تدريباتنا

جولة بانورامية على أزمات معيشة السوريين

بواسطة | أبريل 2, 2021

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

يتصدر الحصول على ربطة خبز بشق الأنفس عبر البطاقة “الغبية” وفق ما يسميها السوريون، طليعة أزماتهم اليومية وأشدها إيلاماً. حالة ازدحام خانقة تشهدها الأفران حتى ساعات الليل المتأخرة. نادراً ما تقع عيناك على وجه يرتدي كمامة أو أن ترى أحداً يتبع أدنى الإجراءات الوقائية من فيروس “كورونا” في نسخته الجديدة انطلاقاً من مبدأ المساومة بين الموت جوعاً أو بالفيروس، لتمتد ساعات الانتظار إلى أكثر من أربع ساعات متواصلة، إلا أنه في حالات استثنائية وعند ووجود “واسطة جوا الفرن” يمكن للمرء تجاوز الأدوار والمرور متخطياً العناقيد البشرية الملتحمة فوق بعضها، فهنا لكل شيء ثمن، لكن هناك من يعجز عن رشوة الانتظار، تراه يضبط جهازه الخليوي عند الساعة الرابعة فجراً لينهض منذ ساعات الشقاء الأولى لحجز مكان له في طابور الخبز الذي لا ينتهي، كي يفوز ببضعة أرغفة ساخنة تسد بطون أطفاله الخاوية بعد انتظار ذليل، لأنه لا يملك ترفي الاختيار والتململ.  يقول أحدهم: “ببساطة، إذا ما نطرت، بناموا ولادي جوعانين وبيبكوا من الجوع “.

تقف أم عمر إلى جانب محل بزورية بانتظار خروج ابنتها ظافرة بزجاجة عرق سوس تحضيراً لقدوم شهر رمضان الذي يبدو أنه سيكون غير كريم هذا العام على خلاف السنوات الماضية. تستقبلها بشهقة طويلة لدى سماعها سعر العبوة الذي تضاعف ثلاث مرات، فيما لائحة الاحتياجات الأساسية تطول وتتمدد، تقول السيدة الخمسينية بحسرة: “أنفقت اليوم مبلغ ستين ألف ليرة على حاجيات صغيرة، منها ليتر زيت  نباتي بـ 7 آلاف ليرة، بت أقنن استعماله وأستخدمه عند الضرورة القصوى، قلصت وجبات المقالي، لأستبدلها بالمشوي، كما اشتريت كيلو تفاح وآخر برتقال، بعد أن ألح أحفادي على شرائه بعد طول اشتهاء، ابني أيضاً لديه امتحانات ويجب أن يتناول بعض الفواكه”.

قاطعت السيدة مجبرة صنف البيض منذ أكثر من 15 يوماً لارتفاع سعره، ليوبخها الطبيب على فعلتها المشينة بحق صحتها، وتعقب: “أعاني من مرض هشاشة العظام، قاطعت الحليب والبيض، وبخني الطبيب على ذلك، لا أستطيع شرائهما، فسعر صحن البيض يصل إلى 6500 ليرة”. تختصر حديثها بالقول: “صرتي تخافي تطلعي برا البيت من كتر الغلا، كل يوم سعر جديد”.

أسعار اللحومات والخضار تحلق عاليا ًعلى إيقاع “الدولار” الذي يعتبر التعامل معه في العلن تهمة تقودك إلى السجن، بينما راتب الموظف الهزيل مازال على الليرة السورية،

فسعر كيلو لحم الغنم يصل إلى 28 ألف ليرة، وكيلو الدجاج 6 آلاف ليرة. هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار دفع العديد من الأسر السورية إلى إتباع سياسة التقتير وإزاحة الكماليات لصالح الضروريات القصوى، كحال أحلام التي اعتمدت على المأكولات الغنية بالخضار والإكثار منها في برنامج أسرتها الغذائي اليومي وتوضح: “لم أعد أذكر آخر مرة دخلت اللحمة منزلنا، أما الدجاج فمرة بالأسبوع، احتفظ بفروج في الثلاجة منذ 20 يوماً تحسباً لأي دعوة غداء مفاجأة”.

 غير أن هذا الغلاء الفاحش لا يمكن أن تجد له أثراً على شاشات الإعلام المحلي، بل يختفي ويتلاشى تماماً عبر حركة خُلبية  بـ”الكاميرا السحرية” التي تتجول في صالات البيع المباشر بحثاً عن لائحة أسعار غير منطقية لتبدلها بأخرى منطقية يتقبلها عقل وجيب المواطن، وما إن ترحل “الكاميرا السحرية” يُعاد تعليق لائحة الأسعار الحقيقة.

تتلقف سمر خبر ارتفاع سعر ليتر الزيت النباتي الذي وصل إلى 8 آلاف ليرة بالسخرية والتهكم قائلة: “أفكر جدياً بتعبئة الزيت في عبوة الكحول ورش الطعام بقطرات معدودة، الغلاء لا يصدقه عقل”.

أخذت التوابل والبهارات والمكسرات حصة الأسد من موجة الغلاء، إذ تفوق الصنوبرعلى الذهب، فوصل سعر الكيلو الواحد إلى 240 ألف ليرة، أي ما يقارب غرام وربع من الذهب. أصيبت أم عبدو بالدهشة لدى سماعها بسعر الوقية الذي وصل إلى 80 ألف، تقول والذهول يغزو معالم وجهها: “حتماَ، سيكون الدخل الشهري للشخص الذي سيشتري الصنوبر بالملايين، بالنسبة لي نسيته منذ دهر، واستبدلته بحبات فستق العبيد”.

أُلحقت أزمة الوقود بأخواتها، إذ أصدرت اللجنة المتخصصة بالمحروقات منذ عدة أيام قراراً بتخفيض حجم الكمية من المواد البترولية بالنسبة للسيارات بمعدل ما يقارب 50% في العاصمة دمشق، حيث خصصت للسيارات الخاصة والسياحية 20 لتر بنزين كل 7 أيام، أما بالنسبة للسيارات العمومية (تاكسي) فقد تم تخفيض الكمية إلى 20 لتراً وتعبئتها كل 4 أيام.

فيما شمل القرار السرافيس العاملة على الخطوط داخل العاصمة وإيقاف إمدادها بمادة المازوت أيام الجمعة. ويقول إبراهيم الذي يعمل سائق سيارة أجرة ظهراً وموظفاً صباحاً: “رفعوا سعر البنزين وماعادت توفي معنا، العالم ماعم تركب تكاسي، عدا عن نوعية البنزين السيئة، مخلوطة مع زيت وكلها شوائب”.

يعزو المحلل الاقتصادي شادي أحمد سبب تردي الأوضاع الاقتصادية في سوريا إلى “اختلال قوى الإنتاج نتيجة الحرب أولاً، والعقوبات الاقتصادية ثانياً، وخروج معظم الإمدادات كالقطن والنفط من سيطرة الحكومة السورية ثالثاً، الأمر الذي حول الاقتصاد السوري من اقتصاد يستورد كل شيء بعد أن كان يصدر معظم ما ينتج”. يوضح المحلل “أن الأسرة السورية وفق سلم النفقات باتت تحتاج إلى 3 منتجين لتتمكن من العيش، أي تشكل حوالي 80% من الدخل ينفق على الطعام والشراب وبعض الدواء بسبب غلاء الأسعار، بمعنى آخر لا تستطيع العيش بدخل واحد”.

وكانت صحيفة الوطن المحلية نشرت تقريراً صادراً عن “نقابات العمال” في بداية العام يوضح ارتفاع تكاليف المعيشة في سوريا بشكل غير مسبوق، حيث ذكر التقرير أن الأسرة المكونة من 5 أشخاص أصبحت تحتاج إلى 600 ألف ليرة سورية لسد نفقات المعيشة في الشهر، ليشير التقرير إلى تراجع القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود بنسبة 90% نتيجة الارتفاعات الكبيرة في أسعار المواد الأساسية التي وصلت إلى مستويات تجاوزت 1000%. في الوقت الذي أصبح هناك فجوة كبيرة بين الأسر السورية فهناك عائلات لا يتجاوز متوسط دخلها الشهري  حاجز50 ألف ليرة سورية.

مواضيع ذات صلة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

تعرّض زكي الأرسوزي (1899-1968 م) لإهمال كبير، ولم يُكَرَّس في الأدبيات الفلسفيّة العربيّة إلا على نحوٍ عَرَضيّ، بصفته أحد دعاة الفكر القوميّ، ومؤسِّس فكرة حزب البعث العربيّ، التي أخذها ميشيل عفلق منه وحوّلها إلى تنظيم سياسيّ فاعل في سوريا، وتلاشى ذكر الأرسوزي مع تلاشي...

مواضيع أخرى

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

لا يختلف اثنان أنّ الدراما السورية أحدثت فارقاً وصنعت بريقاً أخاذاً في فترةٍ ذهبيةٍ امتدت ما بين عامي 2000 و2010. وتحديداً ما بين مسلسل الزير سالم الذي أخرجه الراحل حاتم علي ووضع فيه الراحل ممدوح عدوان عصارة ما يمكن لكاتب المجيء به نصاً وحواراً وأحداثاً ليجعل منه...

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

أهتم كثيراً بمتابعة الدراما العربية، خاصة السورية، وثمة مسلسلات سورية لامست أوجاع السوريين وما يتعرض له الشعب السوري مثل مسلسل غزلان في غابة من الذئاب للمخرجة المبدعة رشا شربتجي. هذا المسلسل أثلج قلوب السوريين كلهم لأنه حكى بصدق وشجاعة ونزاهة عن أحد كبار المسؤولين...

الأمهات في سورية: عيد ناقص

الأمهات في سورية: عيد ناقص

غدت الأمومة في سورية مهمة قاسية ومثقلة بالهموم واكتسبت أوجهاً كثيرة، إذ انتزعت الحرب دور "الأم" الأولي المناط بالعطاء والتربية والمساند المادي الثانوي، وبدأت كثير من الأمهات يلعبن دور المعيل الأساسي ومصدر الدخل الوحيد لتحمل نفقات الأسرة في ظل غياب قسري أو اختياري...

تدريباتنا