاً كثيرة، إذ انتزعت الحرب دور "الأم" الأولي المناط بالعطاء والتربية والمساند المادي الثانوي، وبدأت كثير من الأمهات يلعبن دور المعيل الأساسي ومصدر الدخل الوحيد لتحمل نفقات الأسرة في ظل غياب قسري أو اختياري...

تدريباتنا