في أحد أشدّ أيام سوريا حساسيةً وأكثر مفاصلها تعقيداً، تحديداً في اليوم الرابع...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...

بعد سقوط الأسد المفاجئ عم ابتهاج لدى غالبية الشارع السوري بكافة أطيافه، حتى لدى من عرف بالموالاة وبعضهم ممن كان يعلن تأييده الكامل للنظام، ولهذا سرعان ما بدأ جرد حسابٍ للمواقف خلال أربعة عشر عاماً من الحرب السورية. وانبرى من يود سلب ليس المؤيدين فقط محاولة التعبير عن فرحهم، بل حتى كل من بقي بالبلاد أو لم يتعرض لأذى النظام ومن صمت عن المقتلة السورية معتبرين ذلك تغيير مواقف، متناسين الأسباب التي تركت الناس بين سندان النظام ومطرقة بطشه، وأن صمت الكثيرين تحت سقف النظام كان دافعه الأول الخوف من بطش النظام الأسدي الذي أدرك الجميع وحشية منظومته الأمنية بعد فتح السجون.
وظهر حس السخرية من المؤيدين وخاصة الشخصيات العامة من فنانين ورموز عرفت بتأييدها الكامل للنظام المخلوع في مصطلح التكويع، وهو لفظ عامي يعني تغيير الموقف والالتفاف 180 درجة لتغيير جهة السير عند حدوث طارئ.
تأذى من ذلك كثيرون ممن فرحوا حقاً بسقوط النظام وكانوا قد وصلوا إلى أوج المعاناة الاقتصادية وبدأوا بالتململ منذ فترة ليست بالقليلة قبل سقوطه، ولا يحق لأحد أن يتجاهل كثيراً من الأسر التي باعت منازلها لتستطيع تهريب أولادها إلى خارج البلاد هرباً من خدمة العلم التي صارت كابوساً. ومع سحب حق إشهار المواقف ضد النظام بعد سقوطه في عبارة لازمة: “وين كنتو في السنوات الأربع عشر الماضية حين كان الأسد يقتلنا”، كان من الطبيعي أيضاً أن تتوقف الأنظار عند تناسي مواقف أشخاص كانوا داعمين للنظام، بل في مكنته العسكرية وقبول وجودهم مجدداً، وظهورهم العلني إلى جانب شخصيات في الإدارة السياسية وفي نشاطاتها دون خجل.
ويبدو أن هذا التكويع صار أسلوباً سورياً، فمن الملفت للانتباه اليوم بعد ما جرى في الساحل السوري أن كثيراً من الشخصيات في المقلب الآخر موجودة في أوربا بدأت تمارس نفس السلوك، إذ بعد أن كانت تمارس الخطاب الطائفي والتجييش والحض على القتل والانتقام حتى وصل بها الأمر إلى حد التفاخر بالإبادة للطائفة العلوية، والتحريض عليها علناً دون خجل، ظهرت بعد أيام متباكية ومعتذرة بعد أن اكتشفت أن الدول الأوربية لا ترضى بهذا السلوك وتعتبر ذلك خطراً على أمنها و فعلاً بدأت بملاحقة من يثبت أنه يفعل ذلك لإعادته إلى بلاده.
ما الذي يجعل السوريين على مفترق طرق:
إن صمت الحكومة والإدارة السياسية الجديدة عن محاكمة ومحاسبة رموز وداعمي النظام القديم ترك للشارع الشعبي مهمة منح الانتماء الوطني للبعض وسحبه من الآخر حسب رؤية متحركة وليست ثابتة إذ هي عرضة للمزاج والمنظور الشخصي والطائفي ولا يحكمها القانون. ولعل هذا تبدى للبعض على أنه حالة ديموقراطية في التعبير، ولكنه في الحقيقة لا يتماشى مع سلوك الدولة التي عليها أن ترعى عقداً اجتماعياً يصون ويحمي المجتمع والحقوق على قدم المساواة والعدالة مع جميع المكونات. ولهذا كان شعار العدالة الانتقالية ملحاً لإنقاذ الشارع السوري من الانقسام والتردي في مهاوي التخوين والإقصاء.
والجدير بالذكر أن سكان حي التضامن خرجوا في تظاهرة رافضة لظهور المسؤول عن مرتكبي مجزرة التضامن مع مسؤولين من الإدارة الجديدة في الحي وأصدرت مجموعة السلم الأهلي بياناً ضد ذلك.
هذا الانقسام بالشارع السوري كان سببه تأخر القضاء عن القيام بمهمته في تحقيق العدالة الانتقالية التي كانت ستكون فيصلاً في وضع الإدارة الجديدة أمام مسؤولياتها في المجتمع الجديد، وسحب شهادات الانتماء للوطن من يد جهة معين منه.
أما عن ظاهرة التكويع الجديدة الحاصلة بين المحرضين على الكراهية كما وصفتهم الدول الأوربية، فهي تعكس ما وقع فيه الشباب المهاجر من انغماس شديد بالفكر المتطرف الإقصائي والحقد الطائفي الكبير، والقدرة على تسويغ العنف بمبرر ديني وإلهي. لا نختلف أن النظام السابق زرع الحقد الطائفي ليحافظ على بقائه لكن التطرف استلمه ورعاه واستثمره في نهجه ومشروعه على مدى السنوات الأربعة عشر السابقة وذهب به نحو تشويه حقيقة الصراع بين السلطة والشعب إلى صراع بين طائفتين. ورغم حجم الدعاية للتطرف الديني الكبير في الخارج، لم تقم أوربا بمحاصرة هذا الفكر إلا في الإطار الذي يخدم مصالحها فهي تخاف على نفسها منه ومن العمليات التي يقوم بها من حين لآخر لكنها حريصة على تصديره إلى بلدان العالم الثالث حين تود توظيفه في سياستها.
تتفق نسبة عالية من السوريين على أن هذا الفكر الحاقد غريب عليها وأنهم يميلون للتعايش إلا أن قمع السلطة التي احتمت بالطائفة العلوية جعل الطرف الآخر يميل للاحتماء بالفكر الديني الذي يتراوح بين الاعتدال وبين التطرف. وكما قال المفكر محمد كامل الخطيب إن الإنسان عند فقدانه الانتماء للمواطنة سيلجأ للانتماء الذي يحقق له الأمان من انتماء طائفي أوديني أو قبائلي أو عائلي لأن هذا يحقق له الأمان في ظل غياب الانتماء للوطن وغياب المنظمات والأحزاب السياسية التي تهتدي بفكر سياسي يقوم بوضع هدف للنضال والسعي إليه.
منظمات مدنية تحض على الكراهية و العنف والتجييش الطائفي :
لم يقتصر التشوه على الحياة السياسية ومستوى الأفراد، بل تعدى ذلك إلى المنظمات المدنية التي عليها أن تكون حيادية وتحافظ على دورها الإنساني وأهدافها التي ترعاها منظمات عالمية وتقرها حقوق الإنسان.
ظهر منذ فترة فيديو لفريق يدعى عبق يعمل في منطقة الباب وريف حلب يقوم بتوزيع وجبة إفطار على الناس المارين في الشوارع، كتب على أكياس الوجبة عبارات طائفية وتحض على العنف.
وبعد أن تمت إدانة ذلك بشدة من قبل صفحات التواصل الاجتماعي قدم الفريق اعتذارين متتاليين عن فعلته، ثم قيل إنه تم إيقاف عمل الفريق ونشر نبأ اعتقال أفراد منه ليظهر مرة أخرى في صورة متداولة تحت عبارة ساخرة من نبأ الاعتقال.
ليس هذا بالتحديد ما يثير الاستنكار لدى المتابعين، بل لأن سخرية الفريق من نبأ اعتقاله لا تعني فقط الاستمرار بالنهج والقناعة بهذا الفكر بل هو أيضاً شبه تنصل من الاعتذارين وعدم اعتراف بالخطأ الذي تم ارتكابه بل وتحدي للرأي العام.
كانت عملية سقوط النظام السوري مدوية وكاملة كبنيان سياسي لكن متى يسقط بناء التعصب والإقصاء الذي غرسه أولاً النظام داخل الأفراد وأفرزته سنوات الحرب منذ اندلاع الثورة مع كل معاناة الناس الممتدة عبر هذه السنين، وهل ستقوم السلطة الجديدة بما يخفف الاحتقان خاصة بعد الإبادة الجماعية التي جرت في الساحل السوري على خلفية تأجيج الوضع الأمني من قبل شرذمة فتيحة وأعوانه. هل ستكون لدينا سلطة تتجه نحو بناء الدولة التي تحقق أماني كافة أفراد المجتمع؟
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
فوضى الإعلام والحاجة إلى شاشاتٍ وطنيةٍ موثوقة
في أحد أشدّ أيام سوريا حساسيةً وأكثر مفاصلها تعقيداً، تحديداً في اليوم الرابع...
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...