تدريباتنا

سوريات تواجهن الموت… بالكتابة

بواسطة | ديسمبر 10, 2021

ركّز تمكين النساء على البرامج دون المشاريع، ولم يشمل النساء المتميزات أو الحاملات لميزات قيادية أو ريادية.
تنوعت برامج دعم النساء، لكن جلّها ركّز على عناوين نمطية تحت شعار تمكين النساء، مثل الخياطة والتطريز وحياكة الصوف والتمريض والحلاقة والتجميل والدعم النفسي، حتى مشاريع التدريب في العالم الرقمي كانت مقدمة لتنمية الجانب التقني في حياتهن، وليس لإعداد نساء عاملات أو مختصات في هذا الحيّز المهم. فكانت النتيجة: لا النساء تمكنّ ولا المشاريع تجاوزت خانة الأمنيات، وكل ما تحقق اقتصر على قوائم بأسماء مكررة أحيانا للمنخرطات في هذه الورشات.
حافظت الكتابة على وصفها عملاً خاصاً بالنخبة، مع أن الرغبة بأن تصبح بعض النساء كاتبات أوسع من كل الحدود المقيدة لهذا الحلم.
تجدر الإشارة إلى أن حجم المنتج الأدبي بعد العام 2011 وخاصة ما بين 2013 و2019 كان أكبر من المتوقع وخاصة لكاتبات سوريات. نحن هنا لسنا بمجال نقد تلك التجارب من الناحية الأدبية، بل تجب الإشارة إليها كونها شكّلت ظاهرة نوعية اتسعت بسرعة ونمت بغزارة وخاصة لدى الكاتبات المهاجرات واللاجئات.
لم نسأل النساء يوماً عن رغبتهن بالكتابة. وارتبطت في المخيّلة الجمعية رغبة المرأة في الكتابة والتعبير بالعشق وبالخواطر السطحية والعابرة. لم نعترف يوماً بفعل الكتابة خارج أسوار الممنوعات والأسرار بين شابات أو مراهقات، والأهم أننا لم نعتبر فعل الكتابة عملاً يؤمّن مصدر عيش للكاتبات. لطالما شجّع الكثير من السوريين بناتهم على اختيار مهنة التعليم كمهنة حصرية مرغوبة ومناسبة للنساء، حتى عندما يتفوقن ويتمكن من تحصيل معدلات تؤهلهن لدراسة الطب. عائلات كثيرة دفعت بناتهن إلى اختيار اختصاص الطب النسائي أو الجلدية.
الحقيقة المخبأة والمتحايل عليها تقول: بأن الكتابة حلم لكثير من النساء في كافة مراحل أعمارهن، ويرددن عجزهن عن ذلك أو استسلامهن لقرارات العائلة. والحقيقة الأهم أن نساء كثيرات وخاصة الشابات يطمحن لطباعة كتب خاصة بهن!
إذن، تبدو الكتابة أكبر من حلم، ويبدو لقب كاتبة مسعى تتمنى الكثيرات الالتحاق بركبه، حتى الأميات يرددن: (لو أني تعلمت الكتابة لأصبحت شاعرة أو كاتبة سيناريو وقصص وروايات).
الأحلام قصص جاهزة تنتظر النشر
قررت صاحبة إحدى دور النشر المرخصة في دمشق، اللحاق بتلك الأحلام. دعت عشرات من النساء للكتابة. مغامرة، لاقت قبولاً عظيماً. وأتبعت خطوتها بإصدار ثلاث مجموعات متتالية لكاتبات، يكتبن للمرة الأولى عشن حياتهن حالمات بأسمائهن مدونة على صفحة في جريدة يومية أو على على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف بأسمائهن تصير حبراً على ورق!
تحولت الكتابة إلى ورشة تدار بين مجموعة خاصة بالكاتبات الحالمات واللاتي أبدين حماساً منقطع النظير، وتلهفاً للمزيد من الكتابة والتزاماً بالملاحظات والتصحيحات اللغوية.
صدرت المجموعات الثلاث على التوالي في الأعوام،2019، 2020، 2021.
أثناء التدريبات على صفحة كل مجموعة لكل كتاب، تم التعرض لكيفية كتابة نصوص حساسة للنوع الاجتماعي، كيف يمكن للنساء النجاة عبر قصصهن، النجاة من تكرار الأفعال الشاذة التي تنمط النساء في خانة محددة وتنمط الرجال في خانات أخرى. كانت فرصة لتتعرف الكاتبات على الآخر، كيف سيقرأ قصتي، كيف سيفهم ما أقصد، وعبرت الكثيرات عن رغبتهن بالكتابة لمجرد الكتابة.
احتوت المجموعة الأولى على أربع عشرة قصة لأربع عشرة كاتبة وحملت اسم “النقش على جلد المدينة”، تميزت القصص بالوجدانية وبتعدد المواضيع، لكن قضايا النساء كانت مهيمنة على المحتوى وعلى اللغة وانفعالاتها.
أما المجموعة الثانية والتي حملت اسم “نكتب لننجو”، فقد احتوت على خمس عشرة قصة لأربع عشرة كاتبة وكاتب. واللافت أن أحدهم علق بأن قصة الكاتب كانت الأكثر تعرضاً بشكل مباشر لقضايا النساء وخاصة قضية حيازة العائلة ورجالها تحديداً لجسد المرأة وبالتالي فإن الرجل هو الذي سيبرّر القتل فقط من أجل صيانة هذه الملكية وستكون النساء هن الضحايا.
يمكن القول إن المجموعتين الأولى والثانية قد تركتا الخيار مفتوحاً أمام الكاتبات والكاتب حول اختيار مضمون القصة، لكن المجموعة الثالثة شهدت تغيراً جديداً، إذ شارك فيها كاتبان وأربع عشرة كاتبة، وكانت المواضيع محددة مسبقاً وتختصّ بأشكال العنف الواقع على النساء، ويبدو عنوان المجموعة “الاختباء على الحافة” خير إشارة إلى حال النساء في مواجهة عنف متعدّد ومتسلسل ومتأصّل، كما أشارت مقدمة المجموعة إلى نظرية الرواية النسوية الأولى عبر شهرزاد وحكايات “ألف ليلة وليلة” كفعل هروب وليس كفعل نجاة.
لاقت المجموعات الثلاث استحساناً وقبولاً كبيراً، وكانت فكرة الكتابة الجماعية أكثر الأفكار تقديراً، لأنها أكدت على إمكانية المشاركة في النصوص وفي القضايا وضمن غلاف واحد، وهذا بمثابة
حلم أزلي تتوق إليه النساء في سعيهنّ إلى توحيد خطاب نسوي تشارك فيه النساء جنباً إلى جنب مع الرجال لبناء عالم أقلّ عنفاً وهمجية.
لطالما ركّزت عناوين برامج الدعم الموجّه للنساء على الأهداف الآنية وأغفلت الهدف الأسمى وهو تغيير حياة النساء نحو الأفضل.
هل تجاهلت برامج الدعم العناوين الإبداعية عمداً؟ في زحمة الحرب الدائرة يتم تسويف قضايا النساء الأساسية وتصويرها على أنها غير صالحة لهذا الزمان.
تم اختزال كل عناوين الدعم بالإعانات الغذائية المباشرة ووسائل تحصيلها وسبل العيش والدعم النفسي، على حساب عناوين إبداعية مثل الكتابة والمسرح والسينما والعروض الفنية الإبداعية والصحافة، ويمكن التأكيد على ذلك من خلال عدد الورشات وأعداد المشاركات ومن خلال النتاجات المباشرة لهذه العناوين.
السؤال: كيف يمكن تحويل الأفكار الإبداعية إلى منتج مادي تستفيد منه النساء مادياً؟ لقد أفرزت السنوات العشر الماضية مواهب خلاقة وخاصة في الإعلام المرئي والمسموع والتصوير والتحقيقات الصحفية، وقد أثبتت النساء حضوراً متكاملاً من حيث الدوافع والالتزام والعمل الجادّ على تطوير المهارات.
الحرب والخسارات، تشكّلان طاقة محفزة للحياة في مواجهة الموت. هل يمكن لفعل غير الكتابة أن يجابه الموت بالإبداع؟ إنه ليس سؤال عرضي، بل دعوة لإعلاء شأن الكتابة، لربطها بالحقوق، ولدمج الأهداف بالمشاريع.
راوغت شهرزاد عبر الحكايات لتحفظ رأسها من الجز، لكنها بقيت أسيرة القصر وأسيرة الملك.
الكتابة كفعل للنجاة، ليس لحفظ الرأس ملتصقاً بالجسد فحسب، بل لحفظ الحياة في أعلى الخيارات وأكثرها قيمة، نكتب لننجو؟ نعم وستنجو معنا الحياة بأبهى وأكثر تجلياتها عدالة، خارج حدود الجدران والصمت والتغييب.

دمشق، الأول من كانون الأول 2021

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

تدريباتنا