أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
مع دخول الانتفاضة السورية في هذا الشهر عامها الثامن قُتل أكثر من أربعمائة ألف سوري ودُمِّر أكثر من ثلث البنية التحتية للبلاد، وهُجِّر نصف السكان من منازلهم وعانت بلدان أخرى من الضغط الناجم عن لجوء ملايين السوريين الهاربين من القتال إليها كما يقول بسام حداد، مضيفاً أن ما بدأ كتمرد ضد الدكتاتورية في٢٠١١ صار مرجلاً للتدخل الإقليمي والدولي. فإلى جانب الولايات المتحدة، انخرطت روسيا وإيران والعراق وتركيا وقطر والمملكة العربية السعودية وحزب الله في دعم طرف أو آخر. وسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على أكثر من ٤٠٪ من مساحة البلاد. وقد طُرِدَ تنظيم الدولة أخيراً من معظم معاقله على يد تحالفات عسكرية مختلفة بعد معارك شرسة في خريف ٢٠١٧.
وفي العام الثامن من الصراع على سوريا، والذي يذكّر بأهداف مشابهة قبل عقود، ما تزال البلاد تعاني من الاضطراب السياسي الداخلي والتدخلات الخارجية والمعارك بين تركيا والأكراد وتقع على عاتقها مهمة هائلة لإعادة بناء ما دمرته الحرب.
أما الهجوم القائم والمتواصل على الغوطة، الذي يشنه النظام وروسيا، فينذر بمزيد من الأهوال القادمة على صعيد خطط النظام السوري حيال الأجزاء الأخرى من البلاد التي ليست تحت سيطرته.
يتحدث بسام حداد ل”سبيكترم” عن كلّ هذه المسائل، ويضع الصراع في سياقه التاريخي منذ بداية الانتفاضات، ويناقش التحديات الحالية التي تواجه سوريا والسوريين.
بسام حداد باحث وأستاذ جامعي ومؤلف ومخرج أفلام وثائقية. ويحمل كتابه الثاني العنوان المؤقت “فهم المأساة السورية: النظام، المعارضة واللاعبون الخارجيون”، والذي سيصدر عن مطبعة جامعة ستانفورد. كما كان بسام منتجاً مشتركاً ومخرجاً للفيلم الوثائقي الحاصل علي جوائز ويحمل عنوان “عن بغداد”، كما أخرج الفيلم المعروف والمشاد به، “العرب والإرهاب.”
توم هودسون: أهلاً بك في سبيكترم. تبث سبيكترم محادثات مع مجموعة مختارة من الأشخاص، بعضهم مشهور وبعضهم الآخر غير مشهور. واليوم نتحدث مع بسام حداد، مدير برنامج الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في جامعة جورج ميسون. وهو عضو أساسي في الهيئة التدريسية في هذه الجامعة في الفلسفة والسياسة والاقتصاد. ويعمل على كتابه الثاني عن سوريا وصراعاتها الداخلية.
يحدثنا الدكتور حداد عن الصراعات المسلحة في سوريا وخاصة منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية والصراعات المتواصلة في البلاد التي مزقتها الحرب.
نص الحوار
توم هدسون: هل يمكن أن تشرح لنا لماذا الوضع في سوريا غامض ومحيّر لأي شخص من الخارج؟
بسام حداد: أولاً، شكراً لكم لاستضافتي. ويسرّني أن أتحدث عن هذا الموضوع، وأود أن أجيب عم سألتني عنه من خلال قول شيء مختلف قليلاً وهو أنه إذا كنت تتابع الأخبار عن سوريا، أو كلما تابعتها في الحقيقة، أَصْبَحْتَ أكثر تشوشاً. وهكذا إذا كنتَ مُشوَّشاً فلربما كان السبب هو أنك تتابع الأخبار. أما الذين لا يتابعون الأخبار فيمتلكون على الأرجح وجهة نظر كلاسيكية عن الوضع، أي أنهم يفهمون أن هناك انتفاضة في سوريا ضد الدكتاتورية، وهذا صحيحٌ من زاوية السرد الأساسي. لكن الأمر تجاوز هذا في الحقيقة. ويمكن أن يتفاجأ الناس من أن مسار الانتفاضة السورية هو في الواقع أحد المسارات الأكثر تعقيداً بين الانتفاضات والثورات. لا أعني هنا أن الانتفاضة تفتقر للشرعية، فقد كانت شرعية بشكل كامل ومتأخرة نوعاً ما نظراً للأربعين عاماً أو أكثر من الدكتاتورية، لكنني أقول هذا بسبب ما حدث للانتفاضة نتيجة تدخل لاعبين إقليميين ودوليين مختلفين على الجانبين، وقد نجحت هذه التدخلات في خطف الانتفاضة وتحويلها إلى حرب بالوكالة تخدم مصالح جهات فاعلة حكومية وغير حكومية تدعم أحد الطرفين، أي النظام من ناحية والمعارضة أو المعارضات من ناحية أخرى. وبالطبع هناك اللاعب الثالث في حلبة الملاكمة، والذي جعل الأمور أكثر تعقيداً، وأعني تنظيم الدولة الإسلامية، وهو تنظيم لم تكن تهمه ثورة ضد الدكتاتورية أو أهداف الديمقراطية بل كسب الأراضي والتوسع الإقليمي في كلٍّ من العراق وسوريا كي يشيد نسخته من دولة الخلافة أو الدولة الإسلامية.
