تدريباتنا

المواطن السوري في مواجهة الموجة الثالثة لكورونا

بواسطة | أبريل 12, 2021

تعج المشافي الحكومية والخاصة في العاصمة السورية دمشق وباقي المحافظات بأعداد كبيرة من المرضى المقيمين تحت عناوين أو تشخيصات ومسميات كثيرة تندرج تحت أمراض القلب والهضم والصدر وسواها، لكن المفارقة العجيبة هو أن تسمية وباء العصر كورونا نادرة بين هذه التشخيصات.

بورصة كورونا في سوريا بقيت مستقرة ولم يتأرجح مؤشرها بأي مقدار يذكر رغم الدعوات المتكررة من قامات طبية لوزارة الصحة بتضمين احصاءاتها لمرضى العيادات والمراكز الطبية وإدراجهم فيها مؤكدين أن جميع العيادات الصدرية تراجعها يومياً أعداد كبيرة من المصابين بالفيروس دون أن تسجل في إحصائيات الوزارة.

إحصائيات وزارة الصحة لم يصل إجمالي عدد الإصابات فيها حتى الآن إلى 19500 حالة منذ بدء الجائحة في كانون الأول 2019، بينما لم يبلغ إجمالي الوفيات حتى الآن حاجز 1350 وفاة. فيما تحتل العاصمة دمشق العدد الأكبر في المؤشر اليومي للوزارة من حيث عدد الإصابات تليها اللاذقية ثم ريف دمشق وطرطوس.

 وفي المقابل كشفت تقارير إعلامية أن عدد المصابين في عموم سوريا وصل إلى (126,873,312) فيما بلغ عدد المتعافين (102,278,049) ووصل عدد الوفيات(2,782,293).

يتندر السوريون على احصائيات وزارة الصحة ويتبادلون النكات عن أرقامها ويتهكمون لهول الفجوة في الأرقام المعلنة وما يوازيها في بلدان الجوار ومن بين هؤلاء هاني خليل (مدرس رياضيات) يكرر عبارته المفضلة قائلاً: “لايوجد كورونا في سوريا أقسم لكم” يقولها هاني مع ابتسامة متحسرة وبلكنة ساخرة ويبرر قوله بأن نسبة الأرقام الضئيلة المعلنة قياساً إلى عدد سكان البلد صغيرة جداً وتوحي بأن “لا كورونا في سوريا”.

لمس السوريون التناقض الكبير بين احصائيات الوزارة التي لاتثير أية مخاوف وبين الإجراءات الحكومية التي لم تكن لتصدر إلا نتيجة مخاوف محقة من تداعيات الموجة الثالثة لكورونا على السوريين؛ فالحكومة السورية اتخذت سلسلة من الإجراءات لمواجهة الموجة الثالثة كان في مقدمتها تحويل مشفى جراحة القلب في دمشق لاستقبال مرضى فيروس كورونا ووضعت مشفى الشرطة بتصرف وزارة الصحة لمعالجة المصابين بالفيروس.

وبين الدكتور أحمد عباس، مدير مستشفى المجتهد في دمشق في تصريحات إعلامية سابقة “أن الموجة الثالثة للوباء هي الأخطر من سابقاتها، حيث تضاعفت أعداد الإصابات بنسبة 200% منوها إلى أن نسبة الإشغال في قسم العناية المشددة في المشافي بلغت نسبة 100%.”.

تحركت وزارة التربية بعد أيام قليلة من هذا التصريح وعلقت الدوام في عدد من الصفوف الدراسية، لكن دون أن تذكر صراحة أن السبب متعلق بانتشار فيروس كورونا بل اكتفت بالإعلان عن إنهاء دوام مرحلة رياض الأطفال وعدد من صفوف مرحلة التعليم الأساسي وتركت الدوام لطلاب التاسع والمرحلة الثانوية. مع الإشارة إلى أن هذا القرار جاء بالتزامن مع تخفيض مخصصات البنزين للسيارات الخاصة ومادة المازوت للسرافيس. هذا وحذت وزارة التعليم العالي حذو الأولى التي أعلنت بدورها عن إيقاف الدوام في الجامعات لأسبوعين بدءاً من الاثنين الخامس من نيسان، فيما أعلن الفريق الحكومي في آخر قراراته بهذا الخصوص إيقاف العمل أو تخفيض عدد العاملين في الوزارات السورية بما لا يؤثر على الإنتاج والاقتصاد.

ورغم التحذيرات المتواصلة لاسيما مع وصول الفيروس المتحور إلى المنطقة، لايزال قسم كبير من السوريين لا يقتنع بوجود كورونا وينسبه إلى مؤامرات أو ألعاب سياسية. فيما يتعامل قسم آخر معه بلا مبالاة مركزين على اقتناص لقمة العيش التي أصبحت غاية في أيام عصيبة يعيشها الاقتصاد السوري بعد أن تردى إلى مستويات غير مسبوقة وبات يهدد الملايين بالفاقة والجوع.

ويكاد يقتصر ارتداء وسائل الحماية على شريحة صغيرة تخشى على نفسها إن صح التعبير أو تضع الصحة قبل لقمة العيش في مفاضلاتها، وهي في مجملها الفئة القادرة على تدبر أمورها في سوريا ويغيب هاجس لقمة العيش عن حساباتها إضافة إلى العاملين في المجال الطبي وعدد من أبناء الطبقة المخملية ممن يختارون الكمامات المفلترة بما يتلاءم مع ألوان ثيابهم ومنهم من حصل عليها بسبب طبيعة عمله في مؤسسات الدولة. ومن هذه الشريحة الصغيرة ناريمان التي تعمل في النافذة الواحدة ويراجعها الكثير من الأشخاص وتشارك تجربتها أنها لا تستطيع تحمل نفقة شراء الكمامات يومياً، لكنها تحصل على كمامة تضعها مدة سبع ساعات على وجهها ثم تغادر بها إلى المنزل.

وسائل الحماية الفردية وخاصة الكحول والقفازات باتت رفاهية غير مبررة ليس في مقدور شريحة كبرى من المجتمع السوري الحصول عليها. وهذه الشريحة هي ذاتها التي تتجاهل قواعد التباعد الاجتماعي فتتزاحم جموعها الغفيرة على الأفران وأمام صالات مؤسسات التجارة التي تبيع المواد الغذائية بالسعر المدعوم عبر ما يعرف بالبطاقة الذكية التي يتشاءم منها جل المواطنين وينسبون إليها قسطاً كبيراً من معاناتهم.

تحذيرات الدكتور نبوغ العوا (عضو الفريق الاستشاري لمواجهة الفيروس) لم تجدِ نفعاً رغم اجتراعه الحلول التوفيرية مثل اقتناء الكمامة القماشية القابلة للغسل كونها أقل تكلفة في نهاية المطاف على كاهل السوريين ما دفعه إلى مطالبة السلطات بالتشدد مع الأشخاص الممتنعين عن استخدام أساليب الوقاية وتغريمهم، لكن هذه الدعوات لم تلق أي صدى ولم تجد طريقاً إلى التطبيق عبر أي جهة حكومية.

المدرب الرياضي إسماعيل نزهة يشارك تجربته في النوادي الرياضية: “أنا شخصياً أدرب في عدة نوادي من الدرجة الأولى بدمشق ولم ألمس تراجعاً في عدد المشتركين في الفترة الأخيرة بل على العكس هناك إقبال واضح وخصوصاً مع اقتراب فصل الصيف ورغبة الناس بالظهور بمظهر رشيق بالملابس الصيفية التي تكشف أكثر عيوب الجسم”. وعن التدابير الوقائية ضحك المدرب خاتماً حديثه: “الحامي رب العالمين، الشعب الي ما أثرت فيه القذائف بدك يخاف من فيروس”، مشيراً إلى أن “الرعيل الأكبر من الرياضيين تخلى حتى عن وسائل الحماية الفردية وضاق ذرعاً بها”.

ومن ناحيته وصف الطبيب عصام محمود (اختصاص صدرية) الوضع في عيادته التي تقع غربي العاصمة قائلاً أنها: “تستقبل بشكل يومي مالا يقل عن خمسين مراجعاً وبعد إجراء الصور والتحاليل يتبين أن نحو ثلثي هذا الرقم مصاب بالفيروس”، مشيراً إلى وجود “نقص واضح في الصيدليات إن لم يكن ندرة لبعض الأدوية الأساسية في علاج المرض الناجم عن الفيروس وفي مقدمتها الأزيترومايسين، ناهيك عن ارتفاع أسعار الأدوية والكشوفات الطبية التي تجعل حسب رأيه المرضى يمتنعون عن زيارة الطبيب ويحاولون الاستشفاء بأنفسهم دون مراجعة الطبيب ما يجعل من المستحيل تقديم إحصائيات واقعية للجائحة في البلاد”.

بدوره، قال الطبيب مفيد كحيلة وهو متخصص بعلاج الأمراض الصدرية والتنفسية بأحد المراكز الطبية بمحافظة طرطوس: “إن العمل مضن في المركز وأن العيادة الصدرية لا تهدأ من كثرة المراجعين بعد تفشي الموجة الثالثة”، مرجعاً السبب في ازدياد الأعداد إلى العادات الاجتماعية والاختلاط في حفلات الزفاف ومجالس العزاء التي لا تنتهي. وتعليقاً منه على القرار الذي أصدرته المحافظة بمخالفة كل شخص لايرتدي الكمامة بمبلغ 50 ألف ليرة قال: “لم أسمع بمثل هذا القرار إلا عبر صفحات التواصل”، مرجحاً أن يكون الأمر شائعة فيسبوكية أو خبراً مفبركاً من صفحة ما تريد نيل الإعجابات أو أن القرار بقي حبراً على ورق ولم يتم الالتزام به.

أما الممرضة ديانا العاملة في الشعبة الصدرية في مشفى خاص بدمشق فتنقل أخبار أن الشعبة الصدرية بالمشفى مكتظة وأن إدارة المستشفى أوقفت العمل في عدد من الشعب الاختصاصية الأخرى وزودت غرفها بالمنافس لاستيعاب عدد أكبر من المصابين المقيمين وخاصة من ذوي الحالات الحرجة، مشيرة إلى أن إدارة المشفى تتعامل مع المرضى كزبائن مصنفين بنجمات على طريقة الفنادق بعد وصول تكلفة قضاء ليلة واحدة في العناية المشددة بالمشفى الذي تعمل به إلى أكثر من مليون ليرة سورية، في حين تصل تكلفة إقامة المريض في الغرف العادية إلى 700 ألف ليرة سورية .

تفاعل الكثير من السوريين بإيجاب عبر منصات التواصل الاجتماعي مع تحذيرات الأطباء من تفشي الموجة الثالثة للفيروس، وتشاركوا فيما بينهم باهتمام نصائح العوا خاصة عندما كشف في لقاء إذاعي إن السلالة الجديدة لفيروس كورونا تسبب 60 إصابة مقابل إصابة واحدة من السلالة السابقة وتكون أعراضها أقوى ويمكن أن تسبب الوفاة وهي شديدة على الأطفال بعكس ما كانت عليه السلالة السابقة التي كان فيها الأطفال مجرد نواقل للمرض.

أما عن اللقاحات فقد أعلنت الحكومة عن تلقيها جرعات من اللقاح من بلد حليف لم تسمه، وأن التطعيم سيكون حسب الأولوية،    ولا سيما للكوادر الصحية التي تقف في الخطوط الأمامية لمواجهة الفيروس، لكن لا يبدو الشارع السوري مكترثاً بقضية اللقاح؛ فإعلان الصحة العالمية قبل أيام أن”إنتاج لقاحات أسترازينيكا لم يكن كافياً لتلبية الطلب العالمي مما أدى إلى تأخير توفير لقاح كوفيد 19 في سوريا”، لم يثر حفيظة السوريين بل بدا الكثيرون وكأنهم غير معنيين بالموضوع.  تعلق سلمى غانم (طالبة جامعية في مجال اقتصاد) على الموضوع بالقول: “متل بعضا بيعطونا مناخد، مابيعطونا يصطفلو، هيك هيك البلد محاصر وماعم يوصلنا شي.”

فيما أشار محمود مخللاتي (طالب جامعي في مجال صيدلة) إلى مخاوف وهواجس تتعلق بأخذ اللقاح مشككاً في جدوى أخذه ضارباً أمثلة عن إحصائيات إشكالية وغير موثوقة تشير إلى أن اللقاح تسبب بوفاة عدد ممن تلقوه في أوروبا.

الآراء السلبية تجاه اللقاح جوبهت بآراء مضادة على صفحات التواصل التي سلطت الضوء على الموجة الثالثة محذرة من أن النسخة الجديدة من الفيروس لا تستثني الأطفال بل تجعلهم يعانون من الأعراض المؤلمة شأنهم شأن ذويهم الأمر الذي أثار المخاوف لدى الأهالي فتسابقوا لمشاركة المنشورات التحذيرية على صفحاتهم الشخصية على فيسبوك وعبر منصات التواصل الأخرى، لكن سرعان ما طغت الأزمات المعيشية من جديد  على تفاعل السوريين على منصات التواصل بعدما اجتاحتها أزمات البنزين والكهرباء وتذبذب سعر الصرف وعادت عبارة “الله يفرّج” لتهزم جميع التعليقات ولتبقى صحة المواطنين تتأرجح في المجهول.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا