تدريباتنا

“الشيخة”.. تمارس الطب الشعبي 

بواسطة | سبتمبر 20, 2022

عمار، أحد زملاء الدراسة الإعدادية، بقي طيلة عام دراسي يعلّق يده إلى رقبته بسبب عدة كسور نتجت عن حادث مروري، لم تُجبر كسوره رغم تعدد العمليات الجراحية التي خضع لها لزراعة صفائح معدنية تثبت العظم، وفي نهاية المطاف جُبرت يده مع اعوجاج في العظم، ولم يكن قادراً على استخدامها كما قبل الحادث.

وبعد عدة أيام من فك الجبيرة، عاد معلقاً يده، لنعرف أنه زار امرأة توصف بـ “شيخة”، وهي سيدة تمارس “الطب الشعبي”، أو ما يسميه سكان الشرقية بـ “طب العرب”، في إشارة إلى أنه نوع خاص من المعالجات الطبية المتوارث بين القبائل العربية التي تسكن المنطقة -ولقب “شيخ – شيخة”، لا يرتبط هنا بالمعنى الديني للكلمة- وقد علمنا حينها أن “الشيخة”، قد أعادت كسر يد “عمار”، من حيث اعوجاجها، وأعادت تجبيرها بطريقتها الخاصة، لتعود يد صديقنا القديم إلى حالها ما قبل الكسر، مع تحذيرات مكررة من الشيخة ألا يحمل أوزاناً كبيرة ولا يجهد يده بعد الجبر.

علاج الحالات المستعصية

تردد ماهر لعدة أشهر إلى عيادات الأطباء بسبب معاناته مع ألم في أسفل ظهره وبطنه، تكررت الوصفات الطبية وتعددت، ووصل إلى يأس يقنعه بضرورة التعايش مع الألم، أو السفر من الحسكة إلى دمشق لمراجعة الأطباء فيها علّهم يجدون له حلاً. يقول الرجل الخمسيني لـ “صالون سوريا“: “نصحني أحد الأقارب بالتوجه لمنزل الشيخة عمشة، وبعد تردد قبلت بالفكرة، وحين وصلنا طلبت السيدة أن تنفرد بي، سألتني عن مكان الألم، وحين عرفت بمكانه طلبت مني أن أستلقي على بطني مع نزع بنطالي، ثم قامت بإدخال أصابعها عبر منطقة الشرج لتمسك بآخر عامودي الفقري، وضغطت عليه، وبعد صوت طقطقة ترافق بصرخة ألم مني غبت عن الوعي، لأفيق بعد حوالي ساعة وقد زال الألم، أخبرتني لاحقاً أن ما فعله هو (طق الصرّة) حتى يرتاح العرق وهي جملة غير مفهومة في أي قاموس طبي، لكنها جاءت بنبرة مريحة نفسياً“.

ولا يختلف حال خلود كثيراً، فاليأس من علاج مرض “الثعلبة” الذي أصاب رأسها، دفعها في آخر الأمر للبحث عن “شيخة”، تمتلك حلاً لمشكلتها، فالأطباء الذين راجعتهم جربوا عليها كل العقارات الطبية دون أن تنفع أي منها معها. تقول خلود: ”وصلت لقرية الشيخة لواقعة على طريق قديمة بين بلدتي الصور – البصيرة،  وطلبت مني أن أخلع حجابي وأجثو أمامها، وبدأت بتفريد شعري لتعرف أين (الثعلبة الأم، وما إن ميّزتها حتى قالت: (لقيتها الملعونة)، وبدأت بحكها بقطعة من قماش الجوخ بقسوة أحسست بأن غرضها اقتلاع طبقة الجلد المصابة، ثم وبعد حين شعرت بحرارة نفور الدم، أمسكت بفص ثوم، وراحت تدعكه فوق المكان ذاته، ومع إحساسي بسخونة الدمع على خدي من الألم، وضعت قطرات من الخل، ثم كررت الأمر على كل البقع المتضررة من الرأس باعتبار أنها (بنات الثعلبة الأم)، وطلبت مني أن أراجعها في اليوم التالي“.

فعلت خلود ذلك واستمرت ذات المعالجة لأسبوع ثم قالت لها الشيخة: “تعالي بعد شهر”، وعندما راجعتها بعد المدة المتفق عليها، أخبرتها الشيخة: “بلش يطلع الشعر.. طابت يا بنيتي”، لم تتقاضى أجراً كبيراً، ولم تقبل بأخذ أي ليرة سورية إلا بعد أن تأكدت من الشفاء، وكل ما أخذته حينها هو مئة ليرة سورية عن كل جلسة، يعني سبع مئة ليرة فقط ”حين قالتها شعرت بالصدمة، حيث توقعت أن تطلب رقماً لا يقل عن عشرة آلاف، فقد صنعت ما عجز عنه الأطباء: تختم خلود.

عادت عند الحاجة..

في منطقة “الكسرة”، الواقعة شرق الرقة، تعيش أم جاسم، مع من تبقى من أبنائها في البلاد، سيدة سبعينية، ولأن التواصل معها شبه مستحيل لعدم معرفتها بطريقة إمساك الهاتف كان من الضروري أن يكون التواصل مع حفيدها محمد، الذي يقول لـ “صالون سوريا“: ”قبل الحرب، لم تمارس جدتي ما ورثته عن أمها من فنون الطب إلا في نطاق الأسرة، فغالباً ما يلجأ السكان المحليون إلى الرقة أولاً، ومن ثم دمشق للاستطباب، ولكن ظروف ما بعد العام ٢٠١٣، ودخول ريف الرقة الشرقي ضمن خارطة الحرب، جعل من تحرك السكان فيه خطراً، ومع انتشار تنظيم داعش في المنطقة باتت الحركة على الطرقات خطيرة أيضاً، ولهذا السبب كان بعض سكان المنطقة يلجؤون لجدتي لتقدم لهم الخدمات العلاجية التي تعرفها، مثل تجبير الكسور وعلاج الحروق، وحبة حلب (اللشمانيا)، وكانت بعض النسوة يلجأن لها بشكايات نسائية وتقدم لهنّ العلاج، كأعشاب وخلطات طبيعية تقوي المناعة والخصوبة“.

كذلك مارست بعض النساء مهنة التوليد دون دراسة القبالة القانونية وقدمن الخدمات العلاجية للنساء، تقول عبير المحمد، أنها وضعت مولودين على يد أم علي، المرأة المسنة التي تعيش ضمن خيمة نزوح عشوائي بالقرب من مدينة ”هجين“.

وتوضح عبير التي دخلت عقدها الثالث من العمر قبل فترة بسيطة، خلال حديثها لـ “صالون سوريا“: ”حين اقترب موعد الولادة الأولى لي والذي تزامن مع معارك عنيفة شهدتها هجين في العام ٢٠١٨، توجه زوجي بسيارته إلى حيث تقطن أم علي، ليحضرها، فالسيدة التي سمعنا عنها بأنها شاطرة بطب العرب، كانت الحل الأخير في انعدام إمكانية الوصول لمشفى أو قابلة قانونية، كانت ولادتي متعسرة لكون الجنين في وضع غير مناسب للولادة الطبيعية، ومن خلال حركات تدليك متقنة بيديها ودون أي أداة تمكنت من وضعه في صورة طبيعية سهلت خروجه من الرحم، وفي الولادة الثانية وعلى الرغم من إمكانية التنقل بسهولة، كنت أنا من طلبت من زوجي أن يحضر أم علي، فهي أفهم من الدكتورة”.

بالإضافة للنساء اللواتي يعملن بـ “الطب العربي”، هناك عدد لا بأس به من الرجال الذين يمارسون هذا النوع من المعالجة أيضاً، وقد زاد نشاطهم بشكل كبير في المنطقة الشرقية خلال فترة وجود داعش وانقطاع الطرقات.

ويثق الأهالي في مناطق حوض الفرات بـ”الطب العربي”، لعدم وجود كوادر طبية كافية في المنطقة الشرقية، كما أن الوصفات العلاجية التي تمنح لهم والمكونة من “أعشاب – بذور – ثمار”، لا تدخل فيها مركبات كيميائية يمكن أن تصاب بالتلف نتيجة لسوء التخزين، ناهيك عن قلة الثقة بمصدر الأدوية التي تباع في الصيدليات المنتشرة، لكونها تأتي مهربة، من داخل أو خارج سورية، وبالتالي هي قليلة الموثوقية بالنسبة للسكان المحليين.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

ينتظر السوريون في الأسابيع المقبلة بفارغ الصبر وفق تصريحات حكومية انطلاق المشغل الخلوي الثالث "وفا تيليكوم" المرتبط بإيران التي ستدخل على خط الاستحواذ في قطاع الاتصالات الحساس والذي ظلّ حكراً على متنفذي السلطة لعقود. من خلال التواصل المباشر مع مصادر متعددة من داخل...

تدريباتنا