“سوريا خارج الإطار، فنانون معاصرون من سوريا” (2016) ، عنوان جميل لكتاب مهم صدر مؤخراً في إيطاليا (Imago Mundi, Luciano Benetton Collection). يعكس الكتاب جهداً حقيقياً بذله كل من الباحثة الإيطالية المتخصصة بالدراما والفن السوري دوناتيلا ديلاراتا، ومساعدة التنظيم رولا علي ولوشيانو بينيتون المشرف على “Imago Mundi” ولفيف من الأصدقاء والفنانين والباحثين الذين تعاونوا لتحقيق المشروع. العنوان هو أيضاً الاسم الذي أُطلق على المعرض الذي افتتح في 31 آب/أغسطس،2015 في مدينة البندقية بإيطاليا، وذلك في إطار معارض أخرى ل”Imago Mundi” الذي يرعى ويشرف على معارض من كل أنحاء العالم.
وهدف معرض الفن السوري هذا إلى كسر الصورة النمطية السائدة عن سوريا بأنها بلد الصراع الطائفي والحروب الأهلية واختزالها في موضوع اللاجئين والمآسي، متجاوزاً في ذلك الدور الذي يثير الشكوك للإعلام في عصر العولمة. فسوريا، في هذا المعرض، هي بلد الفن على مر العصور، وبلد الثقافات والحضارات المتنوعة والمختلفة، وبلد فنانين من مختلف المناطق يتجاوزون بفنهم وشعرهم وإبداعهم التقسيمات الضيقة واختزال البلد في عقلية القاعدة أو الإيديولوجيا الأحادية التي تنسج قناعاً من خيوط العلمانية والتدين.
وبين دفتي هذا الكتاب الضخم توثيق لعدد كبير من الفنانين والشعراء والمصورين. ويشكل هذا الكتاب ـ الوثيقة الذي يتألف من أكثر من 400، صفحة من القطع الكبير خطوة مهمة في التوثيق للفن السوري وتسليط الضوء عليه، ويحتوي على السير الذاتية للفنانين وصور الأعمال الفنية، ويحتفي بالعمق الثقافي والفني والشعري السوري في وقت يتم فيه تهديد تراث سوريا الحضاري والثقافي ويتعرض للتدمير، سواء بالقصف العشوائي أو بالتدمير المنظم الذي تمارسه تنظيمات دينية وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية.
يعكس الكتاب جهداً كبيراً في محاولته إلقاء الضوء على فنانين سوريين من مختلف المشارب والاتجاهات والأجيال والمناطق، وهو بصدوره يؤكد أن العمق الحضاري والثقافي في سوريا هو الذي سينتصر في النهاية مهما طال التدمير والتخريب ومهما استمرت الحرب الحالية والتي دمرتها وحولتها إلى ممالك للوردات الحرب.
صدر الكتاب بالإنكليزية والعربية والإيطالية وقدم له لوشيانو بينيتون، الذي ذكر في مقدمته إن سوريا تقاوم الصراعات الداخلية وشلل الدبلوماسية بقوة الجمال، وبالهيام الحيوي للفن. وسوريا هذه تهدف إلى تجاوز التصوير الإعلامي لها: “الحرب والدراما واللاجئين الذين يضغطون على حدودنا”.
وأضاف أن جمع وعرض 140عملاً فنياً لفنانين سوريين من داخل سوريا ومن المنفى، والتي تعبر بشكل حقيقي عن سوريا اليوم، عَنَيا التغلب على تعقيدات تتعلق بالصراع، وتبدلات مفاجئة في الجبهة (أحياناً في التحالفات بين الأطراف)، ومجازفات وصعوبات بلد يعاني من الوحشية. لكن “Imago Mundi” تمكن من التغلب على هذه التحديات، وجمع مجموعة فريدة، عبر جهود كبيرة بذلها الذين ساهموا في تنظيم المعرض.
قدمت الناقدة الفنية مالو هالاسا أيضاً للكتاب وذكرت في مقدمتها أن رعاية دوناتيلا ديلا راتا للمعرض تجاوزت الحدود التقليدية بين الفن التشكيلي وأشكال أخرى من التعبير الفني. فما هو تجريبي أو شعبي تحدى ووسّع وجامل الأشكال الفنية الأكثر تقليدية. أي أن هناك، بحسب هالاسا، مقاربة توفيقية لا تهدف إلا إلى تأكيد حضور الفن عبر معرض واسع الطيف كهذا.
وتضيف هالاسا: “يعبر المعرض عن الدوافع الأولية للإبداع والتعبير الحر في ثورة بلاد اسمها سوريا. فبعد خمس سنوات من الحرب في سوريا تقريباً، يساعدنا الفن أيضاً في معرفة أين يجد بعض السوريين أنفسهم اليوم. وتلعب أعمالهم الفنية دوراً مهماً كمضاد لإحصائيات اللاجئين والوفيات وتطويع الجهاديين التي اختُزلوا إليها عالمياً هم وبلادهم”.
منظمة المعرض دوناتيلا ديلاراتا قدمت للكتاب أيضاً وذكرت في مقدمتها أن المعرض يفكك الصورة النمطية التي تسوق إعلامياً عن سوريا، وأن اللوحات المائة والأربعين المعروضة تشير إلى ما هو غير مرئي وغير معلن وغير مسموع، وتقترح وسيلة جديدة لطرح أسئلة على قصتنا غير الدقيقة عن سوريا وابتكار القصة الحقيقية من جديد عبر النظر إلى أنفسنا كبشر يتوقون إلى الحياة والجمال.
وأضافت أن “سوريا خارج الإطار” يقدم 140 فناناً سورياً من مجموعة واسعة من الأجيال تمتد من الخمسينات إلى التسعينيات. ومن عدة مدن وقرى سورية ومن خلفيات دينية وعرقية متنوعة. ويضم المعرض رسامين ومصورين ورسامي كاريكاتير وشعراء وخطاطين وفناني مسرح ومخرجين وفناني غرافيتي وصانعي أفلام. وهو يشمل كلاً من الفنانين المعروفين الذين يتم عرض أعمالهم وبيعها عالمياً، وطلاب الفنون الجميلة الواعدين الشباب الذين بدأوا للتو مسارهم الفني.
وقد احتوى الكتاب على لوحات وصور ونصوص لكل من هاني عباس ونضال عبد الكريم ومحمد عبد الله، وهبة العقاد ودينو أحمد علي وفادي الحموي ووضاح السيد وأسامة إسبر ولارا حداد وهالا محمد وكفاح علي ديب وحسين غرير وعلا الأيوبي وريم يسوف ولاوند ظاظا وعليا خاشوق ومحمد ديبو وياسمين فضة وأمير فخر الدين وهبة الأنصاري، ودلير موسى وجون إيف بيزيان ونهاد الترك وهاني موعد ورزان حسان، بالإضافة إلى فنانين آخرين لا يتسع المجال لذكر جميع أسمائهم هنا.
كما وجه معدو الكتاب الشكر إلى رولا علي، مساعدة التنظيم، والتي من دونها ما كان معرض “خارج الإطار” ليرى النور، وللوشيانو بينيتون الذي منح فرصة استضافة المعرض ولمجموعة أصدقاء من مختلف الثقافات ولسوريين بقيت أسماؤهم مجهولة.