أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
لطالما خطرت في ذهني وأنا أفكّر بالوضع الذي آلت إليه الأمور في سورية في ظلّ حكم نظام بشار الأسد، قصيدةُ الشاعر اليوناني قسطنطين كافافي الشهيرة “بانتظار البرابرة .“اليوم وصَل من صوّرهم إعلام النظام السابق بأنهم ”برابرة“، و”إرهابيون” إلى العاصمة، وجلسوا على الكرسي الذي ورثه بشار. لكنهم لم يأتوا مرددين ”بالذبح جيناكم“، بل استخدموا لغة مسالمة وتصالحية خالية من الإقصاء والعنف، وجّهوها إلى السوريين من مختلف الطوائف والمذاهب، الذين عانوا من التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعسف والإجرام الأمني في ظل حكم الأسد، إلى درجة أصبحوا فيها مستعدين لإنشاد خاتمة قصيدة كافافي بمكبرات الصوت: ”ما الذي سيحدث لنا من دون البرابرة؟ لقد كانوا نوعاً من الحل”.
عمل النظام الديكتاتوري العسكري السابق طوال عقود على إفراغ البلاد من أي بدائل سياسية تقدمية أو يسارية أو علمانية حقيقية عن طريق قمع وحشي مارستْهُ أجهزته الأمنية دفع العديد من السوريين إلى الانضواء تحت رايات التنظيمات السلفية الجهادية المتطرفة. وحاول النظام تصوير نفسه على أنه يقاتل هذه التنظيمات، وحظيَ بقبول عالمي نوعاً ما، وتم الترويج له بأنه يمثّل التوجهات النيوليبرالية، وحرية السوق الأمر الذي اقتضى رسم صورة براقة عنه تقدمه كمتحضر إزاء “متخلفين” ثائرين عليه يجب ضبطهم كما قالت الباحثة الأكاديمية الأمريكية ليزا ودين في حوار أجريتهُ معها منذ عدة أعوام، ونُشر في “العربي الجديد”. تحدّثت ودين عن صورة عالمية ـ محلية ارتبطت فيها سيطرة النظام برأسمال خاص، وتجسّدَ هذا رسميًا في تسويق صورة عصرية عن “عائلة الرئيس“ في الإعلام قُدم فيها أفرادها كأعضاء للطبقة الأخلاقية النيوليبرالية. إلا أن هذه الصورة لم تكن حقيقية، ولم يفعل النظام شيئاً سوى سنّ سكّين القمع على مِشْحَذ تحالفات عبّدت له طريقاً في فراغ تهاوى فيه واختفى كأنه لم يكن موجوداً، ولم يبق منه إلا الجراح التي أحدثها في الجسد السوري.
يتجلى اليوم في سوريا مشهد حيويّ يفتح باب التحولات السياسية. أحد أبرز هذه التحولات هو الانتقال المتوقع إلى شكل الحكم القادم في ظل قيادة هيئة تحرير الشام، والتي تتبنى الآن لغة الاعتدال وقبول الآخر والانتقال إلى مرحلة المؤسسات، بحسب تصريحات مسؤوليها. وحين سأل مراسل الجزيرة زعيم هيئة تحرير الشام عن شكل الحكم القادم في سورية، وإن كانت تركيا توافق عليه، في المؤتمر الصحفي الذي عُقد مؤخراً في دمشق مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان اعتبر أن السؤال موجه إلى وزير الخارجية التركي، إلا أنه في جوابه على سؤال آخر قال: ”إن منطق الدولة يختلف عن منطق الثورة“، وأنه يجب تأسيس دولة ”تليق بوضع المجتمع السوري“. هذه التصريحات تحمل دلالات واضحة تشير إلى توجّه نحو الاعتدال، رغم أنها قد تحتمل أيضاً قراءات أخرى بسبب عدم توفر سياق كاف يوضح الأمر بشكل تفصيلي. ولقد تحدّث وزير الخارجية التركي عن ضرورة صياغة دستور جديد يرسّخ المواطنة والتساوي في الفرص والواجبات، ويحمي المجتمع من تسلّط فئة على أخرى.
يُستشفّ من هذه التصريحات الإعلامية وما سبقها، ومن السلوك على الأرض السورية، أن هيئة تحرير الشام عدّلت خطابها، وتبنت لغة سياسية معتدلة تقتضيها عمليه الحوكمة التي تهيئ نفسها لها، وهذه الظاهرة ليست جديدة في الشرق الأوسط، فقد حدثت في دول مثل إيران ومصر، إلا أن الوضع في سوريا أشد تعقيداً، وما يزال علينا أن ننتظر كي نرى إذا كان باب السلطة القادمة سيُفْتح لمشاركة الآخرين.
في كتابه “الإسلام والسياسة” (صدرت طبعته الرابعة في الإنجليزية في ١٩٩٨)، درسَ الباحث والأكاديمي الأمريكي جون إل. إسبوسيتو، أستاذ الدين والشؤون الدولية والدراسات الإسلامية بجامعة جورجتاون، ظاهرة الانتقال من الخطاب المتطرف إلى الاعتدال في الحركات الإسلامية، وأشار إلى أن الحركات الإسلامية السياسية غالباً ما تبدأ بخطابات أيديولوجية راديكالية تدعو لإقامة دولة إسلامية تحكمها الشريعة، ولكن بمجرد أن تصل إلى السلطة تجد نفسها أمام التعقيدات الكبيرة لعملية إدارة الدولة وللحوكمة ما يدفعها للتكيف مع الواقع السياسي، وتقديم تنازلات، وهو ما يفضي إلى تحوّل تدريجي نحو الاعتدال. هذا ينطبق قليلاً على هيئة تحرير الشام، التي منذ أن تولت إدارة المناطق المحررة في إدلب، لوحظ تغير جليّ في سلوكها. فقد تحولت من مجرد حركة جهادية سلفية متشددة إلى “حكومة مصغرة” تدير الشؤون اليومية للسكان. وربما كان هذا التحول ناجمًا عن ضغوط داخلية وخارجية، وعن الحاجة الماسة للتكيف مع الواقع السياسي.
في كتابه “جعل الإسلام ديمقراطيًا: الحركات الاجتماعية والتحول ما بعد الإسلاموي”، يدرس المفكر والمؤرخ آصف بيات كيفية تحول الحركات الإسلامية من جماعات متطرفة إلى حركات تتبنى مواقف أكثر اعتدالًا. ذلك أن هذه الحركات، عند وصولها إلى السلطة، تدرك صعوبة تطبيق أفكارها المتشددة، مثل إقامة دولة إسلامية تتقيد بالشريعة. وبالتالي، تبدأ بحثها عن تسويات مع القوى السياسية القائمة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. في إطار هذا التوجّه تبنت الحركات الإسلامية في مصر وتونس وتركيا وإيران خطابًا أكثر ديمقراطية وتعددية بعد وصولها إلى السلطة، نتيجة للضغوط السياسية والاقتصادية. وأصبحت مضطرة للتعامل مع قضايا معقدة مثل الإصلاح الاقتصادي والتعليم والرعاية الصحية، الأمر الذي تطلب اتخاذ قرارات سياسية عملية احتاجت إلى تفاوض وتسوية مع أطراف متعددة. وتلعب العوامل الداخلية والخارجية، بحسب بيات، دورًا جوهريًا في تحول التنظيمات الإسلامية نحو الاعتدال. فالعولمة والضغوط الدولية تدفع هذه الحركات إلى تبني سياسات براغماتية تتماشى مع معايير الحكم المعترف بها دولياً. كما أن الشباب داخل هذه الحركات، يعارضون التفسير المتشدد للإسلام، ويلعبون دورًا مهمًا في دفع الحركات الإسلامية نحو الاعتدال عن طريق مطالبتهم بمزيد من الحريات السياسية والإصلاحات الديمقراطية، ما قد يشجع الحركات على إعادة النظر في بعض مواقفها التقليدية.
يتفق بيات وإسبوسيتو على أن التنظيمات الدينية، عندما تنتقل من المعارضة إلى الحكم، تواجه تعقيدات إدارية تدفعها إلى اتخاذ قرارات قد تتناقض مع أيديولوجياتها الراديكالية الأصلية. ذلك أن إدارة الدولة تتطلب وضع سياسات عملية تتعارض في كثير من الأحيان مع الرؤى الطوباوية، مثل إنشاء دولة إسلامية نقية، أو فرض تفسيرات صارمة للشريعة. كما أن حكم دولة ما يتطلب توازناً بين المصالح المتنافسة داخلها، وإدارة المطالب المجتمعية المتنوعة، فضلاً عن الانخراط في الأنظمة الاقتصادية العالمية. وبالتالي، تجد هذه الحركات نفسها مضطرة لتنفيس تشددها الأيديولوجي لضمان قدرتها على الحكم بفعالية.
تتسارع التغيرات في الداخل السوري وتظل التساؤلات والشكوك قائمة بشأن كيفية تأثيرها وتجليها في طبيعة وتركيبة النظام الذي سيحكم دمشق مما يبقي المستقبل مفتوحاً على العديد من الاحتمالات خاصة أن الوضع الداخلي يسوده الترقب في ظل تفاقم التوتر وتعقيدات الوضع في الشمال، واستمرار خروقات جيش الاحتلال الإسرائيلي وتعدياته في الجنوب.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...