تدريباتنا

ستزغرد فوق لساني كل الجثث المجهولة

بواسطة | يناير 28, 2020

تفكرين بسلّمٍ من حبّات الرّمان، من ضحكاتٍ بالأبيض والأسود، درجاتُه من بخار المدافئبين الجبال، تنزلين عليه إلى الأعماق، عندما تصلُ غيبوبَتكِ إلى الشمال، ترفعُ سمّاعة الهاتفبدلا عنكِ، وتقطعُ الكهرباء عن البيت، ثم تساعدُ النملة في حمل نتف الخبز، وتحاول ُمطولاأن تدخلَ معها في ثقب الزاوية.

 توابيت في الأعماق، مستلقيةٌ على أريكتكِ تقلّدين أصوات الموتى، تُصلحين ضوء الولاّعة، ثمتوجهينه ببطء صوب صور الحائط، رَسمَكِ أصدقاءٌ كثيرون، مزجوا ألوانَهم كجنسٍ جماعيوصنعوا لكِ عينين.

في الصورة قرب النافذة، خلفَك الحربُ تشعل سيجارة.

تجلسين في الممر، ممرِّ بيتِكِ الطويل، تنكشين شعرَك بقلم الرصاص، وترسمين على قشرةرأسِك نصف قلب وسهم.

درفةُ شبّاك جارتِكِ في الطّابق العلويّ، بعد أن تُركت على عجل،  صار صوتُها حفيفَ شجرِأوّل الخريف، يفكرُ بالرحيل مثلكِ.

في الريف البعيد، وراء الجبال، ربما تعيش امرأةٌ مثلُك، بينما تكتبين الآن وفي يدك تفاحةٌ،تصلح هي ساق طاولتها المعطوبة، وتحرق النمل الخارج من خزانتها المهترئة، تطفئالشمعة بإصبع قدميها ثم تنام.

أشتهي أن أكون أمّا أُرضع طفلي مساء، وأنا أشاهد نشرة الطقس وأتفقدُ الملابس البيضاءمن باب الشرفة فوق حبل الغسيل، على فخذي اليمنى منشفة مطوية لبقايا الحليب، وعلىالأخرى طفلي، ما سأحبّهُ إغماضةُ ذراعيَّ حول جسده، كأنه جنينٌ في رحمي.

لكني سقفٌ لأرملة آخر الجبل، زوّجت ابنتها في الأمس وها هي مشغولةٌ بترتيب وحدتها كمايليق بسوادها، السريرُ تحت النافذة والمذياع على الحافة، والخزانة تسدُّ باب غرفة النوم،غرفة النوم التي أجَّرتْها منذ يومين لامرأةٍ تشبهني.

أشتهي لو كنتُ ثقباً في حقيبة مشرّد، يطويني جيّدا ويغني، وعندما تمتلئ الأزقة بالغرباء مثله،يخاف عليَّ ويحرسني، لا أغيب عن نظره، يقطع غناءه تحت الجسر و ينظر إليّ، نحنتوأمان، كان يخبرُ صديقه على الهاتف أنّه يشبُهني، هو أيضا: ثقبٌ في هذا العالم.

لكنّي فردةُ حذاء ميّتة على سكة قطار، تدوسُني الإيماءات والخطوات والغرباء والقططالبرية وسحالي الظهيرة.

أشتهي لو كنتُ الحربَ، أشربُ زجاجة السُّم وأحقن رحمي بزيت الأرز.

هيّا لنشاهد فيلماً أيّها القنّاصُ البعيد المتكئ على بوز بارودتك

هل تحبُّ الأفلامَ الفرنسيّة؟؟

تلكَ التي تبدأُ بقبلة وتنتهي بانتحار

تعالي إلى شرفتي أيتها الرصاصات الطائشة

نثرتُ لكِ القليل من الحنطة والماء كي تتذكري.

اصمتوا جميعاً وتعالوا إليّ،

عندي أغاني الحصاد والأعراس

شايٌ وقهوة وأعشابٌ برية

عندي نبيذ من دمع الوادي

عندي من البهجة ما يكفينا كي نموتَ معاً.

وأنت يا حبيبي الحزين

فلتجئ على رؤوس أصابعك مع الحرب

سأغلي لكَ الزنجبيل وأفرش غطاء الطاولة البنفسجي

أحضِرْ بين حاجبيك ظلال القبور الطرية

سأنتظركم  على الباب بفستاني القرويّ الطويل

وفي يدي جَرّة فخار

وعندما تقتربون وأسمع لُهاثَكم

ستزغرد فوق لساني كلُّ الجثث المجهولة

تلك التي لم يدفنها

لم يزرها أحد.

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

تدريباتنا