توم هودسون: إذاً دخل تنظيم الدولة في حوالى ٢٠١٣، هل كان هذا هو التاريخ؟
بسام حداد: كان للتنظيم حضور في العراق بشكل أساسي، وحدثت عدة تطورات أيضاً، فقد سمحت الحدود السورية (التي يسهل اختراقها) بدخول ما يُدعى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق إلى سوريا، والذي عقد تحالفاً في البداية مع جبهة النصرة، والتي هي فرع للقاعدة في سوريا. لكن الأمر لم يسر جيداً. ثم نشأ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ضمن هذا السياق بين ٢٠١٣ و٢٠١٤.
توم هدسون: كان هدف تنظيم الدولة في سوريا إذاً هو الاستيلاء على الأراضي والتوسع الإقليمي، أي لم يكن فقط حركة إيديولوجية، بل حركة تهدف للاستيلاء على الأراضي.
بسام حداد: تماماً، وهذا ما ميز تنظيم الدولة الإسلامية عن القاعدة. كان هدف تنظيم الدولة بالفعل هو التوسع الإقليمي، وقد أراد أن يؤسس دولة من نوع ما بجماعات وتحتوي على متكآت الدولة من قضاء وبيروقراطية وجيش وهلمجرا. وهدفَ التنظيم إلى تأسيس دولته في كلّ من سوريا والعراق، والواقع أنه سيطر في نقطة ما على ٣٠٪ من العراق وعلى ما يقارب ٤٥٪ من مساحة سوريا. ونتحدث هنا بشكل رئيسي عن المدن غير الحضرية لأن تنظيم الدولة الإسلامية كان مجهزاً بشكل أفضل كي يستولي ويسيطر على المدن غير الحضرية نظراً أيضاً لوجود جيوش أكثر تجهيزاً في المدن الحضرية لكن البنية الاجتماعية في المناطق الأكثر ريفية كانت ملائمة أكثر كي تسيطر عليها مجموعة كتنظيم الدولة بإيديولوجيتها ونزعتها المحافظة اجتماعياً وغير ذلك.
توم هدسون: وصارت الموصل محوراً، بؤرة لتنظيم الدولة، أليس كذلك؟
بسام حداد: في الحقيقة كانت الموصل المدينة الحضرية الوحيدة في كلا البلدين التي تمكّن تنظيم الدولة الإسلامية من السيطرة عليها. وقد سيطر عليها بطريقة مريبة، لأنه لم تحدث معركة في الموصل، بل دخل إليها عناصر التنظيم فحسب، وكان السبب هو السخط الشعبي في الموصل من الحكومة من ناحية والافتقار للجاهزية لدى القوات الحكومية أو للوجود الرسمي للحكومة العراقية في الموصل من ناحية أخرى. حدث هذا في ٢٠١٤، وكان هذا هو التوسع الإقليمي (كسب الأراضي) الأكثر أهمية لتنظيم الدولة في المناطق الحضرية، أضف إلى ذلك ولايتها أو دويلتها في الرقة في شمال سوريا الريفي.
توم هدسون: لنلخّص الأمور حتى هذه النقطة التي وصلنا إليها، ثم يمكنك أن تواصل. لدينا نظام الأسد الذي يحاول البقاء في السلطة ضد مجموعات مختلفة من المتمردين الذين لم يندمجوا في قوة واحدة. ثم لدينا دخول تنظيم الدولة الإسلامية، الذي قاطع المعركة بين الطرفين، ودخل طرف ثالث في هذا الصراع. والآن يُقال إن تنظيم الدولة طُردَ. هل أخرجه نوع من الهدنة …أو كيف تم طرد تنظيم الدولة والطرفان الآخران ما يزالان يتقاتلان؟
بسام حداد: اسمح لي أن أعود إلى البداية، حين يتحدث المرء عن سوريا يواجه كثيراً من التفاصيل الغنية والمثيرة ثم بعد ذلك عليه أن يعود إلى البداية. إن السرد عن سوريا مثير للجدل دوماً، ولا يوجد سرديات عن سوريا لم تُجادَل. ما أريد قوله لك هو بعض السرديات الأساسية التي يصعب جداً مجادلتها، حتى من قِبل آراء مختلفة، لكنها ستبقى قيد الجدل إلى حد ما. أعتقد أن الأمر الأكثر أهمية الذي يجب أن نعرفه عن الوضع السوري هو أن سوريا حكمتها دكتاتورية منذ ١٩٧٠ أو ١٩٦٣ بحسب التاريخ الذي تريده، لكننا نستطيع القول من أربعة إلى خمسة عقود. لا يعني هذا أن الفترة السابقة للدكتاتورية كانت وردية، إنما يعني أنه كان لدينا فقط نوع خاص من الدكتاتورية في ظل حزب معين حكم منذ ١٩٦٣ ثم واصل حكمه في ١٩٧٠ حين استولى الأسد الأب على السلطة. إن هذه الخلفية من وجهة نظري هي السياق الذي يحدث فيه كل شيء. فبعد ٤٠ سنة من الدكتاتورية لا نستطيع توقع انتفاضة تقوم بها الملائكة، كما لا نستطيع توقع وقوف حلفاء الدكتاتورية مكتوفي الأيدي. ولا نستطيع توقع أن معارضة هذه الدكتاتورية ستدعمها جهات فاعلة حكومية أو غير حكومية ملائكية. وهكذا رُتِّب الموقف منذ البداية لجذب حلفاء وداعمين إشكاليين ومقاتلين أجانب كما هو الحال لدى تنظيم الدولة ومجموعات أخرى. وهكذا لدينا موقف حدثت فيه انتفاضة شرعية في سوريا في ٢٠١١، أثارتها الانتفاضات الأخرى وإلى حد ما النتائج السريعة في تونس ومصر، وكانت هذه الانتفاضة مدنية الطابع وسلمية، لكن تطورات مختلفة عرقلتْها. وكان التطور الأول الذي عرقل هذه الانتفاضة ضد الدكتاتورية، والتي تحولت كما قلتُ إلى حرب بالوكالة، هو تسليحها وعسْكرتها. وهذا غيَّر طبيعة الموقف وقدّم للنظام المتوحش الذي سحق حتى أصوات الاحتجاج المدني الذريعة كي يصبح أكثر تعمداً في فعله لهذا وصعّد من عنفه بحجة أن الانتفاضة ليست متمدنة أو مدنية، وبدأ هذا يغيّر طبيعة الانتفاضة وحوّل الصراع من انتفاضة ضد الدكتاتورية إلى نوع من الحرب، وقام عدد كبير من الأشخاص الداعمين للانتفاضة بتشكيل مجموعات مختلفة دُعمت بسرعة لا عسكرياً فحسب بل سياسياً أيضاً من الخارج. وأنشأ هذا موقفاً كالحرب منح ضوءاً أخضر، من منظور النظام، للهجوم بشكل أكثر وحشية على المحتجين وكذلك على جيوش المتمردين. وأدى هذا إلى تغيير السياق من انتفاضة ضد الدكتاتورية إلى حرب بالوكالة حاولتْ فيها مجموعات مختلفة تقوم بدعم الطرفين استخدام سياق الانتفاضة لتحويل المنطقة أو لإعادة رسم خريطتها بشكل يتناسب مع مصالحها، وافترض كلُّ طرف أنه سيكون المنتصر.
إن مأساة الوضع السوري هي أنه لا يوجد منتصرون ولعدة سنوات الآن. هناك ضحايا فقط، والمحزن أن الضحايا هم أغلبية السكان السوريين الذين استنفدهم كل ما يجري. وهم لا يدعمون بالضروروة المنطقة أو القيادة التي يعيشون في كنفها لأنهم على مستوى الأرض مُحْتَجزون في منطقة معينة. وأنتَ سترضخ للمكان الذي أنت فيه في معظم الأحيان إلا إذا كنت قادراً على الهرب، أو أصبحت لاجئاً كغالبية السوريين. وما أريد قوله هنا هو أن إعياء غالبية السوريين جعلهم ينسحبون من الصراع، لكن ليس بطريقة حيادية. وأعتقد أن غالبية السوريين، الغالبية الساحقة منهم، يريدون تغييراً في سوريا، ويريدون زوال هذا النظام. وما صار أكثر تعقيداً (وهذا ما لا يفهمه كثيرون) هو أن الرغبة بالبدائل ضعفت. ولا يعني هذا أن النظام صار أكثر جاذبية، بل أن البدائل، نظراً لما يحدث على الأرض، ولطبيعة قوة التمرد، تغيرت من قوة عسكرية مدنية أرادت بديلاً أكثر تقدمية إلى قوة تمردية تستند إلى صيغ لا تلبي بالضرورة تطلعات الثوريين، وأعني هنا الثوريين الأصليين في سوريا. وفي هذا السياق، حاولت جهات فاعلة مختلفة حكومية وغير حكومية ومحلية وإقليمية ودولية الاستفادة من هذا الخلل كي تصفّي حسابات وتخدم مصالحها الخاصة، سواء كانت هذه الجهات المعسكر المؤيد للمعارضة متمثلاً بدول كالسعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة، أو المعسكر المؤيد للنظام متمثلاً بإيران وروسيا وحزب الله، والصين حين يتعلق الأمر بالعلاقات الدبلوماسية. وهذا أدى في نهاية المطاف إلى تحرر من الوهم لدى معظم السوريين حيال من يدعمون، وأكرر أن هذا ليس بسبب الافتقار لإيمانهم بضرورة رحيل النظام، لكن بسبب افتقارهم لليقين بأن البديل الموجود على الأرض هو الأمثل.
توم هدسون: صارت الانتفاضة المدنية صراعاً دولياً، وجعل هذا التدخل العالمي الناس يتسآلون: أية مصالح ستسود وأية بلدان ستتدخل، صحيح؟
بسام حداد: صحيح، وهذه هي المأساة التي نصادفها بالفعل سنة بعد أخرى واليوم. وهكذا إذا كنت تريد النظر إلى السياق الأكبر، إذا أردت بناء نظرة شاملة ستجد أن الانتفاضة السورية التي بدأت في آذار ٢٠١١ مرت في طورين ينطوي كلٌّ منهما على مراحل مختلفة. كانت المرحلة الأولى، كما قلتُ، هي انتفاضة مدنية تحولت إلى انتفاضة عسكرية ثم إلى حرب بالوكالة. وهكذا فإنها مثلت مراحل داخل الطور الأول انتهت في كانون الأول\ديسمبر حين تمكّن النظام من إعادة السيطرة على مدينة حلب كلها مما أدّى إلى استيلاء النظام على كل المدن الحضرية أو إعادة الاستيلاء عليها، وهنا لا تهم اللغة التي يستخدمها المرء، لأن النظام سيطر عليها في الحقيقة سلفاً. والنقطة هنا هي أن هذا أنهى الحرب في سوريا من وجهة نظري. بتعبير آخر، إن الذين أرادوا إسقاط النظام، سواء كانت نواياهم جيدة أو سيئة، وسواء كانوا يكترثون بالشعب السوري أم لا، أو كانوا يريدون الإطاحة بالنظام لسبب أو آخر، فإن هذا الهدف انتهى، لأن النظام نجح في السيطرة على معظم ما يُدْعى بسوريا المفيدة في كانون الأول\ديسمبر ٢٠١٦. أما الطور الثاني فهو ما بدأ بعد هذه السيرورة، وأعني الانتقال من حرب على سوريا إلى عدد من الحروب الصغيرة داخل سوريا جسّدت على الأقل هدفين: إما تحقيق أهداف بلدان معينة كتركيا في حربها ضد الكرد، أو الاستيلاء على ما تبقى من سوريا من قبل النظام، وهاتان هما الديناميتان الرئيسيتان في سوريا اليوم، بصرف النظر عن ديناميات أخرى تعمل. وما جعل هاتين الديناميتين مهيمنتين خاصة اليوم في ٢٠١٨هو التراجع الدرامي لتنظيم الدولة الإسلامية في العام الماضي، والذي أعتق معظم اللاعبين الذين تعاونوا بالفعل معاً، بالرغم من أنهم كانوا يعارضون بعضهم في كل شيء آخر لكنهم في الحقيقة عملوا معاً وربما يحب ألا أقول إنهم عملوا معاً بل كان لهم هدف مشترك هو إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية.
توم هدسون: كان هذا هو العدو المشترك.
بسام حداد: كان تنظيم الدولة الإسلامية عدواً مشتركاً وكانت له معارضة متشابهة سواء أكانت الولايات المتحدة، النظام السوري، الإيرانيون والروس أو المعارضة، وعلى الأقل في بعض الحالات، هناك نوع من الفائدة في إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة لكن دون القضاء عليه نهائياً لأن هذا يمكن أن يُسْتخدم كورقة في مواقف مختلفة في المستقبل. وهذا نوع من التخمين لكن هناك ما يكفي من الأسباب للاعتقاد أنه لا توجد نية للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية بشكل كامل في الأجزاء الصغيرة المتبقية في سوريا. وهنا ندخل في الطور الثاني من الانتفاضة السورية، حيث لم يعد لدينا حرب للاستيلاء على الحكومة المركزية في سوريا، على الأقل لا يوجد شيء من هذا القبيل، وصار لدينا حروب أكثر صغراً وتبعثراً تمثل مصالح بلدان مختلفة تستخدم سوريا لتصفية حسابات أو لمنع تطور صراع أو تهديد كما في حالة تركيا والأكراد.
إن الغزو التركي داخل سوريا، والذي يحدث اليوم في مدينة عفرين السورية، يهدف إلى هزيمة وتفكيك وحدات حماية الشعب، وهي تنظيم كردي متهم بامتلاك صلات مع حزب العمال الكردستاني، الحزب الانفصالي الذي حاربه الأتراك لسنوات. وتتهم تركيا الحزبين بأنهما إرهابيان. وتحاول تركيا القيام بهذا لأنها تريد تأمين حدودها الجنوبية وهي في صراع الآن مع مجموعات وجهات فاعلة أخرى تنظر إلى هذا كانتهاك للسيادة، بما فيه النظام السوري، الذي تشارك ميلشياته، أو الميلشيات المؤيدة له، في القتال. وهكذا لدينا موقف معقد جداً في هذا الخصوص، وتتكشف الأحداث في الحقيقة عن خسائر كبيرة جداً مني بها الأكراد في عفرين، ومني بها الأتراك أيضاً الذين لم يتمكنوا من التقدم بسرعة كما أرادوا. ومن ناحية أخرى يحاول النظام إعادة السيطرة على أجزاء مختلفة من سوريا استولى عليها المتمردون في السنوات السبع الماضية. ونرى المأساة تتكشّف اليوم في شرق دمشق، في منطقة الغوطة، حيث يهاجم النظام والروس منطقة فيها ٣٨٠٠٠٠ نسمة حُوصروا لسنوات بذريعة مهاجمة دمشق بالصواريخ ومزاعم انتشار الجماعات الإرهابية في الداخل. وبالطبع تُسمى كل الجماعات إرهابية لأنها عدو، أو يصبح العدو إرهابياً بصرف النظر عن دقة التسمية. وهذه المحاولة الأولى الآن بعد حلب لاستعادة إحدى المناطق الاستراتيجية الرئيسية. وقُتل في الغوطة حتى الآن من ٦٠٠–٧٠٠ مدني، رغم أن النظام يزعم أن معظمهم عسكريون أو مقاتلو ميليشيات، ويبدو أن الخطوة التالية في هذه الحملة ستكون مرتع المعارضة المتمردة الذي تسيطر عليه هيئة تحرير الشام في الشمال، وأعني محافظة إدلب. ويُشاع أن الغوطة هي إما أرض التدريب أو الخطوة الأولى للدخول إلى تلك المنطقة، ولأن هذا هو المعقل الرئيسي الوحيد للمعارضة المجهزة جيداً بالمعنى العسكري. وبالطبع يضع النظام نصب عينيه أجزاء أخرى من البلاد بما فيه الجنوب، والذي هو مستقر كثيراً بسبب عدم وجود سلطة عسكرية واحدة تسيطر على ذلك الإقليم، رغم أنه تحالف محصور أو مقيد باتفاقيات عديدة وقعتها سوريا والأردن وإسرائيل ويحدد هذا أي نوع من التحركات التي يمكن أن تحدث هناك. وبالطبع لدينا مسألة مهمة وهي الصراع السياسي الكامن المحتمل بين النظام السوري والأكراد، وقد تدرجت علاقة الطرفين بين الصداقة والعداوة. كان الطرفان صديقين في نقطة معينة وقاتلا نفس الأعداء رغم أنهما في الحقيقة متعارضان بنيوياً وإيديولوجياً. لكن الطرفين لم يدخلا في حرب كاملة. وأحد الأسباب يتعلق بالاقتصاديات، بما أن الأكراد يسيطرون على أكثر من ٦٠٪ من حقول النفط في سوريا.
توم هدسون: ما قلته يساعدنا في فهم ما يجري في المنطقة هناك والديناميات التاريخية. لكن يبدو لشخص من الخارج أن السياسة الأميركية الخارجية إزاء سوريا كانت في حال تغير دائم، ومشوشة وغير متناسقة. هل هذا تشخيص صحيح؟
بسام حداد: من وجهة نظر أشخاص يعيشون في الولايات المتحدة مثلك ومثلي، يمكن أن يبدو كأن هناك تردداً. وقد يبدو أن هناك نوعاً من التشوش فيما يتعلق بما يمكن أن يُفْعل في سوريا. لكن في الحقيقة، ليس التشوش كبيراً. إن مظهر التشوش واضح وملموس لكن الولايات المتحدة شهدت في ظل إدارة أوباما، وعلى نحو مثير للفضول في ظل إدارة ترمب، تغيراً درامياً في السياسة إزاء سوريا. وسُمع كلام عن خلاف لكن في الحقيقة إن الولايات المتحدة تعمل على أساس مصالحها القومية عادة، التي هي بالأحرى مستقرة. وكانت النقطة الوحيدة الأكثر أهمية للإدارة الأميركية دوماً هي أن الجائزة في سوريا ليست عالية. بالتالي نحن لسنا أمام صراعٍ عائداتُه وجوائزه واضحةٌ ويمكن الحدّ من تكاليفه. وكان هذا عنصراً محورياً في الموقف الأميركي حيال سوريا. ويتعلق العنصر الآخر بمدى رغبة الجمهور الأميركي والجيش الأميركي والحكومة الأميركية بالدخول في حرب شاملة في سوريا بشكل عام. وهذا يرشح بالطبع بالمشكلات التي حدثت في العراق. وحين نتحدث عن مشكلاتنا لا نعترف بالكارثة التي حلت بالعراقيين، لكن ما مرّت به الولايات المتحدة في العراق خفّف من رغبتنا بالحرب، سواء في سوريا في ٢٠٠٥ حين كان البعض يدعون لضربها أو الرغبة القائمة للحرب مع إيران حيث يوجد وسيكون هنا دوماً دعوات، لكن أنت تعرف الإدارة، حتى هذه الإدارة رغم لغتها المتشددة فإنها تقارب مسألة الحرب بحذر شديد. وهكذا فإن الرغبة بالحرب في المنطقة أو الحرب الشاملة ليست مرتفعة. إن العامل الثالث الذي يسمح لنا بفهم السياسة الخارجية الأميركية بعيداً عن الحركة اللولبية أو البلاغة هو المزج بين الاثنتين لمعرفة السياق في سوريا. إن أحد أسباب عدم نجاح الانتفاضة، هو أن جميع الداعمين للانتفاضة السورية، انتفاضة الديمقراطية، إن لم يكن معظمهم، ليسوا داعمين حقيقيين لانتفاضة من أجل الديمقراطية، وإنما كانوا يراهنون على إسقاط النظام من أجل مآرب تخدم مصالحهم. وأنشأ تزامن الرغبة بالإطاحة بالدكتاتورية مع تطلعات الغالبية الساحقة للسوريين تحالفاً كان هشاً جداً بين الانتفاضة، إن شئت، والقوى الخارجية. وعلى أي حال، ما عرفته الإدارة الأميركية السابقة هو أن هذا القتال، أو الصراع، بالنسبة للنظام وحلفائه، هو صراع وجود، بينما هو بالنسبة لداعمي المعارضة صراع استراتيجي يستطيعون الانسحاب منه في أية لحظة حين يصبح التهديد أو الخطر أعلى من عتبة معينة، وهذا ما حدث في حالة قطر والسعودية اللتين كانتا مؤخراً تتجادلان بين بعضهما حول من أخطأ في التعامل مع سوريا والمتمردين السوريين ومن سلّح أية جماعات ورَدْكل الوضع في سوريا أو الانتفاضة.
توم هدسون: صارت هذه نقطة خلاف بين الطرفين.
بسام حداد: صحيح. وسحب البلدان الدعم الوفير إلى حد كبير لكن ليس بشكل كامل. ولم تعد تركيا ترغب بجعل حدودها مفتوحة وسهلة الاختراق للمقاتلين والمتسللين بعد أن دخل عبرها آلاف المقاتلين كي يخوضوا “حرب الخير”، وتورطت في مشاكل مع الإسلاميين أو تنظيم الدولة الإسلامية الذين بدأوا بالتفجيرات في تركيا. وبالتالي ضغطت تركيا على المكابح في لغتها ضد النظام السوري وتسهيلاتها لقوى مختلفة تقاتل النظام وللجهات الحكومية واللاحكومية الفاعلة وكذلك للمقاتلين الأفراد الأجانب. وصارت تركيا أكثر انخراطاً في المسألة الكردية. أما الولايات المتحدة فلا مصلحة لها بالمقارنة مع إيران وحزب الله والروس الذين دخلوا بقوتهم الكاملة وفعلوا ما لم تكن الولايات المتحدة بالضرورة راغبة بفعله وأعني وضع كل طاقتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بالرغم من أن الروس فعلوا هذا أيضاً كغطاء لمساعدة النظام في استئصال المتمردين المتبقين باسم محاربة الإرهابيين دون التمييز بين المجموعات الإرهابية المعارضة للنظام والمجموعات التي لا تحب تنظيم الدولة الإسلامية.
توم هدسون: سواء كنت من تنظيم الدولة أو متمرداً فأنت عدو للدولة وهكذا لا فرق بينكما–
بسام حداد: وحدث نوع من التلاعب من قبل الروس بحيث أنهم صنّفوا هذه الحركات في خانة واحدة مثل جبهة النصرة والتي هي في معظمها سورية وتقاتل النظام، بخلاف تنظيم الدولة الإسلامية والذي هو غير سوري وغير مهتم بالثورة في سوريا، بل أكثر اهتماماً بالتوسع الإقليمي وكسب الأراضي في العراق وسوريا وإنشاء دولة خاصة به تعارض كل ما يريده المتمردون، بما فيه الذين يقاتلون. وبطريقة ما، كان استعداد الولايات المتحدة للقيام بفعل ما كإنشاء منطقة حظر طيران والالتزام بإرسال قوات برية (هناك بعض القوات على الأرض) منخفضاً جداً لدى إدارة أوباما، لتلك الأسباب الثلاثة التي ذكرتها وواصلت انخفاضها في إدارة ترامب باستثناء واحد وهو: هل سيحدث حدث يدفع الأمور للخروج من السيطرة في سوريا؟من المرجح أكثر أن ترد إدارة ترامب بطرق لن ترد بها إدارة أوباما.
توم هدسون: إذا نظرنا إلى البلاد، على الأقل في الصور التي ترافق نشرات الأخبار سنرى أن سوريا مدمرة، فقد دُمرت البنى التحتية والأبنية والخراب واسع الانتشار، على الأقل في بعض المدن والمناطق التي يقاتلون فيها. كيف سيُبْنى هذا؟ ومن سيساعد في دفع فاتورة إعادة الإعمار؟
بسام حداد: ألقيتُ مؤخراً محاضرة في جامعة كاليفورينا بلوس أنجلوس وفي جامعة جورج تاون تناولت هذا الموضوع بالتحديد، وأعني مسألة إعادة الإعمار والمصالحة واحتمال السلام. إن الحقيقة المؤسفة والمخيفة هي أن المشكلة في سوريا، على عكس ما يظنه كثيرون، خاصة في المجموعة الدولية التي تبحث عن نقاط دخول مربحة إلى سوريا، هي أن المشكلة في سوريا ليست مشكلة الدمار. بالطبع الدمار عنصر في المشكلة، لكن الأمور مغلفة بخصومات سياسية عميقة وعقود من القمع وعوامل أخرى متعددة بالتالي فإن الحل ليس مجرد إعادة بناء.
إن الدمار جلي، وفضلاً عن الأربعمائة ألف سوري الذين قُتلوا، لدينا بالطبع مليون شخص أصيبوا بإصابات خطيرة، ولدينا مئات الآلاف من العاجزين، ودُمر على الأقل ثلث البنية التحتية، ودُمرت المدارس المختلفة، والمراكز صحية والمستشفيات، وذلك بسبب القصف الذي قام به النظام والروس إلى حد كبير وفي مناطق المتمردين. وهُجِّر أكثر من نصف السكان السوريين الذين يبلغ عددهم ٢٤ مليوناً. وهُجِّر حوالى النصف أو أقل من النصف بقليل من سوريا إلى بلدان أخرى كلبنان وتركيا والأردن وبلدان مختلفة كمصر وأوربا، وهلمجرا. ثم هُجِّر البقية في الداخل. ولدينا أيضاً كمية معتبرة من الأذى الذي ليس مرئياً، والذي يتحدث كثير من الناس عنه، وهذا تطور خطير جداً في سوريا، وأعني المسائل السيكولوجية، وكما تعرف نحن نتحدث هنا عن مآسينا الخاصة، مآسينا الصغيرة كمثل إطلاق النار في المدارس. ويمكن أن تتخيل الصدمة التي تصيب بعض الأشخاص الذين لم يشهدوا مباشرة ما حدث. لكننا نقلق عليهم ونضع صورهم على شاشة السي إن إن، ونتحدث مع الأشخاص الذين صُدموا لمجرد وجودهم على أرض المدرسة حين حدثت الجريمة. وهكذا تستطيع أن تتخيل بعد سبع سنوات من الموت والدمار مدى الصدمة في سوريا. ثم هناك عواقب تنموية. لم يحصل الناس طيلة سبع سنوات على التعليم الملائم في بلاد معتادة على وجود تعليم كامل. وهكذا لدينا سبع سنوات معتمة في حياة كثير من الناس، ليس الكل، لأن التعليم تواصل في أمكنة متفرقة. أما بالنسبة للقوة العاملة فقد فقدت سوريا قوة عمل هائلة تمتع بمهارات وتقوم بأعمال جيدة الآن في ألمانيا وأمكنة أخرى بما أنها قادرة على استخدام مهاراتها. وقد جُردت سوريا من جميع أنواع الكرامة والموارد. وحصل أذى عميق.
إن إعادة الإعمار لا يمكن أن تتواصل أو أن تبدأ بشكل ملائم دون صيغة ما لتحقيق لا السلام فحسب، بل وحدة الأراضي. فهناك على الأقل أربعة أقسام رئيسية مستقلة أو شبه مستقلة في سوريا: النظام الذي يملك القسم الأكبر الآن، والأكراد الذين يملكون ثاني أكبر قسم في معظم شمال وشمال شرق سوريا، ثم بالطبع المعارضة التي تمتلك بعض المعاقل في الشمال في إدلب وحول دمشق وبعضها في الجنوب، وتنظيم الدولة الإسلامية الذي يتركز في شرق سوريا في بقع أصغر من الأرض ويحاول الآن إنهاء أعماله وتهريب الأسلحة والأشخاص والنقود. إن إعادة البناء دون وحدة أراضي ستكون إعادة بناء مبعثرة ولن تخدم الإنسان السوري العادي. وقد بدأت إعادة البناء في الحقيقة في سوريا، في المناطق التي يسيطر عليها النظام، حيث باشروا بالفعل في إعادة بناء معتبرة. لكن إعادة البناء هذه لا تهدف كما يرى أفضل المحللين والباحثين الميدانيين إلى خدمة السوريين الذين فقدا حيواتهم ومنازلهم، بل تهدف أكثر إلى تدعيم الدولة وتقدم السكن للناس الذين يستطيعون الدفع مقابله. وإنه لمأساوي أن معظم الناس الذين فقدوا منازلهم وهُجروا داخل وخارج سوريا لن يكونوا قادرين على العودة إلى تلك المناطق. وإذا كانت هناك خطة لإعادة بناء سوريا، سواء بدعم من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو من الصينيين أو الإيرانيين أو الروس أو الولايات المتحدة أو المؤسسات الدولية المختلفة كمثل الأمم المتحدة أو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهلمجرا، فإن السؤال هو: مع من سيعقدون هذه الصفقات؟ إذا كانوا سيعقدونها مع النظام فإن إعادة البناء ستحدث إذاً بحسب مصلحة النظام وشركائه المباشرين، وليس لمصلحة معظم السوريين الذين فقدوا حيواتهم ومنازلهم. وإذا كانوا سيعقدونها مع آخرين فإن المرء لا يعرف كم سيبقى هؤلاء في مواقعهم. إن متمردين مثل هيئة تحرير الشام في شمال سوريا، التنظيم الذي لا يحبه معظم السوريين غير قابلين للدعم. أما الأكراد فمستقبلهم متزعزع، وبالطبع تنظيم الدولة الإسلامية ليس منافساً، وهكذا فإن أفضل سيناريو هو: يقدم النظام نتائج غير مرغوبة وتنطلق من هنا.
توم هدسون:سيصدر لك كتاب جديد قريباً، الكتاب الثاني عن هذه المنطقة.
بسام حداد: لا أستطيع القول إنني أنهيتُ الكتاب، كلما حاولتُ أن أنهي جزءاً تطورت الأمور وحدثت أشياء ليست قليلة أيضاً. وحين حاولت في ٢٠١٣ أن أنهيه بزغ تنظيم الدولة الإسلامية. وقد كنتُ مشغولاً بما يكفي ومحظوظاً بما يكفي أنني لم أنهه. والآن أنا أعمل عليه. كان كتابي الأول حول التواطؤ بين النظام وأقطاب الأعمال الكبار في سوريا، هذا التواطؤ الذي قاد بالفعل إلى تدهور الاقتصاد السوري وإلى الاستقطاب الاجتماعي الدرامي في سوريا والذي شكل خلفية الانتفاضة. يواصل كتابي الثاني القصة التي بدأت في الأعوام العشرة الأولى من حكم بشار الأسد الذي بدأ في عام ٢٠٠٠ ويبين إلى أي مدى فاقمَ حكمهُ السخط الشعبي ونصب خشبة المسرح لانتفاضة تأخرت كثيراً. ويعالج الكتاب ديناميات الانتفاضة السورية من خلال دراسة تعقيدها الشديد، ولماذا هي أكثر تعقيداً من الانتفاضات الأخرى في المنطقة نفسها، في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين. ويدرس الكتاب الدور الإقليمي المحوري لسوريا وكيف هو في محور صراعات مختلفة متزامنة: محلية وإقليمية ودولية. ثم يعالج تحول الانتفاضة إلى شيء لم يعد يشبه العواطف الأصلية للانتفاضة و محاولات تطويل الانتفاضة بما فيه ما دُعي ب“الحرب الاقتصادية” التي استفاد منها جميع المتمردين والمقاتلين والدول. ويفسر الكتاب نوعاً ما وإلى حد ما لماذا هناك اهتمام قليل إقليمياً ودولياً بإنهاء الحرب، لأن هذا الاقتصاد أفاد لاعبين مختلفين غير مهتمين في الحقيقة بالثورة من كل الأطراف. ويعالج الكتاب ديناميات الانتفاضة بمعنى أنه يساعدنا في فهم تشكل وإعادة تشكل وتقوّض تحالفات ومجموعات مختلفة في المعارضة. وبدلاً من فعل ما تفعله الكثير من أبحاث مؤسسات الأبحاث أو التحليل أحياناً أو الأنباء التي تتبع هذه المجموعة أو تلك وكيف بزغت وكيف تحالفت وكيف تقوضت، حاولتُ أن أضع إطاراً لفهم ما يحكم هذه السيرورات، بحيث نستطيع أن نربط سوريا ما قبل ٢٠١١ مع ديناميات الانتفاضة محلياً، لمصلحة لاعبين إقليميين ودوليين عملوا معاً وقدموا البنية التحفيزية لتقوض هذه المجموعات المتحالفة المختلفة بعد تشكلها. ثم أختتم الكتاب بمناقشة إعادة الإعمار التي أعتبرها مهزلة. وفي الوقت نفسه لا تستطيع ألا تعيد الإعمار، أليس كذلك؟ وهكذا أنا لا أنقد إعادة البناء الهادفة إلى إعادة إعمار مستشفيات ومدارس ومنازل. ما أريد قوله هو أن هذا صار فرصة لكسب رأس المال، فرصة لزيادة أرباح فاعلين مختلفين ولإغناء خزائن الدولة بطرق ما ودعم حلفاء وأعداء دوليين مختلفين من خلال تقديم قطعة من الكعكة لهم.
توم هدسون: وأعتقد أن الغش والفساد متفشيان.
بسام حداد: هذا متواصل لسوء الحظ. والمحصلة النهائية هي أنه بعد هذه المأساة التي تواصلت أكثر من سبع سنوات لن تحدث الأمور من أجل خدمة الشعب السوري، بعد كل هذا الخراب. إن إعادة البناء يمكن ألا تخدم غالبية السوريين، بل ستطيل حياة وأمن المنتصرين المفترضين.
توم هدسون: شكراً لك على مساعدتنا في فهم هذه المنطقة المعقدة جداً من العالم.
بسام حداد: شكراً لك لاستضافتي وتقديري لكم ولأسئلتكم.
مقابلة أجرتها شركة WOUB Public Media التابعة لـ NPR، وترجمها إلى العربية أسامة إسبر.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...