تدريباتنا

رياح روسية” على سوريا تخلط أوراق “الضامنين” الثلاثة”

بواسطة | أبريل 27, 2020

بعد تراخٍ فرضه وباء «كورونا»، جرت الأسبوع الماضي جرعة مكثفة من الاتصالات بين الأطراف المنخرطة في الملف السوري، خصوصاً الدول الثلاث «الضامنة» لمسار آستانة، في محاولة لاستعادة التنسيق الثلاثي، وترميم الشقوق الظاهرة في جداره، إضافة إلى زيارة إيرانية خاطفة لدمشق، بعد «رياح روسية» هبت من موسكو، وخلطت أوراق «الضامنين» في سوريا.

الحملة الإعلامية التي ظهرت في وسائل إعلام روسية مقربة من مراكز القرار كانت لافتة. ومعروف أن هناك تيارين في موسكو: الأول، تمثله وزارة الدفاع وجهاز الاستخبارات العسكرية؛ والثاني، تمثله الخارجية ومراكز أبحاث تدور في فلكها. وغالباً، ما يكون الكرملين هو الفاصل بين الاتجاهين، والمرجح لرأي على آخر.

لا يمكن للحملة؛ مقالات واستبيان رأي جاءت من طرف مؤسسات تابعة لـ«مجموعة فاغنر» أو «طباخ الكرملين»، وجرى «تطعيمها» لاحقاً بمقالات نارية في صحيفة «برافدا» وعلى مواقع فكرية توصف بأنها رصينة؛ أن تأتي من دون غطاء سياسي، خصوصاً في بلد مثل روسيا، حيث لكل إشارة معنى. عليه، فأغلب الظن أن الرسائل الآتية من موسكو تتضمن الضغط إزاء ثلاث مسائل:

الأولى، سياسية – عسكرية، ترتبط بالزيارة الأخيرة لوزير الدفاع سيرغي شويغو، وتتعلق بضرورة التزام دمشق بالاتفاقات العسكرية الموقعة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان، وألا تستجيب دمشق لتشجيع على فتح معركة مع الأتراك وفصائل موالية لهم في شمال غربي سوريا، لأن موسكو ترى علاقتها بأنقرة أكبر استراتيجياً بكثير من إدلب، وأن معارك شمال غربي سوريا قرارها روسي يخص ملفات كبرى.

الثانية، إيرانية – إسرائيلية، أراد فيها الكرملين تذكير دمشق بالتفاهمات الروسية – الإسرائيلية – الأميركية، ورغبة موسكو بتقييد دور إيران في سوريا وتحديد ملامحه، خصوصاً فيما يخص وجود تنظيمات تابعة لإيران في الجنوب السوري، وخاصة في الجولان. وهنا، لا تنفصل هذه الأمور عن «الرسالة الإسرائيلية» التي جاءت لدى استهداف محسوب لسيارة تابعة لـ«حزب الله» على طريق دمشق – بيروت.

الثالثة، اقتصادية – ريعية، تتعلق بتنامي اعتراض شركات روسية وتنظيمات بعضها تابع لـ«فاغنر»، بسبب عدم توفر عائدات مالية موازية للتدخل العسكري، خصوصاً في قطاعات حصص النفط والغاز والصفقات الاقتصادية.

وفي خضم «الرياح الروسية» نحو سوريا، حط وزير الخارجية الإيراني مجمد جواد ظريف في دمشق، والتقى الرئيس بشار الأسد، ثم اتصل الرئيس حسن روحاني بنظيره الروسي. والواضح أن طهران قلقة من ثلاثة تطورات سورياً:

الأول، استبعادها من التفاهمات الروسية – التركية الخاصة بإدلب، المبرمة في 5 مارس (آذار) الماضي. فإيران بالاسم فقط ضمن مسار آستانة، وهي غير منخرطة في الدوريات الروسية – التركية، ولا الترتيبات العسكرية، بل إن اتفاق موسكو الأخير سمح لتركيا بتعزيز قواتها العسكرية إلى نحو 16 ألف عنصر، وآلاف الآليات والدبابات، في شمال غربي سوريا. لذلك، فإن طهران نقلت رأي دمشق إلى موسكو، بضرورة أن يكون اتفاق إدلب مؤقتاً لا يسمح بوجود تركي دائم.

الثاني، الإشارات العربية الآتية إلى دمشق، سواء سعي الجزائر إلى إعادتها إلى الجامعة العربية وفتح دول عربية أخرى أقنية سياسية من بوابة التعاون الإنساني ضد «كورونا»، لـ«إعادة سوريا إلى الحضن العربي ودورها الطبيعي».

الثالث، الغارات الإسرائيلية، واستمرار تل أبيب باستهداف مواقع إيرانية في سوريا، بما في ذلك في البوكمال، قرب حدود العراق وقرب دمشق. والجديد كان قصف «درون» إسرائيلية سيارة لـ«حزب الله» على الطريق بين دمشق وبيروت، التي تعدها إيران امتداداً لطريق طهران – بغداد، إضافة إلى قصف «تنظيمات إيرانية» بالتزامن مع زيارة ظريف إلى دمشق.

تركيا، من جهتها، لديها ثلاثة عناصر قلق استدعت التنسيق الثلاثي. بداية، أعربت عن القلق من جهود أطراف عدة لـ«شرعنة» سياسية لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية التي تعدها أنقرة امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنف «تنظيماً إرهابياً» لديها. وقد يكون المقصود أميركا التي تدعم «الوحدات» شرق الفرات، أو دمشق التي تقيم علاقة معها. لكن الإشارة تصل إلى موسكو أيضاً التي وسعت وجودها العسكري في القامشلي، وتقيم علاقة طيبة مع الأكراد.

ثانياً، تريد تركيا استعجال موافقة روسيا لتنفيذ البنود الأخرى المتعلقة باتفاق موسكو، خصوصاً ما يتعلق بعودة النازحين إلى بيوتهم في شمال غربي سوريا، وتقديم ضمانات بعدم استهدافهم، وتوفير بنية تحتية لهم، بما يشجع ملايين الناس على الرجوع إلى مناطقهم. ثالثاً، القلق من استمرار جهود دول عربية مع موسكو ودمشق لمواجهة النفوذ التركي في شمال غربي سوريا وشمالها الغربي.

واستدعت هذه التطورات اتصالات بين بوتين وإردوغان وروحاني، ثم اجتماعاً عن بعد لوزراء خارجيتهم، سعياً للحفاظ على نقاط التقاطع بين الدول الثلاث في المسرح السوري، التي يبدو أن مساراتها معرضة للانفصال، أو ربما الصدام، مع مرور الوقت، والاقتراب من المصالح الجوهرية لكل طرف.

**تم نشر نسخة من هذا المقال في «الشرق الأوسط».

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا