تدريباتنا

السويداء…خيارات صعبة بعد النأي بالنفس

بواسطة | نوفمبر 10, 2021

رغم محاولاتها الحفاظ على الحياد، عانت محافظة السويداء جنوب سوريا ذات الغالبية الدرزية ويلات الحرب في سوريا، ووضعتها هجمات “داعش” و “جبهة النصرة” منذ العام ٢٠١٤ أمام خيارات صعبة جعلت حالة النأي بالنفس تبتعد عنها وانخرطت بها المحافظة ضمن طرق مختلفة. لم تعارض وجود قوات الحكومة عسكرياً وإدارياً وخدمياً، وشكلت فصائلاً محلية التسليح منفصلة عن مجموعات وتشكيلات الحكومة السورية مثل “قوات الدفاع الوطني” واللجان الشعبية ومجموعات الأمن العسكري التي تعتبر تابعة لجهات عسكرية سورية رسمية.
وبدأ صعود نجم الفصائل المحلية المسلحة في السويداء منذ تشكيلها في عام 2014 من قبل الشيخ وحيد البلعوس، إثر هجوم على دير داما في السويداء الشمالي الغربي بتاريخ 14 أغسطس (اب) 2014، بعد أن قدمت “النصرة” من مناطق اللجاة في درعا. واستطاع البلعوس برفقة 40 مقاتلا “تحريرها من عناصر الجبهة”. وأيضاً عندما هاجم “داعش” السويداء لأول مرة في 17 من مايو (ايار) من عام 2015 من قرية “القصر” التي سيطر عليها التنظيم باتجاه قرية الحقف أقصى شرق السويداء من جهة البادية، حيث دخل الحقف ٤٠٠ “داعشي” وقتلوا 3 من أهلها بينهم يافع وسيدة، وأُجبر عناصر التنظيم على الانسحاب بعد مقاومتهم من أهالي البلدة وتدخل القرى والبلدات المجاورة والفصائل المحلية.
وحظيت هذه التشكيلات بتأييد شعبي كبير في السويداء بعدها، خاصة وأنها وقفت مع المظلومين والمطلوبين من أبناء الجبل وضد حالات الاعتقال التعسفي والتجنيد الإجباري المفروض في سوريا، وحالات الخطف، وفرضت نفسها في المحافظة على الجميع بما فيها سلطة الحكومة السورية وباتت السلطة الحكومية شكلية في السويداء، باعتبار أن هذه التشكيلات تظم أعداد كبيرة من المسلحين المحليين من أبناء الجبل ووقفت في عدة مناسبات ضد خروقات نفذتها عناصر من النظام بطرق تظهر قوة وسلطة هذه الفصائل وتجبر الحكومة على التعاطي مع المسألة بطرق سلمية، التي تؤيدها أيضاً هذه التشكيلات.

حدثان مفصليان
بقي مواطنون في السويداء، حسب نشطاء معارضين، يتطلعون إلى سوريا رغم ما حل به من أمراض اجتماعية وسياسية منذ عام 2011 على أنه “الوطن العقائدي الغير طائفي الذي يمكن أن يتعافى ويتعاطون مع الأحداث السورية والحكومة السورية منذ عام ٢٠١١ بطريقة تحكيمية ومنطقية لا تبعدهم عن المجتمع السوري وعن الحكومة السورية”، لكن حدثين مهمين شهدتهما المحافظة ساهما بتغيرات جذرية فيها، الأول عام 2015 يوم اغتيال مؤسس “رجال الكرامة” وحيد البلعوس، وتفحير المشفى الوطني الذي راح ضحيته عشرات المدنيين، واتَهم مناصرو “الحركة” جهاز الأمن العسكري بتنفيذه. الثاني، هجوم “داعش” على السويداء في شهر تموز من عام 2018، الذي أسفر عن سقوط ما لا يقل عن 250 ضحية من النساء والأطفال والشيوخ، وخطف نساء وأطفال، بعد هجوم “داعش” على القرى الشرقية من ريف السويداء المتاخمة من البادية السورية بشكل مباشر.
حينها اتُهمت الحكومة السورية بتسهيل هجوم “داعش” على المنطقة وأنها سحبت مجموعاتها والسلاح من “الدفاع الوطني” واللجان الشعبية من تلك المناطق قبل ليلة من الهجوم، إضافة إلى قطع الكهرباء عن تلك القرى والبلدات في تلك الليلة القاسمة. كما ان المهاجمين تنظيم “داعش” كانوا من عناصر التنظيم الذين نقلوا إلى مناطق البادية السورية القريبة من السويداء من مناطق جنوب دمشق في مخيم اليرموك والحجر الأسود والقدم، بعد معارك عنيفة هناك خاضتها الطائرات الحربية الروسية والقوات السورية في عام 2018، وكانت الحالة الشعبية في السويداء قد حملت الحكومة السورية مسؤولية ما حدث.
فأرسلت الحكومة السورية تعزيزات الجيش إلى المناطق الشرقية في السويداء وخاضت حربا استمرت 3 أشهر مع عناصر التنظيم هناك واستطاعت بعدها فرض سيطرتها على المنطقة التي دخلها عناصر “داعش” والمتاخمة للسويداء، وثبتت نقاط عسكرية للجيش في المنطقة.
حاولت الحكومة السورية إعادة ضبط موقفها في السويداء بعد أن كانت الحالة الشعبية قد اتهمتها بتسهيل هجوم “داعش” عليهم، من خلال تعاطي الحكومة السورية مع ملف المختطفات من السويداء مع التنظيم وعددهن ثلاثين هم 14 امرأة و16 من أولادهن، وفشلت كل محاولات التفاوض مع التنظيم لإطلاق سراح المختطفين من السويداء وقتل التنظيم نتيجة لفشل المفاوضات مع السويداء 5 من الرهائن ثلاث سيدات وطفلين وشاب. وبعد المطالب التعجيزية من “داعش” وتلقي اللجنة المخولة بملف المختطفين في السويداء اتصالات داخلية وخارجية للتعاطي مع ملف المختطفين، فضل حينها أصحاب المشورة والرأي في المحافظة التعاطي مع الحكومة السورية وأجريت اتصالات رفيعة المستوى، وتم اطلاق سراح المختطفات الدرزيات من التنظيم عبر عمليتي تبادل حدثت أول عملية اطلاق سراح جزئية للمعتقلات في منتصف اكتوبر عام 2018 شملت سيدتين وأربعة أطفال، والعملية الثانية شملت بقية الرهائن المعتقلات في بداية شهر نوفمبر 2018.

امتصام الصدمة
بذلك امتُصت الصدمة في السويداء بعد تعاطي الحكومة السورية الفعلي مع ملف المختطفين والمعارك التي خاضتها القوات الحكومية وراح ضحيتها ما يزيد عن ألف جندي سوري من المصابين والقتلى، بعد تلك الحوادث باتت سلطة الحكومة السورية الأمنية شكليه. وانتشرت سلطة الفصائل المحلية أكثر وعززت عناصرها وسلاحها أكثر في السويداء، وباتت المرجع الوحيد لأبناء الطائفة في السويداء لتعاطي مع ملفاتهم الأمنية والعسكرية وغيرها. و بعد زيارة رئيس شعبة المخابرات العسكرية كفاح ملحم إلى السويداء ولقائه شخصيات من الفصائل المحلية، ُفتح باب تعاطي الفصائل المحلية في السويداء مع الحكومة السورية بالملفات الأمنية المتعلقة بأبناء السويداء، خاصة وأن هذه الفصائل لا ترفض وجود النظام السوري وأجهزته الأمنية في السويداء، ولم تهاجم أو تقف معه عسكرياً، إنما وجودها لحماية الأرض والعرض والدفاع عن السويداء من كل الاعتداءات، وفقاً لما كانت تقوله حين إعلان تشكيلها.
وعصفت بالسويداء مفرزات الحرب من انفلات أمني وانتشار الجريمة، حيث كثرت أعمال القتل والخطف والسرقة، وانتشار السلاح المنفلت، وتراجع الحالة الاقتصادية، وتشكيلات مسلحة غير مسجلة أو منتسبة أو تابعة لقوات النظام السوري أو أجهزته الأمنية. كما أنها شهدت مظاهرات مناهضة للنظام السوري بطرق سلمية منذ عام 2011 وحتى عام 2020، دون تخرج عن سلطة النظام التي باتت شكلية في السويداء وغير فعلية.

فوضى… وتعاطي
وسط عدم تعاطي الفصائل المحلية المسلحة مع المسألة، وابتعاد دور السلطة الأمنية للحكومة السورية أيضاً، فالجميع أصبح يحمل بعضه مسؤولية ما حصل وما أوصل المحافظة إلى هذه المرحلة من العشوائية. وبحسب ما قاله المكتب الإعلامي لـ “حركة رجال الكرامة”، “لا بد أن تكون العلاقة بين السلطة والشعب مبنية على واجبات والتزامات من كلا الطرفين، والحكومة مطالَبة اليوم بالدرجة الأولى بتحسين الوضع المعيشي والاقتصادي للسكان. وهناك مطالب عديدة من أهالي المحافظة للحكومة السورية، لإنعاش الوضع المعيشي، الذي يمر بأسوأ مراحله”.
ومؤخراً تحاول دمشق التقرب من السويداء أكثر خاصة بعد أن انتهت من ملف الجنوب السوري في درعا والقنيطرة عبر التسويات وتسليم السلاح الخفيف والمتوسط، وكانت أولى خطوات دمشق بالمرحلة الجديدة في السويداء تلقي اللجنة الأمنية في السويداء تعليمات بعقد اجتماع ورفع ملفات السويداء العالقة إلى دمشق لبحث طرق حلها. ولم يأت أي طرح بعد إلى السويداء التي اعتبر فيها شخصيات دينية وعشائرية أن المشكلة الأبرز هي الحالة الاقتصادية وتحسينها وتحسين خدمات الدولة في السويداء سوف يساعد على حل بقية الملفات، لا سيما وأن مصادر حكومية أكدت أيضاً أن السويداء “لا تحتوي على ملفات لجماعات إرهابية، وأغلب الملفات هي ملاحقات أمنية بحق أشخاص مسلحين لدى فصائل غير مسجلة في الدولة، ويتم حل موضوعهم بالتسوية الفعلية، ولكن يبقى موضوع السلاح المنتشر بحاجة إلى حل وضبطه ضمن مجموعات محلية رسمية مسجله، أو تأطيره بطرق منضبطة”.

مواضيع ذات صلة

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

ياسين الحافظ كاتبٌ ومفكر سياسي سوري من الطراز الرفيع، يعدُّ من المؤسسين والمنظرين للتجربة الحزبية العربية. اشترك في العديد من الأحزاب القومية واليسارية، ويعدُّ الحافظ في طليعة المفكرين التقدميين في العالم العربي، اتسم فكره بالواقعية النقدية، تحت تأثير منشأه الجغرافي...

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

مواضيع أخرى

زكريا تامر بوصلة التمرد الساخرة

زكريا تامر بوصلة التمرد الساخرة

"أكثر قصصي قسوة هي أقل قسوة من الحياة العربية المعاصرة، وأنا لا أستطيع وصف السماء بجمالها الأزرق متناسياً ما يجري تحت تلك السماء من مآس ومجازر ومهازل.. صدّقني الأسطورة أصبحت أكثر تصديقاً من واقعنا المرير" بهذا التوصيف العاصف يلخص الكاتب السوري زكريا تامر (1931) تجربته...

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

افتحوا النوافذ كي يدخل هواء الحرية النقي

افتحوا النوافذ كي يدخل هواء الحرية النقي

يصدمنا الإعلام الاجتماعيّ كل يوم بمقاطع فيديو وأخبار حول امتهان كرامة الإنسان في سورية عن طريق استفزازات لفظية وعنفٍ جسديّ يُمارَس ضد أشخاص تصنّفهم الآلة الإعلامية للمرحلة الانتقالية على أنهم من "فلول النظام“ السابق. ولقد سمعنا عن أشخاص تُقتحم بيوتهم...

تدريباتنا