تدريباتنا

ضربات «النصرة» الاستباقية تعجل تنفيذ الاتفاق الروسي ـ التركي حول ادلب

بواسطة | سبتمبر 21, 2017

تنفيذ التفاهم الروسي – التركي – الإيراني لإدخال إدلب ضمن مناطق «خفض التصعيد»، كان ينتظر أمرين: الأول، اجتماع مجلس الأمن القومي التركي في 22 الشهر الحالي بعد عودة الرئيس رجب طيب إردوغان لإقرار خطة عسكرية تركية لدعم نحو خمسة آلاف من فصائل «الجيش الحر» والتوغل في إدلب بغطاء جوي تركي – روسي وإطلاق «حرب استنزاف» ضد «جبهة النصرة» وحلفائها. الآخر، اتفاق خبراء الأمن والجيش على خريطة انتشار نحو 1500 من المراقبين العسكريين الروس والأتراك والإيرانيين.

لكن «هيئة تحرير الشام» التي تضم فصائل، بينها «فتح الشام» (النصرة سابقاً) استعجلت تنفيذ الاتفاق بضربتين استباقيتين: سياسية، بدأت حملة لتشكيل مجلس مدني في إدلب قرب حدود تركيا وإعلان «حكومة داخلية» لإدارة محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة «جيش الفتح» الذي يضم فصائل بينها «النصرة» و«أحرار الشام» منذ ربيع 2015 قبل أن تبتلع الأولى الثانية في الأسابيع الأخيرة. هذه الخطوة وضعت الدول المانحة والمعارضة السياسية السورية في الزاوية؛ ما تطلب اتخاذ موقف جرى التعبير عنه من الحكومة المؤقتة التابعة لـ«الائتلاف الوطني السوري» المعارض برفض هذه «الحكومة» وتشكيل هيئة أركان جديدة لفصائل معارضة.

كما دفعت «الضربة المدنية»، دولاً مانحة للتلويح بتجميد المساعدات والإغاثة عن إدلب التي تضم مليوني شخص، هجر عدد منهم مناطق أخرى. وقال المبعوث البريطاني إلى سوريا غاريث بايلي أمس: إن «قيادة (هيئة تحرير الشام) لم تغير طبيعتها المتطرفة، ويشكل وجودها في إدلب خطراً على الخدمات التي تساعد أهالي المنطقة». وزاد بايلي الذي تشكل بلاده إحدى الدول المانحة في إدلب: «حاولت (هيئة تحرير الشام) التقليل من شأن ارتباطها بتنظيم القاعدة لتقدم نفسها صديقا لأهالي إدلب لتحكمهم من خلال مؤسسات مدنية تشكلها، وهي تسعى لتمويه نفسها وإخفاء نواياها الحقيقية، لكن قيادتها لم تغيّر طبيعتها المتطرفة والتي تشكل تهديدا لكل من يقدّر التعددية ويحترم حقوق الإنسان».

الضربة الاستباقية الثانية من «هيئة تحرير الشام» كانت عسكرية بفتح معركة في الريف الشمالي لحماة المجاور لجنوب إدلب أمس. هدف المعركة هو فتح ممر آمن لـ«هيئة تحرير الشام» من ريف حماة باتجاه شرق حماة، وقد يصل إلى وادي الفرات للالتقاء بـ«داعش» الذي يتعرض لهزيمة مزدوجة في دير الزور من قوات النظام و«حزب الله» وميلشيات إيران بدعم روسي، وفي الرقة من «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم أميركا، بحسب اعتقاد مسؤول غربي. وأضاف: «ما حصل أمس عجّل فتح المعركة ضد (هيئة تحرير الشام)».

كان مسؤولون روس وأتراك وإيرانيون عكفوا لأسابيع على عقد صفقة لإدخال إدلب إلى مناطق «خفض التصعيد» بعد اتفاقات غوطة دمشق وريف حمص وجنوب غربي سوريا. وتضمنت المحادثات تبادل معلومات استخباراتية عن مناطق انتشار عناصر «هيئة تحرير الشام» وصفقات تبادل أراض ومناطق سيطرة. وبحسب المسؤول الغربي، فإن الاتفاق الذي أنجز في آستانة قبل أيام تضمن منطقتين: «الأولى، بين سكة الحديد وطريق حلب – حمص، هي منطقة عمليات عسكرية لروسيا ضد (هيئة تحرير الشام) بحيث تضم هذه المنطقة إلى مناطق النظام. الأخرى، بين الطريق وريف اللاذقية غرباً هي منطقة خفض التصعيد». وكان لافتاً تقديم الجانب الروسي خريطة تفصيلية لمناطق انتشار «النصرة» وفصائل قريبة منها، بفضل طائرات الاستطلاع التي لم تغادر أجواء إدلب في السنتين الماضيتين.

ماذا يحصل في منطقة «خفض التصعيد»؟ بحسب المسؤول، تراوحت التقديرات المتطابقة من أن عدد عناصر «هيئة تحرير الشام» يبلغ بين 15 و16 ألفاً. (واشنطن تقدرهم بعشرة آلاف). الخطة تضمنت ثلاثة عناصر: عسكري، تقوم تركيا بحشد قواتها على الحدود لـ«الضغط» على قيادة «هيئة تحرير الشام» لدفعهم لحل التنظيم وإخراج القياديين الأجانب والتابعين لـ«القاعدة» إلى مناطق «داعش». مدني، تشكيل مجلس مدني بعيد من «النصرة» لإدارة إدلب. يختلف عن المجلس الذي تدعمه «النصرة» حالياً. إداري، تحويل فصائل «الجيش الحر» إلى شرطة مدنية تكون مرتبطة بتركيا، كما حصل في مناطق «درع الفرات» شمال حلب.

وكان مقرراً أن ينتشر المراقبون الأتراك بين غرب الطريق وسكة الحديد وريف اللاذقية بعدد يبلغ نحو 500 عنصر. وينتشر ألف عنصر من روسيا وإيران (وربما مصر والعراق وكازاخستان) للفصل بين فصائل المعارضة من جهة وقوات النظام في أرياف إدلب وحلب واللاذقية من جهة ثانية. واتفقت الدول الثلاث على محادثات إضافية لتنظيم مناطق انتشار «المراقبين». وتكفلت روسيا بنقل الملف إلى مجلس الأمن لإصدار قرار يبارك الاتفاق الثلاثي؛ ما سيحرج الدول الغربية، خصوصاً وسط اعتراض واشنطن على الدور الإيراني في عملية آستانة.

ماذا لو لم توافق «النصرة» على حل نفسها؟ قدمت تركيا «خطة ب» وتضمنت نسخ عملية «درع الفرات» التي جرت نهاية العام الماضي شمال حلب وتضمن تحرير ألفي كيلومتر مربع من «داعش». وفي إدلب، تضمنت تشكيل «جيش سوريا الوطني الموحد» ويضم 4 – 5 آلاف مقاتل من 40 فصيلا للقيام بعملية عسكرية ضد «النصرة» وقيام الطيران الروسي والتركي بجولات استطلاعية و«حرب استنزف» لهذا التنظيم والفصائل التابعة له والقيادات والمقرات التابعة لهذه التنظيمات والفصائل. وقال المسؤول: «معركة ريف حماة أمس عجّلت قصف روسيا مناطق المعارضة، بما في ذلك مستشفيات ومراكز للدفاع المدني. كما قامت طائرات تركيا بجولات استطلاع فوق إدلب، وشنّت إحداها غارة على ريف كفرنبل في جبل الزاوية في ريف إدلب».

لكن الملف العسكري الموسع، ينتظر عودة إردوغان إلى أنقرة لترؤس اجتماع مجلس الأمن القومي كي تعطي الحكومة التركية الضوء الأخضر للعملية العسكرية الموسعة بداية الأسبوع المقبل: فصائل معارضة وقوات تركية خاصة على الأرض وطائرات روسية – تركية فوق إدلب. ويساهم تنفيذ هذا الاتفاق في منع «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تعتبرها أنقرة «تنظيماً إرهابياً» من التمدد من شمال حلب إلى البحر المتوسط، بحسب قناعة الجانب التركي، وإن كانت بعض المصادر التركية حذرت من «الغرق في المستنقع السوري وردود فعل المتطرفين من شمال سوريا».

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

[This article was originally posted on Aawsat.]

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا