تدريباتنا

القطاع التعليمي في إدلب: بين مطرقة القصف وسندان انقطاع الدعم

بواسطة | أكتوبر 17, 2019

ينظر الطفل عمر العطار (١٢عاماً) ببالغ الحزن والأسى إلى مدرسته التي تحولت إلى دار لإيواء النازحين، فلم يعد بإمكانه ارتيادها مجدداً واضطر للسير مسافة طويلة للوصول إلى مدرسته الجديدة.

ارتفعت نسبة الدمار ارتفاعاً ملحوظاً في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة بعد الحملة العسكرية الأخيرة التي شنتها القوات الروسية وقوات النظام السوري مطلع نيسان الفائت، حيث دمرت الكثير من المنشآت الحيوية وفي مقدمتها المدارس مما بات يهدد حيلاً كاملاً بحرمانه من التعليم في تلك المنطقة في سوريا.

أوضح الموجه التربوي بلال بركات (٣٥ عاماً) بأن”الواقع التعليمي يواجه أوضاعاً مزرية جداً في منطقة إدلب فقد خرجت أكثر من ٣٥٠ مدرسة عن الخدمة من أصل ١١٩٠ مدرسة نتيجة للقصف العنيف الذي أدى إلى دمارها”، ويضيف بأن ما يزيد الأمر سوءاً بالنسبة لهذا القطاع الهام هو توقف المنحة الأوربية المقدمة من منظمة كمونكس وهو ماينذر بكارثة حقيقية على القطاع التعليمي إن بقي دون دعم.

ويشير إلى أن العمل حالياً ضمن المدارس هو تطوعي ولكن لا يعلم إلى متى يمكن للمدرسين الاستمرار دون رواتب، وهو يعتقد بأنه إن طال الأمر عليهم سيبحثون عن فرص عمل أخرى وستبقى المدارس دونما معلمين مما سيؤدي إلى تسرب الطلاب من المدارس.

كما وتواجه مديرية التربية والتعليم في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة المعارضة ازدحاماً كبيراً في أعداد الطلبة مع نزوح آلاف العوائل من ريف حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي إلى تلك المناطق، فباتت أكثر من ٢٥ مدرسة قيد التوقف عن عملها بعد أن غدت ملاجئ للنازحين الذين ضاقت بهم المعيشة ولم يتمكنوا من الحصول على مأوى أمام فقرهم وغلاء آجار المنازل في الشمال والذي وصل لحد ٤٠٠ دولار أمريكي شهرياً.

وتوضح لمى الحسين (٢٥عاماً) نازحة من ريف إدلب الجنوبي ومقيمة في مدرسة نهاد نجار بمنطقة معرة مصرين ”لم نجد بداً من السكن في هذه المدرسة بعد بحثنا الطويل عن منزل دون جدوى، فقد نزحنا وشردنا من بيوتنا ومناطقنا وخرجنا بأرواحنا دونما أمتعة أو حتى ملابس”. وتتابع بأنها أرملة ولديها ثلاثة أبناء ولاتعلم كيف تأمن لهم قوت يومهم فكيف لها أن تتمكن من دفع أجور المنازل الباهظة والتي تفوق مقدرتها المادية بأضعاف مضاعفة حسب وصفها.

عانى القطاع التعليمي في سوريا من الإهمال منذ بداية الثورة السورية، فقد تعمد النظام السوري تخفيض ميزانية التعليم  حيث انخفض عام ٢٠١١ بنحو عشرة مليارات ليرة سورية عنه في العام السابق، وانخفض سبعة مليارات إضافية في ٢٠١٢ وفق ماأعلنت وزارة التربية والتعليم التابعة للنظام آنذاك، كما عمدت إلى إيقاف مرتبات المعلمين المقيمين في المناطق الخارجة عن سيطرته ما سبب نقصاً كبيراً في الكوادر.

عن مسيرة القطاع التعليمي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة يشرح المعلم نهاد قيطاز(٣٣عاماً) ”بعد تشكيل الجيش السوري الحر وتوسيع رقعة المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام في عموم البلاد بدأ معلمون وموظفون تربويون وطلبة جامعيون متطوعون محاولات لاحتواء أزمة التعليم ” مبيناً بأنهم عمدوا إلى افتتاح حلقات التعليم في المدارس بما يتوفر من مقومات بسيطة محاولين سد ثغرة عامين من انقطاع التعليم لدى الأطفال لاسيما في مرحلة التعليم الأساسي، ولأن عملهم لم يكن منظماً ومدعوماً فقد زاد حجم المشكلة. ويستطرد بأنه وعلى الرغم من تشكيل المكتب التعليمي التابع للائتلاف الوطني السوري مطلع عام ٢٠١٣، إلا أنه لم يتمكن من ضبط قطاع التعليم ولم يقدم الدعم اللازم نظراً لقلة موارده، كما أن الحكومة المنبثقة عنه والتي شكلت مديريات التربية الحرة في عموم المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة لم تتلق الدعم اللازم أيضاً إلا أنها وجدت نوعاً ما هيكلاً مبدئياً لمنظومة التعليم.

وللتعليم في المخيمات الشمالية حكاية أخرى، حيث تشهد تلك المخيمات ضعفاً شديداً في البنية التعليمية. فمن أصل ١١٥٣ مخيم في مناطق شمال غرب سوريا والتي تحوي ١.٢ مليون نسمة لايتجاوز عدد المدارس ضمن تلك المخيمات أكثر من ٤٩ مدرسة معظمها لا تلبي الاحتياجات التعليمية.

وعن هذا الوضع، يقول يوسف شعبان (٤١عاماً) ناشط في المجال الإغاثي والتعليمي في مخيمات الشمال “هنالك أطفال داخل المخيمات الشمالية لم يخضعوا للعملية التعليمية على مدى ثماني سنوات من عمر الثورة السورية والسبب في ذلك يعود لافتقار الكثير من المخيمات السورية على الحدود التركية لأي مدارس أو أنشطة تعليمية”.  عمد شعبان إلى إقامة مدرسة أطلق عليها اسم الناشط بلال كريم في مخيمات البرادقلي، وتلك المدرسة افتتحت أبوابها مع بداية أيلول ٢٠١٩ بمساعدة عدد من الناشطين والمتبرعين الأشخاص في سوريا ودول الجوار، غير أن المدرسة لم تستوعب سوى ٤٥٠ طالباً وطالبة من أبناء مخيمات البرادقلي التي يبلغ عددها ١٧ مخيم في حين أن عدد الأطفال في عمر الدراسة فاق هذا العدد أضعافاً مضاعفة. وحول المدرسة يؤكد شعبان بأنها “تضم المستويات الأولى والثانية والثالثة، وهي موزعة على دوامين لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الأطفال.” ويشعر شعبان بالأسف حيال عدم استيعاب المدرسة إلا لعدد قليل قياساً بالأعداد الكبيرة المتواجدة، وما فاجأه أن ١٠ بالمائة من مجموع الطلاب الذين ضمتهم المدرسة فقط يجيدون بعض القراءة والكتابة، أما بقية الأطفال فلا يجيدون حتى كتابة أسمائهم رغم كبر أعمارهم التي وصلت حتى ١٢ عاماً، ولذا فهو يدعو جميع المعنين لتدارك تلك الأجيال وتدارك العملية التعليمية التي باتت مهددة بشكل كبير في سوريا وفق تعبيره.

في ظل استمرار العمليات العسكرية التي طالت منشآت تعليمية عدة، ومع انقطاع الدعم الرئيسي عن هذا القطاع الهام، فإن آلاف الأطفال في إدلب وريفها باتوا مهددين بحرمانهم من حق التعليم الذي سرعان ما سينعكس سلباً على ما سيؤول إليه حال هؤلاء الأجيال من جهل وانحراف وزواج مبكر.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا