تدريباتنا

اللهجة السورية تغزو برلين… واللاجئون قلقون من الترحيل

بواسطة | فبراير 19, 2018

في شوارع برلين الواسعة وفي وسائل نقلها المتعددة، كثيراً ما تسمع لهجة السوريين وأصواتهم العالية، حين تنظر من دون تردد إلى الوجوه، تجد بعضها سعيداً مبتسماً، وأخرى حزينة كئيبة… ما يجعلك تتساءل عن سبب الاختلاف وما يجعل البعض متفائلاً والآخر متشائماً.

عائلة أبو مجد الدمشقية التي جاءت إلى ألمانيا منذ عامين، ترى أن سبب كآبتها يعود إلى عدم حصولها حتى الآن على بطاقة الإقامة التي وعدت بها مراراً وتكراراً. وتوضح أم مجد لـ«الشرق الأوسط» أنه منذ الشهر التاسع عام 2016 وهم ينتظرون قدوم قرار الإقامة ما جعلهم يوكلون محامياً لم يستفيدوا منه شيئاً «بل قام بتأخير تنفيذ الإجراءات والأوراق، خصوصاً ورقة الموافقة على تبادل المعلومات بين ألمانيا وباقي الدول الأوروبية، التي وصلتهم منذ يومين لتوقيعها، وكان يجب أن تصل إليهم قبل أشهر». وتضيف: «إدارة الهجرة الألمانية لديها حجة بأن لديها أعداداً كبيرة من اللاجئين، ولديها ضغط كبير في العمل، ما جعل كثيراً من الإضبارات تضيع ويعاد إنجازها، لكن المشكلة الأساسية كانت بالنسبة للإدارة هي مرور عائلات سورية عبر بلدان أوروبية أخرى، وإيجاد بصمتها في هذه البلدان، الأمر الذي تغاضت عنه ألمانيا في البداية، ولكنها لم تعد تستطع فعل ذلك حالياً مع دخول اتفاقية دبلن حيز التنفيذ».

أما المسؤول عن العائلة حسام فيجد أن «السوريين الذين جاءوا منذ بدء استقبال اللاجئين، أي قبل عام 2015، حصلوا على ميزات أفضل، وتلقوا بطاقات الإقامة بسهولة وسرعة. في حين بدأت التعقيدات بعد أن استغلَّ حزب اليمين المشكلات التي تسبب بها اللاجئون للصعود سياسياً». ويضيف: «سياسة (أهلاً وسهلاً) باللاجئين في ألمانيا قد انتهت في الوقت الحالي، وأصبح اللجوء صعباً خصوصاً مع السياسة التي وضعها الاتحاد المسيحي الألماني أي ائتلاف الحزبين المعارضين للحزب اليميني. بعض العائلات السورية طلبت اللجوء من نحو سنتين حتى ثلاث سنوات، وحتى الآن لم تحصل على بطاقة الإقامة».

ويوضح حسام: «معظم طالبي اللجوء السوريين أصبحوا يفتشون عن أي عمل، كي يكون عقد العمل الذي يحصلون عليه ضامناً لهم ولحصولهم على إقامة، وبقائهم على الأراضي الألمانية. فأصبحنا نرى كثيراً من الشبان السوريين حتى ممن لديهم شهادات جامعية، يعملون في مطاعم تركية مستفيدين من اللغة التي أتقنوها في تركيا قبل مجيئهم لأوروبا. لكن الشبان السوريين الذين يسعون للحصول على أي عمل، أصبحوا يتعرضون لاستغلال ومحاربة باقي الجاليات التي ثبتت أقدامها منذ زمن بعيد في ألمانيا، فأصبح صاحب مطعم قديم يشتكي من مطعم سوري جديد، وهكذا الأمر في باقي القطاعات».

الأكاديمي السوري عمران علوني أشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «في قلب ألمانيا هناك دولتان، دولة القطاع الخاص المنظمة والمدارة بشكل جيد، ودولة القطاع الحكومي، التي أصبحنا نعتبرها من أسوأ الحكومات، نظراً لكثرة الروتين. وهذا الأمر لا ينطبق فقط على معاملات اللاجئين، ففي حال أراد ألماني أن يصدر شهادة قيادة سيارة، لن يجد موعداً قبل شهرين، وكذلك لو أراد الحصول على جواز سفر ألماني. البيروقراطية قاتلة، وتدفع الناس للمطالبة بالخصخصة أكثر».

الصحافية الألمانية كريستينا شولزر تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الشعب الألماني عانى مسبقاً من ويلات الحرب خلال الحرب العالمية الثانية، ومن مقتل كثيرين ممن حاولوا اجتياز جدار برلين قبل سقوطه عام 1989. لذا رأى الألمان ضرورة استقبال الكثير من اللاجئين الهاربين من الحرب السورية، لكن بدء جذب حزب (بديل لألمانيا) اليميني لكثير من المريدين الذين يرون في مشكلات اللاجئين تحدياً لهدوء المجتمع الألماني، جعل الحكومة تحد من استقبال اللاجئين، وتتأنى في دراسة ملفات طلبات اللجوء. ومع بدء تطبيق اتفاقية دبلن، لم تعد ألمانيا تقبل باللاجئين القادمين من دول أوروبية أخرى، بل تعيدهم فوراً إلى البلد الذي مروا وبصموا به».

ويتعاطى معظم اللاجئين مع ما يتردد في الإعلام الألماني عن إمكانية إعادة اللاجئين السوريين من ألمانيا بالحذر والخوف، ويترقب معظمهم ما ستفعله الحكومة تجاه من لم يحصل بعد على بطاقة إقامة، ومن حصل على بطاقة لعام واحد، ولم يتمكن من لَمّ شمل عائلته. ويبحثون عن حلول قد يكون بعضها غير شرعي، كالعودة مجدداً إلى تركيا مجتازين طريق التهريب المعاكس.

الجدير بالذكر أن الإحصاءات الرسمية الألمانية تفيد بوجود 650 ألف لاجئ سوري في ألمانيا، بينما تؤكد بعض الجهات والجمعيات أن العدد أكبر بكثير من ذلك.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

مواضيع ذات صلة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

تعرّض زكي الأرسوزي (1899-1968 م) لإهمال كبير، ولم يُكَرَّس في الأدبيات الفلسفيّة العربيّة إلا على نحوٍ عَرَضيّ، بصفته أحد دعاة الفكر القوميّ، ومؤسِّس فكرة حزب البعث العربيّ، التي أخذها ميشيل عفلق منه وحوّلها إلى تنظيم سياسيّ فاعل في سوريا، وتلاشى ذكر الأرسوزي مع تلاشي...

مواضيع أخرى

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

لا يختلف اثنان أنّ الدراما السورية أحدثت فارقاً وصنعت بريقاً أخاذاً في فترةٍ ذهبيةٍ امتدت ما بين عامي 2000 و2010. وتحديداً ما بين مسلسل الزير سالم الذي أخرجه الراحل حاتم علي ووضع فيه الراحل ممدوح عدوان عصارة ما يمكن لكاتب المجيء به نصاً وحواراً وأحداثاً ليجعل منه...

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

أهتم كثيراً بمتابعة الدراما العربية، خاصة السورية، وثمة مسلسلات سورية لامست أوجاع السوريين وما يتعرض له الشعب السوري مثل مسلسل غزلان في غابة من الذئاب للمخرجة المبدعة رشا شربتجي. هذا المسلسل أثلج قلوب السوريين كلهم لأنه حكى بصدق وشجاعة ونزاهة عن أحد كبار المسؤولين...

الأمهات في سورية: عيد ناقص

الأمهات في سورية: عيد ناقص

غدت الأمومة في سورية مهمة قاسية ومثقلة بالهموم واكتسبت أوجهاً كثيرة، إذ انتزعت الحرب دور "الأم" الأولي المناط بالعطاء والتربية والمساند المادي الثانوي، وبدأت كثير من الأمهات يلعبن دور المعيل الأساسي ومصدر الدخل الوحيد لتحمل نفقات الأسرة في ظل غياب قسري أو اختياري...

تدريباتنا