تدريباتنا

عمليات القتل المستهدفة للعلويين في الساحل السوري في ظل غياب أية مساءلة للحكومة الانتقالية 

بواسطة | مارس 22, 2025

انتشرت في الأيام الأخيرة على عدة وسائل إعلام دولية تقارير مقلقة عن عمليات القتل الجماعي الممنهج والمتعمد في غرب سوريا، وهناك حديث عن أدلة متزايدة تُشير لوجود عنف طائفي واشتباكات بين مجموعة تشكلت حديثاً من المتمردين الموالين للأسد ومؤيدي الحكومة السورية المؤقتة. هناك مزاعم أن المجموعة الموالية للأسد تتألف بشكل رئيسي من أفراد من الأقلية العلوية ويقودها شخصيات معروفة مثل مقداد فتيحة والقائد السابق للواء 42 التابع لنظام الأسد غياث دلا. وقد دعا المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بالفعل إلى اتخاذ إجراءات سريعة، ووعد الزعيم السوري الجديد، أحمد حسين الشرع (المعروف أيضاً باسم أبو محمد الجولاني)، بتشكيل لجنة للتحقيق في عمليات القتل الانتقامية الجماعية التي تحدثت عنها التقارير على نطاق واسع. ما يبدو أنه ينقص معظم هذه التقارير هو بيان واضح يشير إلى الطابع المنهجي والمتعمد لقتل العلويين في المحافظات السورية: اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة. 

تُظهر التقارير التي نُشرت مؤخرًا أدلة مصورة لا لبس فيها أن هناك عدداً قليلاً من المواطنين الأوروبيين المتجنسين من أصول سورية في الخارج من الداعمين لأحداث العنف في سوريا والمحتفين بها أيضًا. مع ذلك، ليس هذا هو الدليل الوحيد المثير للقلق: يبدو أن أولئك الذين يروجون لخطاب الكراهية ويحرضون على العنف مدفوعين برغبة لجذب الانتباه. فهم يضخّمون خطابهم لجذب الانتباه وزيادة عدد المشاهدين وزيادة الشهرة والأرباح المالية. كما أن مقاطع الفيديو البارعة التي يشاركونها عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي على غرار ”تيك توك“ تشجع على الفظائع التي تُرتكب بسوريا ويستخدمون في الفيديوهات أنغاماً جذابة تُساهم بزيادة العنف. 

في مقال نُشر مؤخرًا في صحيفة “المشاهد“، يصف بول وودز المواد الإعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي التي تمثل الفظائع بقوله: ”إنهم يصورونها، ويحتفلون بها، وينشرونها على موقع X.” هناك مقاطع فيديو  من سوريا ”تُظهر مقاتلين إسلاميين يجبرون الرجال العلويين المذعورين على الجثو على أيديهم في وضعية للركوب ومن ثم العواء مثل الكلاب“. ويتم إجبار الضحايا على ”الزحف على طول شارع ملطخ بالدماء بينما يقوم مسلح ملتحٍ بضربهم بعصا. تأتي الكاميرا لتستقر على نصف دزينة من الجثث. ثم نسمع طلقات البنادق.“

ومن بين المنشورات البغيضة على وسائل التواصل الاجتماعي لقطات فيديو واسعة النطاق، تم تصوير معظمها من قبل الجناة أنفسهم، والتي تقدم دليلاً واضحاً على تورط الجماعات المسلحة الموالية للحكومة الحالية في هذه الفظائع. وتصف العديد من روايات شهود العيان كيف يتنقل رجال يرتدون الزي الرسمي من منزل إلى آخر في الأحياء العلوية والمسيحية للاستفسار عن الهويات الدينية للأشخاص ومكان إقامتهم قبل القيام باعتقالات جماعية. كما أن هناك تقارير شهود عيان تتحدث عن عمليات إعدام جماعي معلنة قبل حدوثها. وقد راح ضحيتها عائلات بأكملها، بما في ذلك الأطفال والرضع. وفي حين أن العلويين هم المستهدفون في المقام الأول، إلا أن بعض المسيحيين الشرقيين لم يسلموا من هذه الإعدامات أيضاً، أو المسلمين السنة الذين يشتبه في إيوائهم للسكان العلويين المستهدفين.

إن تصوير الجناة الساخر لأنفسهم في هذه الفيديوهات -أي فسادهم المطلق- لا يعرف حدودًا. إن كراهيتهم المجردة من الإنسانية واضحة وجلية. تُرمى الجثث في الخنادق أو تُحرق أو تُترك على جانب الطريق لتتعفن. تُدمر المنازل بشكل منهجي ثم تُحرق. كل هذا لضمان حرمان الناجين من أي وسيلة للبقاء على قيد الحياة. حتى أولئك الذين يتمكنون من الفرار يتم اصطيادهم في المناطق الجبلية النائية حيث يُجبرون على العيش على العشب وأوراق الشجر، وفقًا لتقارير شهود عيان منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.

أدلة موثقة لمقتل محمد حسن وعائلته في منزلهم في حي القصور في بانياس (تُنشر هنا بإذن من معتز محمد حسن، شقيق الضحية).

يجب أن تتم محاسبة الحكومة السورية المؤقتة وهيئة تحرير الشام على الفظائع التي تحدث تحت أنظارهم. يجب أن تتم محاسبتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي ممنهج ومتعمد للعلويين، كما رأينا في حالة عائلة حسن. 

فقد أُعدمت العائلة بأكملها داخل منزلها حوالي الساعة 1:30 بعد ظهر يوم الجمعة 7 مارس 2025 في حي القصور في بانياس: محمد حسن (مُدرس رياضيات)، وزوجته لينا جنود (مُدرسة علوم)، وابنتهما منيسة البالغة من العمر ثلاث سنوات (كما أكد شقيقها لاحقاً)، ووالدته ندى عبد الله. وقد تم التشكيك في صحة الصورة المجهولة مع الجثث، ونُسبت في البداية إلى جرائم ارتكبت في مناطق أخرى، مثل أوكرانيا والعراق، إلا أن منصة تأكد السورية فندت ذلك مؤكدة صحة الصورة. وتلقي المجازر المستمرة وانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بها، والتي تظهر علامات واضحة على التطهير العرقي، بظلال قاتمة على مستقبل سوريا.

التزمت وسائل الإعلام الدولية بالصمت حيال هذه القضية لفترة طويلة، فيما يبدو أنه اتفاق ضمني يُطبق أيضاً على تعاملها مع الأحداث الجارية في سوريا. وقد ساعدت العديد من الصور الإعلامية على نشر روايات مضللة وخطاب تحريضي ضد العلويين الذين يشار إليهم بشكل رئيسي على أنهم مؤيدون للأسد وبالتالي جناة. وبالفعل، لا يُنظر إليهم كضحايا إلى حد ما. ما لا يتم تسليط الضوء عليه إعلامياً هو أن العديد من العلويين شاركوا بنشاط وعلانية في المظاهرات والمقاومة ضد نظام الأسد. وقد سُجن العديد منهم لعقود من الزمن في ظل حكم حافظ الأسد (1970-2000) وابنه بشار (2000-2024)، أو تعرضوا للتهديد بالقتل من قبل النظام. 

حتى الآن، لا يوجد إشارة واحدة إلى إجراءات قانونية موعودة أو مضمونة تعالج جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد، والفظائع التي ارتكبها تنظيم القاعدة، أو داعش، أو النصرة، أو غيرها من الجماعات المرتبطة الآن بهيئة تحرير الشام الحاكمة. إن الفشل في معالجة فظائع الماضي والعجز عن منع ارتكاب المزيد من الفظائع يمثل فرصة ضائعة بشكل لا رجعة فيه للحكومة الانتقالية وداعميها لإظهار التزام حقيقي بالوحدة الوطنية.

يواصل العلويون الآن توثيق الفظائع التي تحدث في قراهم وبلداتهم، بدلاً من أن يجدوا السلام والأمان في ظل الحكومة الجديدة. بالنسبة للكثيرين ممن شاركوا في الانتفاضة ضد نظام الأسد، يبدو الأمر بالنسبة لهم وكأنه استعادة لما حدث في الأشهر الأولى من الانتفاضة في عام 2011. فقد ساهمت التصورات السائدة والمبسطة جداً والتي تختصر نظام الأسد بأنه ”نظام علوي“ بتشكيل ذريعة للقوات شبه العسكرية والأمنية الموالية للحكومة الحالية للقيام بعمليات تطهير عرقي وقتل جماعي. ووفقًا للباحث السوري البروفيسور باسيليوس زينو (جامعة ترينت، كندا)، فإن ”أعمال العنف هذه ليست مجرد انتقام لمقتل العشرات من قوات الأمن العام التابعة للحكومة الجديدة بالقرب من جبلة (محافظة اللاذقية) في 6 مارس/آذار، بالإضافة إلى هجمات مشابهة شنها متمردون مؤيدون للأسد في عدة مناطق في اللاذقية وطرطوس كما تكشف لاحقاً، بل هي أيضًا محاولة لإلقاء اللوم على الطائفة العلوية بأكملها بسبب جرائم الأسد، وبالتالي التحريض على مزيد من الصراعات العرقية“.

إن الأدلة التي تم جمعها حتى الآن بدقة  وحرفية  من قبل المرصد السوري لحقوق الإنسان والشبكة السورية لحقوق الإنسان وفرقهما من المهنيين والمتطوعين هي أدلة كبيرة ولا يمكن إنكارها. بالنسبة للباحثين القانونيين الذين يعملون على هذه القضية، فإن الأدلة ترقى إلى شكل متعمد ومقصود من أشكال التطهير العرقي، على الرغم من أن الأدلة الملموسة التي جمعها الضحايا يتم تدميرها بشكل منهجي من قبل الجناة. ومع ذلك، تعمل بعض منظمات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش والمركز السوري للعدالة والمساءلة بنشاط مع الأفراد المتضررين لجمع الأدلة والتحقق من الشهادات.

إن الطبيعة الممنهجة والمدبرة والمتعمدة لعمليات قتل العلويين لا يمكن التشكيك فيها في ضوء المعلومات التي توفرها مراكز التوثيق كما ذكرنا أعلاه. ويحذر البروفيسور زينو، المطلع على البيانات الأولية مثل الأرقام الإحصائية لحصيلة القتلى، والمعني مباشرة بشهادات الناجين، من أن عمليات القتل هذه ”يمكن أن تصبح من أكبر المذابح الطائفية إذا قارنا عدد الضحايا مع الفترة الزمنية القصيرة التي تم القتل فيها، وإذا استمرت موجة القتل على هذا النحو فتمكن مقارنتها بالإبادة الجماعية في رواندا (1994) ومذبحة سربرنيتشا (1995)“. إذا ما اختار الاتحاد الأوروبي وحكوماته التزام الصمت حيال هذا الموضوع، فإنهم سيصبحون في نهاية المطاف متواطئين في الجرائم ضد الإنسانية ذاتها التي قد تُحاسب عليها الحكومة المؤقتة في سوريا أمام المحكمة.

© نُشر على فيسبوك من قبل مجموعة السلام المدني -Seen مجموعة السلم الأهلي – مركز مجتمعي – منظمة غير حكومية، في 12 مارس 2025، الساعة8:32 صباحًا

ملاحظة: نُشر هذا المقال لأول مرة باللغة الألمانية من قبل المجلس المركزي للمسيحيين الشرقيين في ألمانيا.

يمكن التواصل مع الكاتب عبر:  بلوسكي، فيسبوك.

مواضيع ذات صلة

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

ياسين الحافظ كاتبٌ ومفكر سياسي سوري من الطراز الرفيع، يعدُّ من المؤسسين والمنظرين للتجربة الحزبية العربية. اشترك في العديد من الأحزاب القومية واليسارية، ويعدُّ الحافظ في طليعة المفكرين التقدميين في العالم العربي، اتسم فكره بالواقعية النقدية، تحت تأثير منشأه الجغرافي...

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

مواضيع أخرى

ظاهرة التكويع السورية على مستوى الأفراد والمنظمات

ظاهرة التكويع السورية على مستوى الأفراد والمنظمات

بعد سقوط الأسد المفاجئ عم ابتهاج لدى غالبية الشارع السوري بكافة أطيافه، حتى لدى من عرف بالموالاة وبعضهم ممن كان يعلن تأييده الكامل للنظام، ولهذا سرعان ما بدأ جرد حسابٍ للمواقف خلال أربعة عشر عاماً من الحرب السورية. وانبرى من يود سلب ليس المؤيدين فقط محاولة التعبير عن...

اللاجئون السوريون وخطر الترحيل بسبب خطاب الكراهية!

اللاجئون السوريون وخطر الترحيل بسبب خطاب الكراهية!

مع تزايد التوترات في سوريا، لا سيما بعد المجازر التي وقعت في الساحل السوري، باتت الحكومات الأوروبية أكثر تشدداً في التعامل مع أي نشاط مرتبط بدعم العنف أو الإرهاب، سواء أكان ذلك على أرض الواقع أم عبر الفضاء الرقمي. هذا التوجه يعكس التزام أوروبا بتطبيق القوانين الدولية...

رمضان 2025: موائد خالية وبهجة مفقودة وطقوسٌ مندثرة 

رمضان 2025: موائد خالية وبهجة مفقودة وطقوسٌ مندثرة 

"هذا أقسى رمضانٍ أشهده منذ ولدت، وكأنمّا الخير تلاشى دفعةً واحدة، فطرنا في اليوم الأول على شعيرية سريعة التحضير، لا بأس بها، لا تكلف الكثير"، تقول الحاجّة أم لطفي المنحدرة من ريف دمشق في حديثها مع "صالون سوريا" مبينةً أنّ شهر الخير من عامٍ لآخر يفقد بهجته ورونقه...

تدريباتنا