تدريباتنا

سوريا تتغنى بغازها… وأهلها من دون غاز

بواسطة | ديسمبر 12, 2018

تمتلئ صفحات وسائل الإعلام السورية بعناوين من قبيل “سوريا تعوم على بحر من الغاز”، “سوريا تسابق العالم في إنتاج الغاز”، “شركات روسيا تستثمر للتنقيب واستخراج الغاز السوري”، فيما يقضي ملايين السوريين ساعات طوال في طابور طويل للحصول على أسطوانة غاز منزلي، فكيف هذا؟

تمتلك سوريا عدة حقول للغاز تتركز في شرقها ووسطها، وهي حقول الرميلان والحبيسة في الحسكة، وحقول شاعر والهيل وآراك وحيان وجحار وحقلا المهر وأبو رباح في منطقة تدمر، ورغم استعادة النظام السوري سيطرته على بعض هذه الحقول إلا أن أهمها مازال يقع تحت سيطرة القوات الكردية في دير الزور وهو حقل كونيكو، ويقدر إنتاج هذا الحقل  بنحو ١٠ ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً. وشهد هذا الحقل معارك شديدة إلا أن كل الأطراف المتصارعة تدرك أن الولايات المتحدة لن تتنازل عن كونيكو لتحرم النظام وحلفاءه من إمكانياته الاقتصادية، وليتحول ما يُعرف “بسوريا المفيدة” من منطقة نفوذ روسي ومكاسب إلى عبء.

أزمة الغاز

بداية العام الحالي تغنى عدة مسؤولين في الحكومة السورية بتحرير عدد من المناطق التي كانت تسيطر عليها “المجموعات الإرهابية” حسب وصفهم، وعلى رأسها تلك التي تضم حقولاً للغاز، فقد تسببت سيطرتهم عليها خلال سنوات الحرب السابقة بأزمات خانقة للمقيمين في مناطق سيطرة النظام، كأزمة الكهرباء وأزمة الغاز.

إلا أن نهاية العام الحالي كشفت زيف التصريحات والوعود الحكومية التي رددها المسؤولون: عن بدء تعافي الاقتصاد السوري، وعودة آبار الغاز للعمل، وسعي الحكومة لزيادة إنتاج سوريا من النفط والغاز.

وزير النفط والثروة المعدنية علي غانم صرح على صفحة رئاسة الحكومة الرسمية على الفيس بوك بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر قائلاً “في بداية ٢٠١٧ كانت كل المناطق النفطية خارج السيطرة، ومع خطوات التحرير أصبحت بنهاية ٢٠١٨ أغلب منشآتنا النفطية محررة، وصارت في جنوب نهر الفرات تحت سيطرة الدولة، وهذا أدى إلى أن الإنتاج من الغاز الذي كان قبل الأزمة ١٠.٣ مليون متر مكعب يوميا، ارتفع مع خطوات التحرير بشكل كبير، ومع العمل لسنة واحدة فقط، استطعنا أن نجعله ١٥.٥مليون متر مكعب، ثم ليرتفع الإنتاج اليوم إلى ١٦.٥مليون متر مكعب من الغاز يوميا.”

ورغم هذا ومع بداية كل موسم شتاء يبدأ السوريون بالاصطفاف ضمن طوابير طويلة أمام محلّات بيع أسطوانات الغاز في محافظة حلب وحتى طرطوس و اللاذقية التي يقال بأنها مدن تعوم على بحر من الغاز. وانتشرت خلال الأيام الماضية على وسائل التواصل الإجتماعي صور لطوابير من المواطنين ينتظرون دورهم للحصول على الغاز المنزلي في محافظات الساحل وحلب، بالوقت الذي نفت الجهات المسؤولة وجود الأزمة، وعزت سبب الازدحام لزيادة الطلب على السلعة.

كما أظهر فيديو تداوله ناشطون على الفيس بوك، انتظار نحو ٤٠٠ شخص في محافظة اللاذقية لسيارة إسطوانات الغاز، وعند وصولها تبين أن مجموع ما تحمله لا يزيد عن ٢٠٠ أسطوانة، مما تسبب بنشوب شجار في المنطقة.

وأكد مصدر في شركة “حيان للغاز”، رفض ذكر اسمه، بأن “الإنتاج يسير بشكل طبيعي ولا يوجد أي انخفاض”، مشيراً إلى أن “السنوات السابقة شهدت أزمات أكبر من هذه السنة.” أما في محافظة حلب فتباع الأسطوانة بالسوق السوداء بنحو ثمانية آلاف ليرة، وفق ماصرح به عدد من الأهالي.

وفيما يعيشون السوريون هذا الواقع، كتب رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي في تعليقه على الأحداث بفرنسا “سوريا لديها احتياطي من الغاز يقدر بأكثر من ٢٤٠ مليار متر مكعب وتعد الثالثة عالمياً، ولديها نفط. وأكثر من مليار و٨٠٠ مليون طن فوسفات مكتشف حتى الآن، وأنقى سيليكون في العالم وصخر بازلتي هو الأجود في العالم، وثروات معدنية باطنية أخرى عديدة، ولديها قطن عالمي وقمح وزيتون وحمضيات عدا موقعها الاستراتيجي على طريق الحرير الدولي وكعقدة وصل بين القارات، ويأتي أحمق ليقول لك كيف ستعاقبون فرنسا اقتصادياً هل ستمنعون عنها صابون الغار؟ لا حبيبي، أول شي سنصدر أمثالك إليها مجاناً، وثاني شيئ سنمنع شركاتها من الانتفاع من ثرواتنا! مشكلتنا أننا لا نعرف قيمة بلدنا كما يعرفها أعداؤنا!”

ويبدو أن مسؤولاً اقتصادياً بحجم رئيس غرفة صناعة حلب لم يسمع عن أزمة الغاز الخانقة التي يعاني منها سكان حلب، ولم يدقق بحقيقة ما تمتلكه سوريا مقارنة بالدول الأخرى، ووفقاً لما يقوله رئيس غرفة صناعة حلب يتبين أن احتياط سوريا ٨.٤٧ تريليون مكعب وبالتالي ما تمتلكه سوريا لايتجاوز ثروات الدول الـ ١٥الأولى في العالم من حيث احتياط الغاز أولها روسيا واحتياطها ١٦٨٨ تريليون قدم مكعب، أي ما يعادل ١٩٩ ضعفاً عن سوريا، وآخرها كازاخستان واحتياطها ٨٥ تريليون قدم مكعب، أي ١٠ أضعاف سوريا.

من وجهة نظر اقتصادية، يشير نفي الحكومة لوجود أزمة الغاز بأن هناك مساعي لزيادة أسعار المشتقات النفطية ومصادر الطاقة، “أسطوانة الغاز”، وهذا مرتبط بارتفاع سعر صرف الدولار الأخير الذي وصل إلى حدود الـ ٥٠٠ ليرة سورية مايؤكد أنه ارتفاع مصطنع من قبل الحكومة لتبرر لنفسها اتخاذ قرار رفع أسعار المشتقات النفطية بداية العام القادم.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

مع بدء الحرب السورية تمكنت المؤسسات والمنظمات غير الربحية المندرجة تحت مظلة المجتمع المدني من إثبات وجودها وترك بصمتها على أرض الميدان، فكانت الجمعيات الخيرية والمبادرات الفردية الإنسانية أولى الجهات غير الرسمية التي استطاعت توسيع دورها على خارطة العمل وإنقاذ الفئات...

تدريباتنا