تدريباتنا

بهرجة معرض دمشق الدولي على أنقاض كارثة اقتصادية

بواسطة | سبتمبر 27, 2018

بعد سبع سنوات من الحرب، تضع الحكومة السورية جلّ جهدها لتدفع بالحياة الاقتصادية قدماً والتسويق لفكرة أن “الحرب على الإرهاب” قد شارفت على الانتهاء، وبأن عجلة إعادة الإعمار انطلقت، وذلك من خلال الترويج لمعرض دمشق الدولي بدورته الستين، حيث يتم تصويره على أنه فرصة ذهبية واعدة للشركات الأجنبية والعربية التي تسعى لتثبيت موطئ قدم لها في سوريا مستقبلاً.

العام الماضي أيضاً، اجتهدت الحكومة لإعادة إحياء المعرض الدولي  بدورته الـ ٥٩، وقد حقق -من الناحية الإعلامية والإعلانية -جزءاً من رسالته، حيث شهد حضوراً واسعاً على مستوى الزوار المحليين، أما على صعيد المشاركة الدولية، فكان الحضور ضعيفاً على صعيد عدد الشركات الأجنبية والعربية، وطغى حضور الشركات الروسية والإيرانية على حساب الدول الأخرى، نتيجة عدم استقرار الوضع التجاري والاقتصادي في سوريا.

ساهم بذلك أيضاً، تربصّ  دول عدّة بالشركات الأجنبية التي تسعى للاستثمار في سوريا والمشاركة بإعادة إعمارها، لفرض عقوبات دولية عليها، وهذا سبب إضافي يفسر ضعف مشاركة بعض الدول العربية والأجنبية.

رغم هذا، لا يمكن نكران أهمية تظاهرة معرض دمشق الدولي على الصعيد الاقتصادي في بلد أنهكته الحرب، واستخدام مسمى “تظاهرة” يرمز لكون الفعالية أشبه بفقاعة لا نتائج حقيقية لها، وبالتالي لايمكن الاكتفاء بإظهاره إعلامياً والابتعاد عن الواقع الاقتصادي المتردي الذي فرضته الحرب، فنتائج الدورة السابقة للمعرض لم تؤت ثمارها بعد.

روجت  وسائل الإعلام أن المعرض شهد توقيع عقود واتفاقيات تجارية بمبالغ كبيرة، ولكن حقيقة الأمر تقول بأن الجناح الذي حقق نتيجة اقتصادية من المعرض بنسبة ضئيلة هو جناح تصدير المنتجات الزراعية السورية.

رغم هذا فإن قضية تصدير المنتجات الزراعية السورية تواجه العديد من التحديات، فقد سبق لروسيا أن رفضت سابقاً استقبال شحنات من الخضار والفواكه السورية لعدم مطابقتها للمواصفات القياسية، إضافة لمشكلة تأمين وسيلة نقل وممرات شحن دائمة قادرة على إيصال البضائع السورية للأسواق المُستهدفة.

إن الترويج الوهمي للتوقيع على اتفاقيات تجارية، لا يمكن أن يؤتي بنتائج سليمة وإيجابية، خاصة في حال غياب انعكاس هذه الاتفاقات على الاقتصاد المحلي، وسهولة اكتشاف حقيقية الأمر من خلال تتبع مؤشرات التصدير والاستيراد، الذي ينعكس أيضاً على سعر صرف العملة السورية والتي تبلغ اليوم قرابة ٤٦٠ ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء، أما سعر الصرف الرسمي فمازال ٤٣٠ ليرة وفق نشرة البنك المركزي السوري.

اقتصادياً يمكن إجراء مقارنة بين الأرقام التي تصرح بها الحكومة السورية وبين الأخرى الحقيقية  مع الأخذ بالعلم أن لا بيانات اقتصادية متوافرة بشكل دقيق خلال الحرب.

يحتاج المستثمر الأجنبي للاستقرار الاقتصادي ولقوانين وتشريعات استثمارية تحاكي المرحلة الحالية، لكن تأخر إصدار التشريعات -خاصة قانون الاستثمار الجديد- يؤكد أن الرؤية الاقتصادية لسورية يشوبها الغموض، في حين يصر القائمون على الاقتصاد على طرح أفكار ومشاريع اقتصادية تكشف حجم الانفصام عن الواقع المعيشي والمالي لسورية.

وفي ظل الحديث عن ضرورة التوصل لعملية انتقال سياسي متفق عليها من قبل جميع الأطراف الدولية، يصبح الحديث عن تعافي الاقتصاد السوري وانطلاق عملية إعادة الإعمار هو ضرب من الخيال، فالحرب لم تنته بعد ومازال الشمال الشرقي لسورية في حال صراع بين المكونات السورية والكردية وقوات التحالف الموجودة، عدا عن ملف محافظة إدلب التي مازال مصيرها مجهولاً.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا