تدريباتنا

طوفان سوريا وما بعد الفساد إلا الغرق

بواسطة | مايو 2, 2018

ماذا يحصل في دولة تنخر جميع مفاصلها شتى أنواع الفساد والمحسوبية، وتحكمها شلة من المسؤولين الانتهازيين الموهومين بتحقيق الإنجازات، المنفصمين عن الواقع بأقوالهم وتصريحاتهم الخيالية، التي تقول بأن شوارع دولتهم أفضل من شوارع سويسرا!

ماذا يحصد مواطنو هكذا دولة من مسؤولين بهذا المستوى من التفكير، حين تواجههم مصيبة أو كارثة؟ إنهم لا يحصدون سوى الوهم واليأس والتعب.

ليلة الـ 26 من نيسان كانت ليلة قاسية وحزينة على السوريين الذين فقدوا ممتلكاتهم وطافت بيوتهم بالسيول، كارثة بيئية بحجمها الكبير كشفت عيوب المسؤولين، الذين على مدى عدة عقود لا يعبرون مواطنيهم ولا يظهرون للعلن أمام الناس لإعلامهم بكيفية التعامل مع أي كارثة تواجههم سواء كانت كارثة بيئية أو إنسانية، في حين يعتبر هذا الأمر بديهياً لدى المسؤولين في دول العالم المتحضر، فتوعية الناس وتثقيفهم بكيفية التعامل مع الكوارث واجب على الدول التي تحترم شعوبها.

غزارة الأمطار الهاطلة تحولت إلى سيول جارفة، بشكل لم يعتده السوريون خاصة في عاصمة الياسمين “دمشق” فقد تحولت الأمطار لطوفان خلال ساعات قليلة، حيث كثر نزول الأمطار في سائر المناطق السورية، وكانت غالب مناطق دمشق قد نُكبت بخسائر من هذه السيول فنتج عنها ما لم ير مثله منذ سنين من أضرار بالغة في المباني والسيارات والحافلات.

تسببت الأمطار الغزيرة، في وقوع حوادث مرور خطيرة فضلا عن اجتثاث أشجار وأعمدة الإنارة. كما عاشت عائلات أوقاتاً عصيبة بعدما وجدت نفسها عالقة بسيارتها وسط السيول.

جرف الطوفان كل شيء وكأن ما أصاب السوريين خلال سنوات الحرب لم يكن كافياً ليحل عليهم طوفان نيسان بقسوة لم يسبق لهم أن شاهدوا مثلها.

طوفان نيسان، كشف عيوب محافظة دمشق وواليها “المحافظ”، الذي أجر واستثمر بمرافق دمشق وحولها إلى عاصمة “للأجار”، ورغم فداحة هذا الطوفان وما كشفه من عيوب، إلا أنه عجز أن يخرج أي مسؤول عن صمته، ليقدموا اعتذاراً شفهياً للناس، ولم يتجرأ أحد منهم على تقديم استقالته لفشلهم في احتواء هذه الكارثة وما حصدته من أضرار ذهب ضحيتها عدد كبير من ممتلكات السوريين.

رغم وجود مركز للأرصاد الجوية، ومركز للاستشعار عن بعد، إلا أن المسؤولين في سوريا لم يغيروا من آلية تفكيرهم وإدارتهم لتجنب الكوارث الطبيعية التي تقع دون أي تحضير أو استعداد حكومي لمواجهة مثل هذه الكوارث البيئية، وما أن ينتقد المواطنون قصور هذه الجهات وفسادها حتى تنهال التبريرات والأعذار غير المنطقية بأن حجم الأمطار كان فوق المتوقع، وبأن الأضرار وقعت فقط ضمن المناطق العشوائية التي تفتقر للتنظيم الجيد، علماً أن هذا التبرير غير صحيح فشوارع العاصمة الرئيسية تحولت خلال ساعات قليلة لأنهار تطفوا وسطها السيارات.

السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو استمرت الأمطار بالهطول بهذا الحجم لمُدة 3 أيام متواصلة؟ هل كان سيقوم أحد المعنيين بتفقد المواطنين ومحاولة إنقاذهم ومساعدتهم في مصابهم؟

السوريون الذين دهشوا من حجم الطوفان، لم يدهشهم صمت المسؤولين وفسادهم حتى بأبسط حقوقهم وهي ضمان أمنهم وسلامتهم، فقد اعتاد السوريون مواجهة مصائبهم لوحدهم دون التفكير ولو لبرهة بالتعويل على حكوماتهم المتعاقبة التي اعتادت لعب دور “المتفرج الصامت” ومراقبة مايحدث حولها، وكأنه في كوكب آخر.

طوفان سوريا، مؤشر بسيط ومرآة عكست مجمل حال البلد والحكومة والإدارات، البلد غارق بفساده الذي كان أبرز أسباب الحرب التي يعيشها، ومع ذلك يترفع المسؤولون صغيرهم قبل كبيرهم، عن إيجاد مخرج لمثل هذه الكوارث، ويمضي الوقت دون أن يحاسب أحد. أما مجلس الشعب فهو مجلس للنوام وليس للنواب، فاشل في استجواب مسؤول وعزله أو إحالته للقضاء، والسبب أن الجميع يعمل وفق آلية السكرتارية ينتظرون الأوامر والتوجيهات لتنفيذها، ومعايير نجاح المسؤول لا تتصل بالإنجازات الحقيقية ورضا الناس إنما تتصل بالتخريب والفساد والتدمير واستغباء المواطن.

يضاف طوفان سوريا، إلى قائمة الكوارث التي واجهها السوريون خلال سبع سنوات من حرب عصابات وتفجير، وقصف، وقتل، وخطف، وسرقة، ودمار البنى التحتية، إلى التشريد، والتهجير، وجفاف الأراضي، والعواصف الرملية، والثلجية، وبذلك يكون السوريون من أكثر الشعوب الذين عاصروا وواجهوا جميع الكوارث البشرية والبيئية، مرددين بأعماقهم مقولة الكاتب الراحل نجيب محفوظ “نحن في حاجة إلى طوفان جديد لتمضي السفينة بقلة الفضلاء ليعيدوا خلق العالم من جديد” عل الطوفان القادم يقضي على الفاسدين.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا