تدريباتنا

المسحراتي :ضيف رمضان يعود بعد طول غياب

بواسطة | مايو 8, 2021

يرتبط عمل “المسحراتية” ممن يتولون مهمة إيقاظ النائمين لتناول وجبة السحور في ذاكرة الشعوب العربية، كأحد طقوس رمضان الذي من المفترض أن يعكس مدى رحمانية هذا الشهر ويصور دفء الأجواء وموائد الإفطار العامرة ويسر أحوال الناس وعطفهم، لكن يبدو أن هذه المعادلة غائبة في المشهد الرمضاني السوري في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يكابدها السوريين. ورغم سوء الأوضاع، عاد دور المسحراتي هذا العام إلى الساحة الرمضانية على نحو خجول ومتقشف بعد مرور عشر سنوات على دوي أول رصاصة في الحرب، إذ منحت محافظة دمشق أمر الموافقة لأكثر من 30 مسحراً للعمل خلال شهر رمضان.

الطبلة في مواجهة التكنولوجيا

“يا نايم وحد الدايم،” عبارة شهيرة اعتاد “المسحراتية” ترديد كلماتها على إيقاع يطرب الأذن وهم يطوفون تحت جنح الليل في أزقة حارات المدن وشوارعها ومنازل الريف. يخرج “المسحراتية” بزيهم التراثي المؤلف من جلباب وقبعة بيضاء، حاملين عدتهم المكونة من طبل وعصا ومصباح.  فالعم أبو غفران (60 عاماً) يخرج من منزله القابع في منطقة الميدان قبل ساعة من الإمساك، وهو الوقت الذي يمتنع فيه الناس عن تناول الطعام والشراب لحين غروب الشمس، ويقول في حديث خاص عن تجربته: “أمارس هذه المهنة منذ أكثر من 25 عاماً، حفظت أسماء جيران الحي عن ظهر قلب، أنادي كل واحد باسمه”.

يواظب الرجل على العمل خلال ثلاثون ليلة دون مقابل مادي ويشارك قصته: “أطوف الأحياء طوال أيام الشهر بدون أجر مالي، لكن أحيانا يستوققني سكان الحي لتقديم بعض الطعام من مائدة الإفطار، أو يمنحوني بعض النقود كإكرامية كنوع من التقدير لعملي الذي بات نادراً، كذلك في الليلة الأخيرة من رمضان التي تسبق عيد الفطر يقدم لي السكان المعايدة وحلوى العيد”.

يقر أبو غفران بانحسار دور المسحراتي المنوط بإيقاظ النائمين لتناول وجبة السحور وذلك مع ظهور التكنولوجيا وأجهزة الخليوي المضبوطة على مواقيت الصلوات ومواعيد الآذان، كما تغيرت طريقة ممارسته لدوره حيث يشكو أنه: “تكاد تحل الأجهزة الخليوية مكاننا، لكن لا يخلو الوضع من وجود أناس ماتزال تفضل سماع صوت المسحراتي مع إيقاع طبلته ومتمسكة به كونه متجذر في الذاكرة الجمعية. كما قد تغير شكل عملنا فسابقاً كانت الطبلة كبيرة الحجم تسمى داهول، أما اليوم فهي صغيرة، وهناك من استعاض عنها بالطرق على أبواب المنازل”.

وتزداد قيمة “المسحراتي” لدى المغتربين والمهجرين خارج البلاد الذين يفتقدون للطقس الفريد، كحال ريم التي تقول: “بس تعيشوا بالغربة وما تحسوا بأجواء رمضان بتعرفو قيمة هالمسحراتي وطقوسه.” فيما ترجو غادة انتقاء مسحراتي لمنطقتها يمتلك صوتاً عذباً وعزفاً مؤثراً.

في المقابل، يرفض العديد هذا الطقس ويستبدلونه بالمنبهات. بينما آخرون يجدون وجوده لا طائل منه باعتبار أن معظم الصائمون اعتادوا السهر كقول حسن: “مافي داعي يفيقنا، إذا ماعم نام لوجه الصبح”.

المرأة المسحراتية

يستذكر الباحث في التراث الشعبي السوري حيدر نعيسة طقوس رمضان منذ أكثر من أربع عقود، حيث لم يحتكر الرجال مهمة إيقاظ النائمين في هذا الشهر، ويوضح الباحث أن “سهيلة الدوالي هي أول إمرأة مارست مهنة المسحراتي بريف الصلنفة في محافظة اللاذقية في حقبة السبعينات، إذ تتفوق المرأة على الرجل في الحفاظ على التراث وتوريثه وأكثر ممارسة وصوناً له.”

يصف نعيسة هذه المهنة بأنها: “حالة تراثية جميلة وتشكل أحد ملامح شهر رمضان الكريم التي انتشرت بشكل متفاوت في الأحياء الشعبية والقرى، وغلب وجودها في المدن أكثر من الريف، حيث ظهرت منذ أكثر من 15 قرن مع ظهور الإسلام ومازالت راسخة لغاية الآن بدرجات متفاوتة، إذ للمسحراتي دلالة رمزية وروحية توحد بين الناس، كما كانت النساء المسيحيات يرتدين الحجاب في الماضي كنوع من احترام طقوس الصيام عند المسلمين”.

كذلك للمسحراتي مواصفات معينة، فحسب الباحث “يتوجب عليه امتلاك صوت عذب وذاكرة متوقدة لحفظ الأدعية والأناشيد والتراتيل وقوة في الأداء”. ويجد الباحث أن: “التطبيقات الحديثة على الأجهزة الخليوية ساهمت في إزاحة صورة المسحراتي وتراجع حضوره وذلك بسبب تطور العلم والتكنولوجيا وتوظيفه في خدمة الإسلام”.

جدير بالذكر أن تاريخ مهنة المسحراتي يعود إلى العصر الأموي، حيث تطورت هذه المهنة تاريخياً، وأصبح للمسحراتي زي خاص وطبلة وعصا في العصر الفاطمي. أما في العصر العثماني فقد خصص للمسحراتي مكافأة خاصة من مالية الخلافة، إلى جانب عطية الطعام وقت السحور، كما يُنسب إلى بلال بن رباح كونه أول مسحراتي في التاريخ الإسلامي منذ أيام الرسول (ص).

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا