تدريباتنا

دمشقيتي السورية المنتمية إلى فلك العروبة

بواسطة | مارس 22, 2018

أُتيح للنظام العسكري الدكتاتوري نحو نصف قرن ليحقق وعوده وطموحاته، حصل خلالها على فرصته كاملة لقيادة البلد نحو الحرية والاشتراكية والوحدة، ولقد فشل. النجاح الذي أحرزه، كان في تحويل سورية إلى بلد مدمر، وزراعة الموت، فلا بقعة تخلو من المقابر. هذا حال سورية التي جلا عنها الفرنسيون في عام ١٩٤٦، ترضخ اليوم في عام ٢٠١٨ تحت عدة احتلالات: إيرانية، روسية، أمريكية، تركية، وأذنابهم، إضافة إلى المليشيات المذهبية والفصائل الإسلامية المعتدلة والمتطرفة.

أما الشعب، فملجوم عن الفعل، وعن التفكير بالمصير، مجرد البقاء على قيد الحياة، بعد سبع سنوات من الجحيم، لا يريد سوى الخلاص من الحرب، منهكاً يعاني من القتل والنهب والقصف والغلاء واللصوص والمحتالين… وإذا كان لهذا الشعب بلوغ أقصى أحلامه، فالعيش بكرامة، وليس تحت ظل الأجهزة الأمنية، والشبيحة النتاج الفريد الحامل لملامح النظام الأكثر ابتذالاً.

سواء اتفقنا أو لم نتفق، يقاتل النظام من أجل بقائه، وفي حال انتصاره، سوف يفرض هوية سورية، تتلخص بكلمة واحدة “منحبك” وسوف يقود الرجل المحبوب السوريين إلى حرب أخرى، إن لم تستمر الحرب الحالية إلى ما لانهاية، ما دام لديه عشاق أوفياء وعميان توافقوا على نهب البلد والتعيش على مآسيها.

هذه المقدمة لا بد منها. فالخلاف الجوهري ليس على الهوية، وإنما هي ذرائع وحجج ومزاعم الأطراف المتقاتلة للاستيلاء على السلطة، وبناء سلطات موازية على مناطق متفرقة من الأرض السورية. إذا أردنا تعيين من نحن، فلن نعود الى ما قبل الصفر لنبحث عن هوية. فإذا لم نكن عرباً، فماذا نكون؟ ولماذا عليَّ أن أعيد النظر بعروبتي؟

فإذا كنت أتكلم اللغة العربية، والتاريخ والماضي، وتراثي ورموزي ومشاعري مشتبكة بالعروبة، هذا عدا العادات الاجتماعية وما تعنيه بالنسبة إلينا المساجد والكنائس والشعائر المقدسة وغير المقدسة، إضافة الى المطبخ والطبيخ… كلها تدور في نطاق دمشقيتي السورية المنتمية إلى فلك العروبة، فلماذا أبحث عن هوية أخرى؟ ولماذا أختلق ما يربطني مع شعبي، مادامت هذه العناصر تجمعني معه؟

العروبة، لا تجعلني أتنازل عن ديني، ولا تضطر غيري إلى التنازل عن أديانهم ولا مذاهبهم، ولا تلزم الكردي بالتنازل عن قوميته ولا حقوقه. جميع هذه الانتماءات سواء كانت شخصية أو غير شخصية بالوسع الاعتقاد بها وممارستها. المطلوب ديمقراطية تحفظ حقوق الجميع كاملة، وعلمانية تحمي هذه الانتماءات تحت السماء السورية. هل نبتدع فيدراليات وإمارات ومحميات ومناطق آمنة وغير آمنة وسورية مفيدة وغير مفيدة لكي نخوض في خلافات لا أول لها ولا آخر، مشكلتنا هي النظام الذي استعبد الشعب وأهانه تحت شعارات جائرة، كرسها لاستباحة حياة الناس وحرياتها.

إذا أردنا البدء مما قبل الصفر، فلنتخيل بلداناً أخرى وهويات ثانوية وفرعية تطمس هوية لم تتمزق إلا بسبب صراعات لا تتعلق بالهوية بقدر ما تتعلق بالسلطة والانحيازات الطائفية ضيقة الأفق   

التأسيس على الهويات الفرعية أو القبول بها خطأ قاتل، إنها فرعية ويستحسن إبقاؤها فرعية، إنها تخصني كما تخص أفرادا وجماعات، لا تجمع بقدر ما تشرذم. إن العروبة الجامع الأكبر للشعب السوري لا يمكن إنكار الصلة القوية لكل قومية في سورية بالعروبة، ألم تشارك القومية الكردية في صناعة التاريخ السوري والعربي؟ لا معنى لافتعال عداوة مع الأكراد، إن كانت حقوقهم محفوظة بالكامل ضمن سورية عربية. وإذا كان لديهم أحقاد مشروعة فضد الأنظمة. وإذا كان لكل جماعة الحق بالاستقلال عن سورية الوطن الأم، فإرضاء الأكراد، يشجع على مطالبة العلويين بدولة، والدروز بدولة، وعلى هذا المنوال تتقاسم سورية؛ كانتونات للكاثوليك والأرثوذكس والسريان والتركمان والشركس، وإمارات إسلامية بالعشرات.

لسنا على خلاف جوهري، إنما هو التطرف العربي والكردي والعلوي والدرزي والسني، إذا كانت هناك إرادة للعيش المشترك، فالعائق الآن هذا النظام المسلط فوق رؤوسنا، بوجوده، لا هوية ولا حرية ولا سلام ولا أمن.

مواضيع ذات صلة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

تعرّض زكي الأرسوزي (1899-1968 م) لإهمال كبير، ولم يُكَرَّس في الأدبيات الفلسفيّة العربيّة إلا على نحوٍ عَرَضيّ، بصفته أحد دعاة الفكر القوميّ، ومؤسِّس فكرة حزب البعث العربيّ، التي أخذها ميشيل عفلق منه وحوّلها إلى تنظيم سياسيّ فاعل في سوريا، وتلاشى ذكر الأرسوزي مع تلاشي...

مواضيع أخرى

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

لا يختلف اثنان أنّ الدراما السورية أحدثت فارقاً وصنعت بريقاً أخاذاً في فترةٍ ذهبيةٍ امتدت ما بين عامي 2000 و2010. وتحديداً ما بين مسلسل الزير سالم الذي أخرجه الراحل حاتم علي ووضع فيه الراحل ممدوح عدوان عصارة ما يمكن لكاتب المجيء به نصاً وحواراً وأحداثاً ليجعل منه...

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

أهتم كثيراً بمتابعة الدراما العربية، خاصة السورية، وثمة مسلسلات سورية لامست أوجاع السوريين وما يتعرض له الشعب السوري مثل مسلسل غزلان في غابة من الذئاب للمخرجة المبدعة رشا شربتجي. هذا المسلسل أثلج قلوب السوريين كلهم لأنه حكى بصدق وشجاعة ونزاهة عن أحد كبار المسؤولين...

الأمهات في سورية: عيد ناقص

الأمهات في سورية: عيد ناقص

غدت الأمومة في سورية مهمة قاسية ومثقلة بالهموم واكتسبت أوجهاً كثيرة، إذ انتزعت الحرب دور "الأم" الأولي المناط بالعطاء والتربية والمساند المادي الثانوي، وبدأت كثير من الأمهات يلعبن دور المعيل الأساسي ومصدر الدخل الوحيد لتحمل نفقات الأسرة في ظل غياب قسري أو اختياري...

تدريباتنا